الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 392 ] سورة الدخان .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( إنا أنزلناه ) : هو جواب القسم . و " إنا كنا " مستأنف .

وقيل : هو جواب آخر من غير عاطف .

قال تعالى : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( فيها يفرق ) : هو مستأنف .

وقيل : هو صفة لليلة ، و " إنا . . . " معترض بينهما .

قال تعالى : ( أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( أمرا ) : في نصبه أوجه ؛ أحدها : هو مفعول منذرين ؛ كقوله : ( لينذر بأسا شديدا ) [ الكهف : 2 ] . والثاني : هو مفعول له ، والعامل " أنزلناه " أو " منذرين " أو " يفرق " . والثالث : هو حال من الضمير في " حكيم " أو من " أمر " لأنه قد وصف ؛ أو من كل ؛ أو من الهاء في أنزلناه . والرابع : أن يكون في موضع المصدر ؛ أي فرقا من عندنا . والخامس : أن يكون مصدرا ؛ أي أمرنا أمرا ، ودل على ذلك ما يشتمل الكتاب عليه من الأوامر . والسادس : أن يكون بدلا من الهاء في " أنزلناه " .

فأما ( من عندنا ) فيجوز أن يكون صفة لأمر ، وأن يتعلق بيفرق .

قال تعالى : ( رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( رحمة ) : فيه أوجه ؛ أحدها : أن يكون مفعول " مرسلين " فيراد به النبي صلى الله عليه وسلم .

والثاني : أن يكون مفعولا له . والثالث : أن يكون مصدرا ؛ أي رحمناكم رحمة .

والرابع : أن يكون في موضع الحال من الضمير في " مرسلين " والأحسن أن يكون التقدير : ذوي رحمة .

قال تعالى : ( رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ( 7 ) ) .

[ ص: 393 ] قوله تعالى : ( رب السماوات ) بالرفع على تقدير هو رب ، أو على أن يكون مبتدأ ، والخبر : " لا إله إلا هو " ، أو خبر بعد خبر . وبالجر بدلا من " ربك " .

قال تعالى : ( لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( ربكم ) : أي هو ربكم . ويجوز أن يكون خبرا آخر ، وأن يكون فاعل " يميت " وفي " يحيي " ضمير يرجع إلى ما قبله ، أو على شريطة التفسير .

قال تعالى : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( يوم تأتي ) : هو مفعول فارتقب .

قال تعالى : ( يغشى الناس هذا عذاب أليم ( 11 ) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ( 12 ) أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ( 13 ) ) .

قوله تعالى : ( هذا عذاب ) : أي يقال : هذا . و ( الذكرى ) : مبتدأ ، و " لهم " الخبر . و ( أنى ) : ظرف يعمل فيه الاستقرار .

ويجوز أن يكون " أنى " الخبر ، و " لهم " تبيين .

( وقد جاءهم ) : حال .

قال تعالى : ( إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ( 15 ) يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ( 16 ) ) .

و ( قليلا ) أي زمانا قليلا ، أو كشفا قليلا . و ( يوم نبطش ) : قيل : هو بدل من تأتي . وقيل : هو ظرف لعائدون . وقيل : التقدير : اذكر . وقيل : ظرف لما دل عليه الكلام ؛ أي ننتقم يوم نبطش .

ويقرأ " نبطش " بضم النون وكسر الطاء ، يقال : أبطشته ؛ إذا مكنته من البطش ؛ أي نبطش الملائكة .

قال تعالى : ( أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين ( 18 ) ) .

[ ص: 394 ] قوله تعالى : ( عباد الله ) أي يا عباد الله ؛ أي أدوا إلي ما وجب عليكم .

وقيل : هو مفعول أدوا ؛ أي خلوا بيني وبين من آمن بي .

قال تعالى : ( وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ( 20 ) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( 21 ) فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ( 22 ) ) .

( وإني عذت ) : مستأنف . و ( أن ترجمون ) : أي من أن ترجمون .

و ( أن هؤلاء ) : منصوب بـ " دعا " .

ويقرأ بالكسر ؛ لأن دعا بمعنى قال .

قال تعالى : ( واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون ( 24 ) كم تركوا من جنات وعيون ( 25 ) وزروع ومقام كريم ( 26 ) ونعمة كانوا فيها فاكهين ( 27 ) كذلك وأورثناها قوما آخرين ( 28 ) ) .

و ( رهوا ) : حال من البحر ؛ أي ساكنا .

وقيل : هو مفعول ثان ؛ أي صيره . و ( كم ) : نصب بـ " تركوا " . و ( كذلك ) أي الأمر كذلك . وقيل : التقدير : تركا كذلك .

قال تعالى : ( ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ( 30 ) من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ( 31 ) ولقد اخترناهم على علم على العالمين ( 32 ) ) .

قوله تعالى : ( من فرعون ) : هو بدل من " العذاب " بإعادة الجار ؛ أي من عذاب فرعون ؛ ويجوز أن يكون جعل فرعون نفسه عذابا .

و ( من المسرفين ) : خبر آخر ، أو حال من الضمير في " عاليا " .

و ( على علم ) : حال من ضمير الفاعل ؛ أي اخترناهم عالمين بهم ، و " على " يتعلق باخترنا .

قال تعالى : ( أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ( 37 ) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ( 38 ) ) .

قوله تعالى : ( والذين من قبلهم ) : يجوز أن يكون معطوفا على " قوم تبع " فيكون " أهلكناهم " مستأنفا ، أو حالا من الضمير في الصلة ؛ ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر أهلكناهم . وأن يكون منصوبا بفعل محذوف . و ( لاعبين ) : حال .

قال تعالى : ( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ( 40 ) يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون ( 41 ) ) .

[ ص: 395 ] و ( أجمعين ) توكيد للضمير المجرور . ( يوم لا يغني ) : يجوز أن يكون بدلا من ( يوم الفصل ) وأن يكون صفة لـ " ميقاتهم " ولكنه بني ، وأن يكون ظرفا لما دل عليه الفصل ؛ أي يفصل بينهم يوم لا يغني ؛ ولا يتعلق بالفصل نفسه ؛ لأنه قد أخبر عنه .

قال تعالى : ( إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم ( 41 ) ) .

قوله تعالى : ( إلا من رحم ) : هو استثناء متصل ؛ أي من رحمه الله بقبول الشفاعة عنه . ويجوز أن يكون بدلا من مفعول ينصرون ؛ أي لا ينصرون إلا من رحم الله .

قال تعالى : ( كالمهل يغلي في البطون ( 45 ) كغلي الحميم ( 46 ) خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ( 47 ) ) .

قوله تعالى : ( يغلي ) : يقرأ بالياء ؛ ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الكاف ، أي يشبه المهل غاليا . وقيل : هو حال من المهل . وقيل : التقدير : هو يغلي ؛ أي الزقوم أو الطعام .

وأما الكاف فيجوز أن تكون خبرا ثانيا ، أو على تقدير : هو كالمهل ؛ ولا يجوز أن تكون حالا من " طعام " لأنه لا عامل فيها إذ ذاك .

ويقرأ بالتاء ؛ أي الشجرة ؛ والكاف في موضع نصب ؛ أي غليا كغلي الحميم .

( فاعتلوه ) : بكسر التاء وضمها لغتان .

قال تعالى : ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ( 49 ) إن هذا ما كنتم به تمترون ( 50 ) إن المتقين في مقام أمين ( 51 ) في جنات وعيون ( 52 ) يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين ( 53 ) كذلك وزوجناهم بحور عين ( 54 ) يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ( 55 ) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ( 56 ) فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم ( 57 ) ) .

قوله تعالى : ( ذق إنك ) : " إنك " : يقرأ بالكسر على الاستئناف ، وهو استهزاء به ؛ وقيل : أنت العزيز الكريم عند قومك . ويقرأ بالفتح ؛ أي ذق عذاب أنك أنت . و ( مقام ) [ ص: 396 ] بالفتح والضم : مذكورة في الأحزاب . و ( في جنات ) : بدل من " مقام " بتكرير الجار .

وأما " يلبسون " فيجوز أن يكون خبر إن فيتعلق به " في " وأن يكون حالا من الضمير في الجار ، وأن يكون مستأنفا . و ( كذلك ) أي فعلنا كذلك ، أو الأمر كذلك .

و ( يدعون ) : حال من الفاعل في زوجنا . و ( لا يذوقون ) : حال أخرى من الضمير في يدعون ، أو من الضمير في آمنين ، أو حال أخرى بعد آمنين ، أو صفة لآمنين . قوله تعالى : ( إلا الموتة الأولى ) : قيل : الاستثناء منقطع ؛ أي ماتوا الموتة .

وقيل : هو متصل ؛ لأن المؤمن عند موته في الدنيا بمنزلته في الجنة لمعاينته ما يعطاه منها ، أو ما يتيقنه من نعيمها . وقيل : " إلا " بمعنى بعد . وقيل : بمعنى سوى . و ( فضلا ) : مصدر ؛ أي تفضلنا بذلك تفضيلا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية