الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة ابن أبي الشوارب ، أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، أبو الحسن القرشي الأموي قاضي قضاة بغداد بعد ابن الأكفاني بثنتي عشرة سنة ، وكان عفيفا نزها ، وقد سمع الحديث من أبي عمر الزاهد وعبد الباقي بن قانع ، إلا أنه لم يحدث . قاله ابن الجوزي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحكى الخطيب البغدادي عن شيخه أبي العلاء الواسطي أن أبا الحسن هذا آخر من ولي الحكم ببغداد من سلالة محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وقد ولي الحكم من سلالته أربعة وعشرون ، منهم ثمانية ولوا قضاء قضاة بغداد . قال أبو العلاء : ما رأينا مثل أبي الحسن هذا ; جلالة ونزاهة وصيانة وشرفا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر القاضي الماوردي أنه كان له صديقا وصاحبا ، وأن رجلا من خيار الناس أوصى له بمائتي دينار ، فحملها إليه الماوردي ، فأبى القاضي أن يقبلها ، فجهد عليه كل الجهد ، فلم يفعل ، وقال : أسألك بالله لا تذكر هذا لأحد ما دمت [ ص: 612 ] حيا . ففعل ، فلم يخبر عنه إلا بعد موته . وكان ابن أبي الشوارب فقيرا إليها وإلى ما هو دونها ، فلم يقبلها ، رحمه الله . وقد توفي في شوال من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جعفر بن باي ، أبو مسلم الجيلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع ابن بطة ودرس فقه الشافعي على الشيخ أبي حامد الإسفراييني ، وكان ثقة دينا فاضلا ، توفي في رمضان من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه ، أبو حازم الهذلي النيسابوري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع ابن نجيد والإسماعيلي وخلقا ، وسمع منه الخطيب وغيره ، وكان الناس يسمعون بإفادته وانتخابه ، توفي يوم عيد الفطر منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علي بن أحمد بن عمر بن حفص ، أبو الحسن المقرئ المعروف بالحمامي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع النجاد والخلدي وابن السماك وغيرهم ، وكان صدوقا فاضلا ، حسن الاعتقاد ، وتفرد بأسانيد القراءات وعلوها ، توفي في شعبان من [ ص: 613 ] هذه السنة عن تسع وثمانين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللغوي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب كتاب " الفصوص " في اللغة على طريقة القالي في " الأمالي " صنفه للمنصور بن أبي عامر ، فأجازه عليه خمسة آلاف دينار ، ثم قيل له : إنه كذاب متهم فيما ينقله ، فأمر بإلقاء الكتاب في النهر . فقال في ذلك بعض الشعراء :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد غاص في الماء كتاب الفصوص وهكذا كل ثقيل يغوص

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما بلغ صاعدا هذا البيت أنشد :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عاد إلى عنصره إنما     يخرج من قعر البحور الفصوص

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كأنه سمى هذا الكتاب بهذا الاسم ليشاكل به " الصحاح " للجوهري ، لكنه كان مع فصاحته وبلاغته وعلمه متهما بالكذب فيما يرويه وينقله ، فلهذا رفض الناس كتابه ، ولم يشتهر بينهم ، وقد كان ظريفا ماجنا سريع الجواب ، سأله رجل أعمى على سبيل التهكم بحضرة جماعة ، فقال له : ما الجرنفل ؟ فأطرق ساعة ، وعرف أنه افتعل هذه اللفظة ، ثم رفع رأسه إليه ، فقال : هو الذي يأتي نساء العميان ، ولا يتعداهن إلى غيرهن . فاستحيى ذلك الأعمى ، وضحك الحاضرون . وقد كانت وفاته في هذه السنة ، سامحه الله تعالى ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 614 ] القفال المروزي هو أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله القفال ، أحد أئمة الشافعية الكبار ، علما ورشدا وحفظا وتصنيفا وورعا ، وإليه تنسب الطريقة الخراسانية ، ومن أصحابه الشيخ أبو محمد الجويني ، والقاضي حسين ، وأبو علي السنجي ، قال القاضي ابن خلكان : وأخذ عنه إمام الحرمين وفيما قاله نظر ; لأن سن إمام الحرمين لا يحتمل ذلك ; فإن القفال هذا توفي في هذه السنة وله تسعون سنة ، ودفن بسجستان ، وإمام الحرمين ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة بعد وفاة القفال بسنتين . ومات سنة ثمان وسبعين كما سيأتي . وإنما قيل له : القفال ; لأنه كان أولا يعمل الأقفال ، ولم يشتغل إلا وهو ابن ثلاثين سنة ، ثم أقبل على الاشتغال بعد ذلك ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية