الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع السادس عشر : معرفة زيادات الثقات وحكمها

وذلك فن لطيف تستحسن العناية به . وقد كان أبو بكر بن زياد النيسابوري ، وأبو نعيم الجرجاني ، وأبو الوليد القرشي الأئمة مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث .

ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب أبو بكر : أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها ، سواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه ناقصا مرة ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة ، أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا .

خلافا لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقا ، وخلافا لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره . وقد قدمنا عنه حكايته عن أكثر أهل الحديث فيما إذا [ ص: 86 ] وصل الحديث قوم وأرسله قوم : أن الحكم لمن أرسله ، مع أن وصله زيادة من الثقة .

وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يقع مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات ، فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ .

الثاني : أن لا تكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ، ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا ، فهذا مقبول ، وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه ، وسبق مثاله في نوع الشاذ .

الثالث : ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث .

مثاله : ما رواه مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين " .

فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين [ ص: 87 ] الثقات بزيادة قوله : " من المسلمين " .

وروى عبيد الله بن عمر ، وأيوب ، وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة ، فأخذ بها غير واحد من الأئمة واحتجوا بها ، منهم الشافعي وأحمد ، رضي الله عنهم ، والله أعلم .

ومن أمثلة ذلك حديث : " جعلت لنا الأرض مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا " . فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي ، وسائر الروايات لفظها : " وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا " .

فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام ، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص ، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم .

ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما .

[ ص: 88 ] وأما زيادة الوصل مع الإرسال فإن بين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه ، ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث ، فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل . ويجاب عنه بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم ، والزيادة هاهنا مع من وصل ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية