الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثامنة عشرة :

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } . قد أطلنا النفس في هذه الآية في كتاب المشكلين وشرح الصحيح بما يقف بكم فيها على المعرفة ، فأما الآن فخذوا نبذة تشرف بكم على الغرض : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق { ابن مسعود وغيره قال بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . فقال : ما رابكم إليه ؟ لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه . قالوا : سلوه ، فسألوه عن [ ص: 215 ] الروح ، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : يسألونك عن " الروح " الآية } .

                                                                                                                                                                                                              قال ابن وهب عن مالك : لم يأته في ذلك جواب ، وقد قال بكر بن مضر في رواية ابن وهب عنه : إن اليهود قالوا : سلوه عن الروح ، فإن أخبركم فليس بنبي ، وإن لم يخبركم فهو نبي ، فسألوه فنزلت الآية .

                                                                                                                                                                                                              ومعنى هذا أن الأنبياء لا يتكلمون مع الخلق في المتشابهات ، ولا يفيضون معهم في المشكلات ، وإنما يأخذون في البين من الأمور المعقولات ، والروح خلق من خلق الله تعالى جعله الله في الأجسام ، فأحياها به ، وعلمها وأقدرها ، وبنى عليها الصفات الشريفة ، والأخلاق الكريمة ، وقابلها بأضدادها لنقصان الآدمية ، فإذا أراد العبد إنكارها لم يقدر لظهور آثارها ، وإذا أراد معرفتها وهي بين جنبيه لم يستطع ؟ ; لأنه قصر عنها وقصر به دونها . وقال أكثر العلماء : إنه سبحانه ركب ذلك فيه عبرة ، كما قال : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } ليرى أن البارئ تعالى لا يقدر على جحده لظهور آياته في أفعاله :

                                                                                                                                                                                                              ففي كل شيء آية تدل على أنه واحد

                                                                                                                                                                                                              ولا يحيط به لكبريائه وعظمته ، فإذا وقف متفكرا في هذا ناداه الاعتبار : لا ترتب ، ففيك من ذلك آثار ، انظر إلى موجود في إهابك لا تقدر على إنكاره لظهور آثاره ، ولا تحيط بمقداره ، لقصورك عنه فيأخذه الدليل ، وتقوم لله الحجة البالغة عليه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية