الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 235 ] كتاب اللعان

فوائد الأولى " اللعان " مصدر " لاعن " إذا فعل ما ذكر ، أو لعن كل واحد من الاثنين الآخر ، قال المصنف والشارح : وهو مشتق من اللعن ، لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة ، إن كان كاذبا ، وقال القاضي : سمي بذلك لأن الزوجين لا ينفكان من أن يكون أحدهما كاذبا ، فتحصل اللعنة عليه . انتهى . وأصل " اللعن " الطرد والإبعاد ، قاله الأزهري ، يقال : لعنه الله ، أي أبعده .

الثانية : قوله ( وإذا قذف الرجل امرأته بالزنا فله إسقاط الحد باللعان ) ، بلا نزاع ، ويسقط الحد عنه بلعانه وحده ، ذكره المصنف ، وصاحب الترغيب ، وله إقامة البينة بعد اللعان ، ويثبت موجبهما . الثالثة : قوله " وإذا قذف الرجل امرأته بالزنا " يعني : سواء قذفها به في طهر أصابها فيه أم لا ، وسواء كان في قبل أو دبر . قوله " فله إسقاط الحد باللعان " لا نزاع كما تقدم ، قال الأصحاب : وله إسقاط بعضه به ، ولو بقي منه سوط واحد . قوله ( وصفته : أن يبدأ الزوج فيقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ) ، هذا أحد الوجوه ، وهو المذهب ، جزم به في المغني ، والكافي ، والشرح ، [ ص: 236 ] وشرح ابن منجا ، والهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وتذكرة ابن عبدوس ، وغيرهم ، وقدمه في الرعاية الكبرى ، وقيل : لا يشترط أن يذكر الرمي بالزنا ، بل يقول بعد " أشهد بالله " " لقد زنت زوجتي هذه " ، وذكره الإمام أحمد رحمه الله وجزم به في المحرر ، والنظم ، والوجيز ، وقيل : يقول بعد " أشهد بالله " " إني لمن الصادقين " فقط ، وأطلقهن في الفروع . قوله ( ثم تقول هي : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، أربع مرات ، ثم تقول في الخامسة : وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا ) ، فقطع المصنف هنا أنها تقول في الخامسة بعد ذلك " فيما رماني به من الزنا " فظاهره : أنه يشترط ذكر ذلك ، وهو أحد الوجهين ، وهذا ظاهر ما جزم به في البلغة ، والرعايتين ، والحاوي ، وتذكرة ابن عبدوس ، فإن عباراتهم كعبارة المصنف ، والصحيح من المذهب : أنه لا يشترط ذكر ذلك ، وهو ظاهر ما جزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمحرر ، والوجيز ، وغيرهم ، وقدمه في الفروع ، وأخذ ابن هبيرة بالآية في ذلك كله ، ونقل ابن منصور : على ما في كتاب الله تعالى ، يقول الرجل أربع مرات " أشهد بالله إني فيما رميتها به لمن الصادقين " ثم يوقف عند الخامسة فيقول " لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين " والمرأة مثل ذلك . [ ص: 237 ]

قوله ( وإن أبدل لفظة " أشهد " ب " أقسم ، أو " أحلف " أو لفظة " اللعنة " ب " الإبعاد " أو " الغضب " ب " السخط " فعلى وجهين ) ، وأطلقهما في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . أحدهما : لا يصح ، وهو المذهب ، جزم به في الوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، وغيرهم ، وصححه في التصحيح ، قال في الهداية : أحدهما : لا يعتد بذلك ، وهو الأظهر ، قال في المذهب ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة : لا يعتد بذلك في أصح الوجهين ، قال في المستوعب : لا يعتد بذلك في أظهر الوجهين ، قال الناظم : ويلغى بذلك على المتجود ، قال في الفروع : والأصح لا يصح ، قال في البلغة : ويتعين لفظ " الشهادة " ولا يجوز إبداله ، وكذلك صيغة " اللعنة " و " الغضب " على الأصح ، قال المصنف : والصحيح أن ما اعتبر فيه لفظ " الشهادة " لا يقوم غيره مقامه ، كالشهادات ، قال الزركشي : لو أبدل لفظة " اللعنة " بالإبعاد أو بالغضب : ففي الإجزاء ثلاثة أوجه . ثالثها : الإجزاء بالغضب لا بالإبعاد ، وفي إبدال لفظة " أشهد " ب " أقسم " أو " أحلف " وجهان أصحهما : لا يجزئ . انتهى . [ ص: 238 ]

والوجه الثاني : يصح ، قال ابن عبدوس في تذكرته ، ولا يبطل بتبديل لفظ بما يحصل معناه . وأما إذا أبدلت الغضب باللعنة فإنه لا يجزئ قولا واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية