الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    [ ص: 315 ] ( هل أتاك حديث موسى ( 15 ) ) ( إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ( 16 ) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( 17 ) فقل هل لك إلى أن تزكى ( 18 ) وأهديك إلى ربك فتخشى ( 19 ) فأراه الآية الكبرى ( 20 ) فكذب وعصى ( 21 ) ثم أدبر يسعى ( 22 ) فحشر فنادى ( 23 ) فقال أنا ربكم الأعلى ( 24 ) فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ( 25 ) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ( 26 ) )

                                                                                                                                                                                                    يخبر تعالى رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - عن عبده ورسوله موسى ، عليه السلام ، أنه ابتعثه إلى فرعون ، وأيده بالمعجزات ، ومع هذا استمر على كفره وطغيانه ، حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر . وكذلك عاقبة من خالفك وكذب بما جئت به ; ولهذا قال في آخر القصة : ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى )

                                                                                                                                                                                                    فقوله : ( هل أتاك حديث موسى ) ؟ أي : هل سمعت بخبره ؟ ( إذ ناداه ربه ) أي : كلمه نداء ، ( بالوادي المقدس ) أي : المطهر ، ( طوى ) وهو اسم الوادي على الصحيح ، كما تقدم في سورة طه . فقال له : ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) أي : تجبر وتمرد وعتا ، ( فقل هل لك إلى أن تزكى ) ؟ أي : قل له هل لك أن تجيب إلى طريقة ومسلك تزكى به ، أي : تسلم وتطيع . ( وأهديك إلى ربك ) أي : أدلك إلى عبادة ربك ، ( فتخشى ) أي : فيصير قلبك خاضعا له مطيعا خاشيا بعدما كان قاسيا خبيثا بعيدا من الخير . ( فأراه الآية الكبرى ) يعني : فأظهر له موسى مع هذه الدعوة الحق حجة قوية ، ودليلا واضحا على صدق ما جاءه به من عند الله ، ( فكذب وعصى ) أي : فكذب بالحق وخالف ما أمره به من الطاعة . وحاصله أنه كفر قلبه فلم ينفعل لموسى بباطنه ولا بظاهره ، وعلمه بأن ما جاء به أنه حق لا يلزم منه أنه مؤمن به ; لأن المعرفة علم القلب ، والإيمان عمله ، وهو الانقياد للحق والخضوع له .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( ثم أدبر يسعى ) أي : في مقابلة الحق بالباطل ، وهو جمعه السحرة ليقابلوا ما جاء به موسى ، عليه السلام ، من المعجزة الباهرة ، ( فحشر فنادى ) أي : في قومه ، ( فقال أنا ربكم الأعلى )

                                                                                                                                                                                                    قال ابن عباس ومجاهد : وهذه الكلمة قالها فرعون بعد قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) [ القصص : 38 ] بأربعين سنة .

                                                                                                                                                                                                    قال الله تعالى : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) أي : انتقم الله منه انتقاما جعله به عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين في الدنيا ، ( ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ) [ هود : 99 ] ، كما قال تعالى : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ) [ القصص : 41 ] . هذا هو الصحيح في معنى الآية ، أن المراد بقوله : ( نكال الآخرة والأولى ) أي : الدنيا والآخرة ، وقيل : المراد بذلك كلمتاه الأولى والثانية . وقيل : كفره وعصيانه . والصحيح الذي لا شك فيه الأول .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) أي : لمن يتعظ وينزجر .



                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية