الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الثاني في شروط الوجوب وهي ثلاثة : الأول ، الحول ، ويسمى حولا ; لأن الأحوال تحول فيه ، كما يسمى سنة لتسنه الأشياء فيه ، والتسنه التغير ، وسمي عاما ; لأن الشمس عامت فيه حتى قطعت جملة الفلك ، ولذلك قال الله تعالى : ( وكل في فلك يسبحون ) ( يس : 36 ) ، وأصل شرطيته : ما في أبي داود : ( ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ) ، وشرطيته مختصة بالنقد والماشية بخلاف الزرع ، لقوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ( الأنعام : 6 ) . والفرق : أن الزرع حصل نماؤه يوم حصاده ، ولا يحصل فيهما بمجرد حصولهما في الملك ، ويستثنى من النقدين المعدن والركاز لعلل تأتي إن شاء الله ، وفيه بحثان : البحث الأول في الأرباح ، وهو كل عسر زكاته تقدم في الأصل زكوي في الأول احترازا من لبن الماشية ، الثالث احترازا من علة المفتنات ، وفيه فروع [ ص: 33 ] خمسة : الأول ، في ( الكتاب ) حول ربح المال حول أصله . كان الأصل نصابا أم لا ، ووافق ( ح ) إن كان الأصل نصابا ، ومنع ( ش ) مطلقا . لنا : قول عمر - رضي الله عنه - للساعي عليهم : السخلة يحملها الراعي لا تأخذها ، والربح كالسخال ، وفي ( الجواهر ) : يقدر الربح عند ابن القاسم موجودا يوم الشراء بالمال حتى يضاف إليه ما في يده ، وعند أشهب يوم حصوله ، وعند المغيرة يوم ملك أصل المال ، وعليه تتخرج مسألة ( الكتاب ) : إذا حال الحول على عشرة فأنفق منها خمسة ، واشترى بخمسة سلعة فباعها بخمسة عشر ، قال ابن القاسم : تجب الزكاة إن تقدم الشراء على الإنفاق وإلا فلا ، وأسقطها أشهب مطلقا ، وأوجبها المغيرة مطلقا ، قال سند : وإذا قلنا : يزكي الجميع على قول المغيرة ، فلو أسلف خمسة بعد الحول واشترى بالباقي سلعة وباعها بخمسة عشر لينتظر قبض السلف عند ابن القاسم وأشهب لتكميله النصاب ، وقال ابن حبيب : لا ينتظر لأنه لو أتلفها زكى ، فكيف ينتظر ، فعلى قولها : لو أنفق الخمسة عشر ثم اقتضى .

                                                                                                                قاعدة : متى يثبت الشرع حكما حالة عدم سببه أو شرطه : فإن أمكن تقديرهما معه فهو أقرب من إثباته ، وإلا عد مستثنى عن تلك القاعدة ، كما أثبت الشرع الميراث في دية الخطأ ، وهو مشروط بتقدم ملك الموروث ، قرر العلماء الملك قبل الموت ليصح التوريث ، ولما صححنا عتق الإنسان عبده عن غيره . وأثبتنا الولاء للمعتق عنه احتجنا لتقدير تقدم مثل ملكه للمعتق عنه قبل العتق ; لأنه سبب الإجزاء عن الكفاره وثبوت الولاء ، وذلك كثير في الأسباب والشروط والموانع ، فيعبر العلماء عن هذه القاعدة بإعطاء المعدوم حكم الموجود ، والموجود حكم المعدوم ، وها هنا لما ألحق الشرع السخال والفوائد بالأصول مع اشتراط الحول ولا حول حالة وجودها احتجنا لتقديرها في أول الحول محافظة على الشروط ، ولما كان الشراء سبب الربح قدرهابن القاسم لملازمة المسبب سببه ، وعند [ ص: 34 ] أشهب يوم الحصول ليلا يجمع بين التقديرين ، والتقدير على خلاف الأصل ، والمغيرة يلاحظ سببية الأصل فيقدر عنده . قال سند : وروي عن مالك استقلال الربح بحوله ، وهذا إذا تقدم ملك أصل المال في يده . أما لو اشترى سلعة بمائة ، وليس له مال فباعها بمائة وثلاثين بعد الحول : فروى ابن وهب : يستقبل بالربح لعدم تقدم ملك عليه ، وروى أشهب : يزكيه الآن لأن الدين مستند إلى دنانير في الذمة والمعينة ملكه إجماعا .

                                                                                                                الثاني : قال لو اشترى سلعة بمائة دينار فباع السلعة بمائة وثلاثين : روى ابن القاسم : يزكي الربح على المائة التي بيده إذا حال عليها الحول ; لأن الشراء كان متعلقا بالتي بيده لو طالبه البائع نقدها فكانت أصلا كما لو نقدها ، وروى أشهب : يأتنف حولا به لعدم تعين المائة القضاء ، ولو شاء باع السلعة وقضى من ثمنها ، وإذا قلنا لا . فروى أشهب يبتدئ الحول من يوم النضوض .

                                                                                                                الثالث : قال لو تسلف مائة دينار فربح فيها بعد الحول عشرين . ففي تزكية العشرين خلاف ، ولو تسلف فاتجر فيه حولا : روى ابن القاسم : يؤدي ما تسلف ويزكي الربح . وإليه رجع مالك .

                                                                                                                الرابع : في " الكتاب " : من باع عشر دنانير بمائة درهم بعد الحول ، أو ثلاثين ضأنية قبل مجيء الساعي بعد الحول بأربعين معزى غير حلوب ، أو عشرين جاموسة بثلاثين من البقر ، أو أربعة من البخت بخمسين من العراب زكى ، وقال ( ش ) : لو استبدل ذهبا بذهب أو فضة بفضة استأنف الحول لاشتراط الحول في كل عين ، ولاختلاف أجناسها في البيع . لنا : أن الغرض متحد ، والواجب فيها واحد ، فيكون البدل كربح الأصول حولها واحد ، وأما البيع فباب مكايسة ، وهذا باب معروف ، قال سند : ويتخرج فيه الخلاف الذي في ضم الأرباع .

                                                                                                                الخامس : في ( الكتاب ) : إذا اشترى بالعشرين سلعة بعد الحول قبل التزكية فباعها بعد حول بأربعين زكى للحول الأول عشرين ، وللثاني تسعة وثلاثين ونصف دينار ، يزكي الأربعين . وإن باع قبل حول زكى العشرين فقط حتى يكمل الحول يزكي ، قال سند : وإذا ألحقنا الربح بالفائدة زكى في السنة الثانية عن عشرين فيجب دينار للحولين ويزكي الربح في الحول الثالث ، وإذا فرعنا على المشهور [ ص: 35 ] فلابن القاسم قول : أنه لا يجعل دين الزكاة في العروض بل في المال الذي في يده ، ولا يحتسبه في غيره مع . . . وحول له ; لتعلقها به كتعلق الدين بالرهن والجناية بالجاني من الرقيق .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية