الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 271 ] النوع السادس والستون في أمثال القرآن .

أفرده بالتصنيف الإمام الحسن الماوردي من كبار أصحابنا .

قال تعالى : ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل [ الروم : 58 ] . وقال تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [ العنكبوت : 43 ] . .

وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فاعملوا بالحلال ، واجتنبوا الحرام ، واتبعوا المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال قال الماوردي : من أعظم علم القرآن علم أمثاله ، والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال ، وإغفالهم الممثلات ، والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام ، والناقة بلا زمام .

وقال غيره : قد عده الشافعي مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن ، فقال : ثم معرفة ما ضرب فيه من الأمثال الدوال على طاعته ، المبينة لاجتناب معصيته .

وقال الشيخ عز الدين : إنما ضرب الله الأمثال في القرآن تذكيرا ووعظا ، فما اشتمل [ ص: 272 ] منها على تفاوت ثواب أو على إحباط عمل أو على مدح أو ذم أو نحوه فإنه يدل على الأحكام .

وقال غيره : ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة : التذكير والوعظ ، والحث ، والزجر ، والاعتبار ، والتقرير ، وتقريب المراد للعقل ، وتصويره بصورة المحسوس ، فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس ، ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والغائب بالمشاهد .

وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر ، وعلى المدح والذم ، وعلى الثواب والعقاب ، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره ، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله ، قال تعالى : وضربنا لكم الأمثال [ إبراهيم : 45 ] . فامتن علينا بذلك لما تضمنه من الفوائد .

قال الزركشي في البرهان : ومن حكمته تعليم البيان ، وهو من خصائص هذه الشريعة .

قال الزمخشري : التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني ، وإدناء المتوهم من الشاهد ، فإن كان الممثل له عظيما كان المتمثل به مثله ، وإن كان حقيرا كان الممثل به كذلك .

وقال الأصبهاني : لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خفيات الدقائق ، ورفع الأستار عن الحقائق ، تريك المتخيل في صورة المتحقق والمتوهم في معرض المتيقن ، والغائب كأنه مشاهد .

وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة ، وقمع لسورة الجامح الأبي ، فإنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثر وصف الشيء في نفسه ، ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه في سائر كتبه الأمثال ، ومن سور الإنجيل سورة تسمى سورة الأمثال ، وفشت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام الأنبياء والحكماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية