الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                5567 [ ص: 570 ] ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردة

                                                                                ( 1 ) حدثنا غندر عن شعبة عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يحدث عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال : حج عمر فأراد أن يخطب الناس خطبة ، فقال عبد الرحمن بن عوف : إنه قد اجتمع عندك رعاع الناس وسفلتهم ، فأخر ذلك حتى تأتي المدينة ، قال : فلما قدمت المدينة دنوت قريبا من المنبر ، فسمعته يقول : إني قد عرفت أن أناسا يقولون : إن خلافة أبي بكر فلتة ، وإنما كانت فلتة ولكن الله وقى شرها ، إنه لا خلافة إلا عن مشورة .

                                                                                ( 2 ) حدثنا عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن عبد الملك بن أبي بكر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : كنت أختلف إلى عبد الرحمن بن عوف ونحن بمنى مع عمر بن الخطاب ، أعلم عبد الرحمن بن عوف القرآن ، فأتيته في المنزل فلم أجده فقيل : هو عند أمير المؤمنين ، فانتظرته حتى جاء فقال لي : قد غضب هذا اليوم غضبا ما رأيته غضب مثله منذ كان ، قال : قلت لم ذاك ؟ قال : بلغه أن رجلين من الأنصار ذكرا بيعة أبي بكر فقالا : والله ما كانت إلا فلتة ، فما يمنع امرأ إن هلك هذا أن يقوم إلى من يحب فيضرب على يده فتكون كما كانت ؛ قال : فهم عمر أن يكلم الناس ، قال : فقلت : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فإنك ببلد قد اجتمعت إليه أفناء العرب كلها ، وإنك إن قلت مقالة حملت عنك وانتشرت في الأرض كلها ، فلم تدر ما يكون في ذلك ، وإنما يعينك من قد عرفت أنه سيصير إلى المدينة ، فلما قدمنا المدينة رحت مهجرا حتى أخذت عضادة المنبر اليمنى ، وراح إلي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل حتى جلس معي ، فقلت : ليقولن هذا اليوم مقالة ما قالها منذ استخلف ، قال : وما عسى أن يقول ، قلت : ستسمع ذلك ، قال : فلما اجتمع الناس خرج عمر حتى جلس على المنبر ثم حمد الله وأثنى عليه ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم قال : إن الله أبقى رسوله بين أظهرنا ينزل عليه الوحي من الله يحل به ويحرم ، ثم قبض الله رسوله فرفع منه ما شاء أن يرفع ، وأبقى منه ما شاء أن يبقي ، فتشبثنا ببعض ، وفاتنا بعض ، فكان مما كنا نقرأ من القرآن " لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم " ونزلت آية الرجم ، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم ورجمنا معه ، والذي نفس محمد بيده ، لقد حفظتها وعلمتها وعقلتها لولا أن يقال : كتب عمر في المصحف ما ليس فيه ، لكتبتها بيدي كتابا ، والرجم على ثلاثة منازل : حمل بين ، أو اعتراف من صاحبه ، أو شهود عدل ، كما أمر الله ، وقد بلغني أن رجالا يقولون في [ ص: 571 ] خلافة أبي بكر : إنها كانت فلتة ولعمري إن كانت كذلك ، ولكن الله أعطى خيرها ووقى شرها ؛ وإياكم هذا الذي تنقطع إليه الأعناق كانقطاعها إلى أبي بكر ، إنه كان من شأن الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي فأتينا فقيل لنا : إن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة مع سعد بن عبادة يبايعونه ، فقمت وقام أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح نحوهم فزعين أن يحدثوا في الإسلام فتقا ، فلقينا رجلان من الأنصار رجل صدق عويم بن ساعدة ومعن بن عدي ، فقالا : أين تريدون ؟ فقلنا : قومكم لما بلغنا من أمرهم ، فقالا : ارجعوا فإنكم لن تخالفوا ، ولن يؤت شيء تكرهونه ، فأبينا إلا أن نمضي ، وأنا أزوي كلاما أريد أن أتكلم به ، حتى انتهينا إلى القوم وإذا هم عكوف هنالك على سعد بن عبادة وهو على سرير له مريض ، فلما غشيناهم تكلموا فقالوا : يا معشر قريش ، منا أمير ومنكم أمير ، فقام الحباب بن المنذر فقال : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، إن شئتم والله رددناها جذعة ، فقال أبو بكر على رسلكم ، فذهبت لأتكلم فقال : أنصت يا عمر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معشر الأنصار ، إنا والله ما ننكر فضلكم ولا بلاءكم في الإسلام ولا حقكم الواجب علينا ، ولكنكم قد عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم ، وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، فاتقوا الله ولا تصدعوا الإسلام ، ولا تكونوا أول من أحدث في الإسلام ، ألا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين لي ولأبي عبيدة بن الجراح ، فأيهما بايعتم فهو لكم ثقة ، قال : فوالله ما بقي شيء كنت أحب أن أقوله إلا وقد قاله يومئذ غير هذه الكلمة ، فوالله لأن أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا في غير معصية أحب إلي من أن أكون أميرا على قوم فيهم أبو بكر قال ، ثم قلت : يا معشر الأنصار ، يا معشر المسلمين ، إن أولى الناس بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده ثاني اثنين إذ هما في الغار أبو بكر السباق المبين ، ثم أخذت بيده وبادرني رجل [ ص: 572 ] من الأنصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده ، ثم ضربت على يده وتتابع الناس ، وميل على سعد بن عبادة فقال الناس : قتل سعد ، فقلت : اقتلوه قتله الله ، ثم انصرفنا وقد جمع الله أمر المسلمين بأبي بكر فكانت لعمر الله كما قلتم ، أعطى الله خيرها ووقى شرها ، فمن دعا إلى مثلها فهو للذي لا بيعة له ولا لمن بايعه .

                                                                                ( 3 ) حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، قال : فأتاهم عمر فقال : يا معاشر الأنصار ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ؟ قالوا : بلى ، قال : فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ، فقالوا : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر .

                                                                                ( 4 ) حدثنا محمد بن بشر نا عبيد الله بن عمر حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك ؛ أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت ، قال : فلما خرج عمر جاءوها فقالت : تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه ، فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم ولا ترجعوا إلي ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر .

                                                                                ( 5 ) حدثنا ابن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا .

                                                                                ( 6 ) حدثنا ابن إدريس عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بلسانه ينضنضه ، فقال له عمر : الله الله يا خليفة رسول الله ، وهو يقول : هاه إن هذا أوردني الموارد .

                                                                                ( 7 ) حدثنا وكيع عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال : قال رجل لأبي بكر : يا خليفة الله ، قال : لست بخليفة الله ، ولكني خليفة رسول الله ، أنا راض بذلك .

                                                                                ( 8 ) حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن مولى لربعي بن حراش عن ربعي عن حذيفة قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لا أدري ما قدر بقائي [ ص: 573 ] فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي ، وأشار إلى أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود من شيء فصدقوه .

                                                                                ( 9 ) حدثنا وكيع عن سالم المرادي أبي العلاء عن عمرو بن هرم عن ربعي بن حراش وأبي عبد الله رجل من أصحاب حذيفة عن حذيفة قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثل حديث عبد الملك بن عمير إلا أنه قال : تمسكوا بعهد ابن أم عبد .

                                                                                ( 10 ) حدثنا أبو أسامة عن ابن عون عن محمد عن رجل من بني زريق قال : لما كان ذلك اليوم خرج أبو بكر وعمر حتى أتيا الأنصار ، فقال أبو بكر : يا معشر الأنصار ، إنا لا ننكر حقكم ؛ ولا ينكر حقكم مؤمن ، وإنا والله ما أصبنا خيرا إلا ما شاركتمونا فيه ، ولكن لا ترضى العرب ولا تقر إلا على رجل من قريش لأنهم أفصح الناس ألسنة ، وأحسن الناس وجوها ، وأوسط العرب دارا ، وأكثر الناس سجية في العرب ، فهلموا إلى عمر فبايعوه ، قال : فقالوا : لا ؛ فقال عمر : لم ؟ فقالوا : نخاف الأثرة ، قال عمر : أما ما عشت فلا ، قال : فبايعوا أبا بكر ، فقال أبو بكر لعمر : أنت أقوى مني ، فقال عمر : أنت أفضل مني ، فقالاها الثانية ، فلما كانت الثالثة قال له عمر : إن قوتي لك مع فضلك ، قال : فبايعوا أبا بكر ، قال محمد : وأتى الناس عند بيعة أبي بكر أبا عبيدة بن الجراح فقال : أتأتوني وفيكم ثالث ثلاثة يعني أبا بكر قال ابن عون : فقلت لمحمد : من ثالث ثلاثة ؟ قال : قول الله ثاني اثنين إذ هما في الغار .

                                                                                ( 11 ) حدثنا جعفر بن عون عن أبي العنبس عن ابن أبي مليكة قال : سمعت عائشة وسألت : يا أم المؤمنين ، من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف أو استخلف ؟ قالت : أبو بكر قال : ثم قيل لها : ثم من ؟ قالت : ثم عمر ، قيل : من بعد عمر ؟ قالت : أبو عبيدة بن الجراح .

                                                                                ( 12 ) حدثنا ابن نمير عن عبد الملك بن سبع عن عبد خير قال : سمعت عليا يقول : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على خير ما قبض عليه نبي من الأنبياء ، قال : ثم استخلف أبو بكر فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسنته ، ثم قبض أبو بكر على خير ما قبض عليه أحد ، [ ص: 574 ] وكان خير هذه الأمة بعد نبيها ، ثم استخلف عمر فعمل بعملهما وسننهما ثم قبض على خير ما قبض عليه أحد ، وكان خير هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر .

                                                                                ( 13 ) حدثنا يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : لما ارتد على عهد أبي بكر أراد أبو بكر أن يجاهدهم فقال عمر : أتقاتلهم وقد سمعت رسول الله يقول : من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم ماله ودمه إلا بحقه وحسابه على الله ، فقال أبو بكر : أنا لا أقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة ؟ والله لأقاتلن من فرق بينهما حتى أجمعهما ، قال عمر : فقاتلنا معه فكان والله رشدا ، فلما ظفر بمن ظفر به منهم قال : اختاروا بين خطتين : إما حرب مجلية ؛ وإما الخطة المخزية ، قالوا : هذه الحرب المجلية قد عرفناها ، فما الخطة المخزية ؟ قال : تشهدون على قتلانا أنهم في الجنة وعلى قتلاكم أنهم في النار ، ففعلوا .

                                                                                ( 14 ) حدثنا يزيد بن هارون عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها كانت تقول : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال لهاضها ، اشرأب النفاق بالمدينة ، وارتدت العرب ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وفنائها في الإسلام ، وكانت تقول مع هذا : ومن رأى عمر بن الخطاب عرف أنه خلق غناء للإسلام ، كان والله أحوذيا نسج وحده ، قد أعد للأمور أقرانها .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية