الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ( 45 ) )

يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واضرب لحياة هؤلاء المستكبرين الذين قالوا لك : اطرد عنك هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ، إذا نحن جئناك الدنيا منهم مثلا يقول : شبها ( كماء أنزلناه من السماء ) يقول : كمطر أنزلناه من السماء ( فاختلط به نبات الأرض ) يقول : فاختلط بالماء نبات الأرض ( فأصبح هشيما ) يقول : فأصبح نبات الأرض يابسا متفتتا ( تذروه الرياح ) يقول تطيره الرياح وتفرقه ، يقال منه : ذرته الريح تذروه ذروا ، وذرته ذريا ، وأذرته تذريه إذراء ، كما قال الشاعر :


فقلت له صوب ولا تجهدنه فيذرك من أخرى القطاة فتزلق



يقال : أذريت الرجل عن الدابة والبعير : إذا ألقيته عنه .

وقوله : ( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) يقول : وكان الله على تخريب جنة هذا القائل حين دخل جنته : ( ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ) وإهلاك أموال ذي الأموال الباخلين بها عن حقوقها ، وإزالة دنيا الكافرين به عنهم ، وغير ذلك مما يشاء قادر ، لا يعجزه شيء أراده ، ولا يعييه أمر أراده .

يقول : فلا يفخر ذو الأموال بكثرة أمواله ، ولا يستكبر على غيره بها ، ولا يغترن أهل الدنيا بدنياهم ، فإنما مثلها مثل هذا النبات الذي حسن استواؤه بالمطر ، فلم يكن إلا ريث أن انقطع عنه الماء ، فتناهى نهايته ، عاد يابسا تذروه الرياح ، [ ص: 31 ] فاسدا ، تنبو عنه أعين الناظرين ، ولكن ليعمل للباقي الذي لا يفنى ، والدائم الذي لا يبيد ولا يتغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية