الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 569 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون ( 12 ) )

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة أهل المدينة ( يرتع ويلعب ) ، بكسر العين من"يرتع" ، وبالياء في"يرتع ويلعب" ، على معنى : "يفتعل" ، من"الرعي" : "ارتعيت فأنا أرتعي" ، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلي : أرسله معنا غدا يرتع الإبل ويلعب ، ( وإنا له لحافظون ) .

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة : ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) ، بالياء في الحرفين جميعا ، وتسكين العين ، من قولهم : "رتع فلان في ماله" ، إذا لها فيه ونعم وأنفقه في شهواته . ومن ذلك قولهم في مثل من الأمثال : "القيد والرتعة" ، ومنه قول القطامي :

أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المئة الرتاعا

وقرأ بعض أهل البصرة ( نرتع ) بالنون ( ونلعب ) بالنون فيهما جميعا ، وسكون العين من"نرتع" .

18813 - حدثني أحمد بن يوسف قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : كان أبو عمرو يقرأ ( نرتع ونلعب ) بالنون ، قال : فقلت [ ص: 570 ] لأبي عمرو : كيف يقولون" نلعب" ، وهم أنبياء؟ قال : لم يكونوا يومئذ أنبياء .

قال أبو جعفر : وأولى القراءة في ذلك عندي بالصواب ، قراءة من قرأه في الحرفين كليهما بالياء ، وبجزم العين في"يرتع" ، لأن القوم إنما سألوا أباهم إرسال يوسف معهم ، وخدعوه بالخبر عن مسألتهم إياه ذلك ، عما ليوسف في إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك ، لا بالخبر عن أنفسهم .

وبذلك أيضا جاء تأويل أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18814 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي ، قال ، حدثني عمي ، قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) ، يقول : يسعى وينشط .

18815 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين ، قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال ، قال ابن عباس : ( يرتع ويلعب ) قال : يلهو ، وينشط ويسعى .

18816 - حدثنا بشر ، قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) ، قال : ينشط ويلهو .

18817 - حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، بنحوه .

18818 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( يرتع ويلعب ) ، قال : يسعى ويلهو .

18819 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين ، قال ، حدثني هشيم ، عن [ ص: 571 ] جويبر ، عن الضحاك ، قوله : ( يرتع ويلعب ) ، قال : يتلهى ويلعب . .

18820 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( يرتع ويلعب ) ، قال : يتلهى ويلعب .

18821 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( يرتع ويلعب ) قال : ينشط ويلعب .

18822 - . . . قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) يلهو .

18823 - قال ، حدثنا حسين بن علي ، عن شيبان ، عن قتادة : ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) ، قال : ينشط ويلعب .

18824 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا نعيم بن ضمضم العامري ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، في قوله : ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) ، قال : يسعى وينشط .

وكأن الذين يقرأون ذلك : ( يرتع ويلعب ) بكسر العين من يرتع ، يتأولونه على الوجه الذي : -

18825 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال ، قال ، ابن زيد في [ ص: 572 ] قوله ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) قال : يرعى غنمه ، وينظر ويعقل ، فيعرف ما يعرف الرجل .

وكان مجاهد يقول في ذلك بما : -

18826 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( نرتع ) ، بحفظ بعضنا بعضا ، نتكالأ نتحارس .

18827 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( نرتع ) قال : يحفظ بعضنا بعضا ، نتكالأ

18828 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد

18829 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

18830 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، بنحوه .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : أرسله معنا غدا نلهو ونلعب وننعم ، وننشط في الصحراء ، ونحن حافظوه من أن يناله شيء يكرهه أو يؤذيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية