الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا

قوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم تقدم ذكر كون الشيطان عدو الإنسان ، فانجر الكلام إلى ذكر آدم . والمعنى : اذكر بتمادي هؤلاء المشركين وعتوهم على ربهم قصة إبليس حين عصى ربه وأبى السجود ، وقال ما قال ، وهو ما أخبر الله - تعالى - في قوله - تعالى - :

فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا أي من طين . وهذا استفهام إنكار . وقد تقدم القول في خلق آدم في [ البقرة ] و [ الأنعام ] مستوفى .

قال أرأيتك أي قال إبليس . [ ص: 258 ] والكاف توكيد للمخاطبة .

هذا الذي كرمت علي أي فضلته علي . ورأى جوهر النار خيرا من جوهر الطين ولم يعلم أن الجواهر متماثلة . وقد تقدم هذا في [ الأعراف ] . وهذا نصب ب أرأيت . الذي نعته . والإكرام : اسم جامع لكل ما يحمد . وفي الكلام حذف تقديره : أخبرني عن هذا الذي فضلته علي ، لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين ؟ فحذف لعلم السامع . وقيل : لا حاجة إلى تقدير الحذف ; أي أترى هذا الذي كرمته علي لأفعلن به كذا وكذا .

ومعنى لأحتنكن في قول ابن عباس : لأستولين عليهم . وقاله الفراء . مجاهد : لأحتوينهم . ابن زيد : لأضلنهم . والمعنى متقارب ; أي لأستأصلن ذريته بالإغواء والإضلال ، ولأجتاحنهم . وروي عن العرب : احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله . وقيل : معناه لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت . ومن قولهم : حنكت الفرس أحنكه وأحنكه حنكا إذا جعلت في فيه الرسن . وكذلك احتنكه . والقول الأول قريب من هذا ; لأنه إنما يأتي على الزرع بالحنك . وقال الشاعر :


أشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا وأضعفت




واحتنكت أموالنا واجتلفت



إلا قليلا يعني المعصومين ، وهم الذين ذكرهم الله في قوله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وإنما قال إبليس ذلك ظنا ; . كما قال الله - تعالى - : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه أو علم من طبع البشر تركب الشهوة فيهم ; أو بنى على قول الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها . وقال الحسن : ظن ذلك لأنه وسوس إلى آدم - عليه السلام - فلم يجد له عزما .

التالي السابق


الخدمات العلمية