الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 95 ] ذكر عمارة البيت الحرام بمكة

قيل : ثم أمر الله إبراهيم ببناء البيت الحرام ، فضاق بذلك ذرعا فأرسل الله السكينة ، وهي ريح خجوج ، وهي اللينة الهبوب ، لها رأسان ، فسار معها إبراهيم حتى انتهت إلى موضع البيت فتطوت عليه كطي الحجفة ، فأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة ، فبنى إبراهيم .

وقيل : أرسل الله مثل الغمامة له رأس فكلمه وقال : يا إبراهيم ، ابن على ظلي ، أو على قدري ، ولا تزد ، ولا تنقص ، فبنى . وهذان القولان نقلا عن علي . وقال السدي : الذي دله على موضع البيت هو جبرائيل .

فسار إبراهيم إلى مكة ، فلما وصلها وجد إسماعيل يصلح نبلا له وراء زمزم ، فقال له : يا إسماعيل ، إن الله قد أمرني أن أبني له بيتا . قال إسماعيل : فأطع ربك . فقال إبراهيم : قد أمرك أن تعينني على بنائه . قال : إذن أفعل . فقام معه فجعل إبراهيم يبنيه ، وإسماعيل يناوله الحجارة . ثم قال إبراهيم لإسماعيل : إيتني بحجر حسن أضعه على الركن فيكون للناس علما . فناداه أبو قبيس : إن لك عندي وديعة ، وقيل : بل جبرائيل أخبره بالحجر الأسود ، فأخذه ووضعه موضعه ، وكانا كلما بنيا دعوا الله : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .

فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر ، وهو مقام إبراهيم ، فجعل يناوله ، فلما فرغ من بناء البيت أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج ، فقال إبراهيم : يا رب ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي البلاغ . فنادى : أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق ! فسمعه ما بين السماء والأرض وما من أصلاب [ ص: 96 ] الرجال ، وأرحام النساء ، فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة ، فأجيب لبيك لبيك ! ثم خرج بإسماعيل معه إلى التروية فنزل به منى ، ومن معه من المسلمين ، فصلى بهم الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء الآخرة ، ثم بات حتى أصبح ، فصلى بهم الفجر ، ثم سار إلى عرفة ، فأقام بهم هناك حتى إذا مالت الشمس جمع بين الصلاتين الظهر ، والعصر ، ثم راح بهم إلى الموقف من عرفة الذي يقف عليه الإمام ، فوقف به على الأراك ، فلما غربت الشمس دفع به ومن معه حتى أتى المزدلفة ، فجمع بها الصلاتين المغرب ، والعشاء الآخرة ، ثم بات بها ومن معه ، حتى إذا طلع الفجر صلى الغداة ، ثم وقف على قزح حتى إذا أسفر دفع به وبمن معه يريه ، ويعلمه كيف يصنع ، حتى رمى الجمرة ، وأراه المنحر ، ثم نحر وحلق ، وأراه كيف يطوف ، ثم عاد به إلى منى ليريه كيف رمي الجمار حتى فرغ من الحج .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جبرائيل هو الذي أرى إبراهيم كيف يحج ، ورواه عنه ابن عمر .

ولم يزل البيت على ما بناه إبراهيم - عليه السلام - إلى أن هدمته قريش سنة خمس وثلاثين من مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية