الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب المياه جمع ماء بالمد ويقصر ، أصله موه قلبت الواو ألفا والهاء همزة ، وهو جسم لطيف سيال به حياة كل نام

( يرفع الحدث ) مطلقا ( بماء مطلق ) هو ما يتبادر عند الإطلاق ( كماء سماء وأودية وعيون وآبار وبحار وثلج مذاب ) بحيث يتقاطر وبرد وجمد وندا ، هذا تقسيم باعتبار ما يشاهد وإلا فالكل من السماء { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ، } الآية ، والنكرة [ ص: 180 ] ولو مثبتة في مقام الامتنان تعم ( وماء زمزم ) بلا كراهة وعن أحمد يكره ( وبماء قصد تشميسه بلا كراهة ) وكراهته عند الشافعي طبية ، وكره أحمد المسخن بالنجاسة .

التالي السابق


باب المياه

شروع في بيان ما تحصل به الطهارة السابق بيانها والباب لغة : ما يتوصل منه إلى غيره . واصطلاحا : اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على فصول ومسائل غالبا .

( قوله : جمع ماء ) هو جمع كثرة ويجمع جمع قلة على أمواه بحر .

( قوله : ويقصر ) أشار بتغيير التعبير إلى قلته ولذا قال في النهر وعن بعضهم قصره ط .

( قوله : والهاء همزة ) وقد تبقى على حالها فيقال ماه بالهاء كما في القاموس .

( قوله : به حياة كل نام ) أي زائد من حيوان أو نبات ولا يرد أن الماء الملح ليس فيه حياة ; لأن ذلك عارض والأصل فيه العذوبة كما في حاشية أبي السعود أي لأن أصله من ماء السماء كما يأتي .

( قوله : مطلقا ) أي سواء كان أكبر أو أصغر .

( قوله : هو ما يتبادر عند الإطلاق ) أي ما يسبق إلى الفهم بمطلق قولنا ماء ولم يقم به خبث ولا معنى يمنع جواز الصلاة فخرج الماء المقيد والماء المتنجس والماء المستعمل بحر . وظاهره أن المتنجس والمستعمل غير مقيد مع أنه منه ، لكن عند العالم بالنجاسة والاستعمال ; ولذا قيد بعض العلماء التبادر بقوله بالنسبة للعالم بحاله . واعلم أن الماء المطلق أخص من مطلق ماء لأخذ الإطلاق فيه قيدا ; ولذا صح إخراج المقيد به . وأما مطلق ماء ، فمعناه أي ماء كان ، فيدخل فيه المقيد المذكور ، ولا يصح إرادته هنا .

( قوله : كماء سماء ) الإضافة للتعريف بخلاف الماء المقيد فإن القيد لازم له لا يطلق الماء عليه بدونه كماء الورد بحر .

( قوله : وأودية ) جمع واد .

( قوله : وآبار ) بمد الهمزة وفتح الباء بعدها ألف وبقصر الهمزة وإسكان الباء بعدهما همزة ممدودة بألف جمع بئر شرح المنية .

( قوله : بحيث يتقاطر ) وعن الثاني الجواز مطلقا والأصح قولهما نهر .

( قوله : وبرد وجمد ) أي مذابين أيضا .

( قوله : وندا ) بالفتح والقصر . قال في الإمداد : هو الطل ، وهو ماء على الصحيح ، وقيل نفس دابة . ا هـ . أقول : وكذا الزلال . قال ابن حجر : وهو ما يخرج من جوف صورة توجد في نحو الثلج كالحيوان وليست بحيوان ، فإن تحقق كان نجسا ; لأنه قيء . ا هـ . نعم لا يكون نجسا عندنا ما لم يعلم كونه حيوانا دمويا أما رفع الحدث به فلا يصح وإن كان غير دموي .

( قوله : فالكل ) أي كل المياه المذكورة بالنظر إلى ما في نفس الأمر .

( قوله : والنكرة ) جواب عما يقال [ ص: 180 ] إن ماء في الآية نكرة في سياق الإثبات فلا تعم . وبيان الجواب أن النكرة في الإثبات قد تعم لقرينة لفظية ، كما إذا وصفت بصفة عامة مثل - { ولعبد مؤمن خير } - أو غير لفظية مثل - { علمت نفس } - ومثل : تمرة خير من جرادة وهنا كذلك ، فإن السياق للامتنان هو تعداد النعم من المنعم ، فيفيد أن المراد أنزل من السماء كل ماء فسلكه ينابيع لا بعض الماء حتى يفيد أن بعض ما في الأرض ليس من السماء ; لأن كمال الامتنان في العموم ، ويستدل بالآية أيضا على طهارته إذ لا منة بالنجس .

( قوله : بلا كراهة ) أشار بذلك إلى فائدة التصريح به مع دخوله في قوله وآبار وسيذكر الشارح في آخر كتاب الحج أنه يكره الاستنجاء بماء زمزم لا الاغتسال . ا هـ . فاستفيد منه أن نفي الكراهة خاص في رفع الحدث بخلاف الخبث .

( قوله : قصد تشميسه ) قيد اتفاقي ; لأن المصرح به في كتب الشافعية أنه لو تشمس بنفسه كذلك .

( قوله : وكراهته إلخ ) أقول : المصرح به في شرحي ابن حجر والرملي على المنهاج أنها شرعية تنزيهية لا طبية ، ثم قال ابن حجر : واستعماله يخشى منه البرص كما صح عن عمر رضي الله عنه واعتمده بعض محققي الأطباء لقبض زهومته على مسام البدن فتحبس الدم ، وذكر شروط كراهته عندهم ، وهي أن يكون بقطر حار وقت الحر في إناء منطبع غير نقد ، وأن يستعمل وهو حار . أقول : وقدمنا في مندوبات الوضوء عن الإمداد أن منها أن لا يكون بماء مشمس ، وبه صرح في الحلية مستدلا بما صح عن عمر من النهي عنه ; ولذا صرح في الفتح بكراهته ، ومثله في البحر وقال في معراج الدراية وفي القنية : وتكره الطهارة بالمشمس ، { لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين سخنت الماء بالشمس لا تفعلي يا حميراء ، فإنه يورث البرص } " وعن عمر مثله . وفي رواية لا يكره ، وبه قال أحمد ومالك . والشافعي : يكره إن قصد تشميسه . وفي الغاية : وكره بالمشمس في قطر حار في أوان منطبعة ، واعتبار القصد ضعيف ، وعدمه غير مؤثر ا هـ ما في المعراج ، فقد علمت أن المتعمد الكراهة عندنا لصحة الأثر وأن عدمها رواية . والظاهر أنها تنزيهية عندنا أيضا ، بدليل عده في المندوبات ، فلا فرق حينئذ بين مذهبنا ومذهب الشافعي ، فاغتنم هذا التحرير .




الخدمات العلمية