الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ درس ] ( باب في الفرائض ) ويسمى علم الفرائض وعلم المواريث وهو علم يعرف به من يرث ومن لا يرث ومقدار ما لكل وارث ، وموضوعه التركات وغايته إيصال كل ذي [ ص: 457 ] حق حقه من تركة الميت والتركة حق يقبل التجزي يثبت لمستحق بعد موت من كان ذلك له وبدأ المصنف أولا ببيان الحقوق المتعلقة بالتركة وغايتها خمسة حق تعلق بعين وحق تعلق بالميت وحق تعلق بالذمة وحق تعلق بالغير وحق تعلق بالوارث ، والحصر في هذه وترتيبها استقرائي فإن الفقهاء تتبعوا ذلك فلم يجدوا ما يزيد على هذه الأمور الخمسة لا عقلي كما قيل ; لأن العقل يجوز أكثر من ذلك وطريق الحصر أن تقول الحق المتعلق بالتركة إما ثابت قبل الموت أو بالموت والثابت قبله إما أن يتعلق بالعين أو لا الأول الحقوق العينية وهذا الذي صدر به المصنف والثاني الدين المطلق وهو الذي ذكره بقوله ثم تقضى ديونه والثابت بالموت إما للميت وهو مؤن تجهيزه وثلث بها المصنف وإما لغيره منه وهو الوصية وبها ربع المصنف وإما لغيره لسبب وهو الميراث وذكره خامسا فذكرها على هذا الترتيب فقال ( يخرج من ) رأس ( تركة الميت ) مبدأ على غيره وجوبا ولو أتى على جميعها ( حق تعلق بعين ) أي ذات ( كالمرهون ) في دين لتعلق حق المرتهن بذاته فيقدم على كفن الميت ونحوه ( وعبد ) غير مرهون ( جنى ) ; لأنه صار بجنايته كالمرهون فإذا كان مرهونا في دين وجنى تعلق به حقان حق المجني عليه وحق المرتهن وتقدم الجناية على الرهن كما أشار له المصنف في باب الرهن بقوله وإن ثبتت أي جناية العبد الرهن فإن أسلمه مرتهنه فللمجني عليه بماله وإن فداه بغير إذنه ففداؤه في رقبته فقط إن لم يرهن بماله [ ص: 458 ] وبإذنه فليس رهنا به . ا هـ . وأدخلت الكاف زكاة الحرث والماشية إذا مات بعد الطيب أو الحول ودخل أيضا أم الولد والمعتق لأجل وسلعة المفلس وهدي قلد وضحية تعينت بذبحها ( ثم ) بعد إخراج ما ذكر يخرج من رأس المال ( مؤن تجهيزه ) من كفن وغسل وحمل وحفر وغيرها ( بالمعروف ) بما يناسب من فقر وغنى وضمن من أسرف وكذا مؤن تجهيز من تلزمه نفقته برق كموت سيد وعبده فإن لم يكن له سوى كفن واحد كفن به عبده ; لأنه لا حق له في بيت المال وكفن سيده من بيت المال ( ثم تقضى ) من رأس ماله ( ديونه ) التي لآدمي كانت بضامن أم لا ثم هدي تمتع إن مات بعد أن رمى العقبة أوصى به أم لا ثم زكاة فطر فرط فيها وكفارات أشهد في صحته أنها بذمته فإن أوصى بها ولم يشهد فمن الثلث ومثل كفارات أشهد بها زكاة عين حلت وأوصى بها وزكاة ماشية حلت ولا ساعي ولم يوجد السن الذي يجب فيها فإن وجد فهو ما قدمناه من إخراجه قبل مؤن التجهيز فإن كان ساع ومات قبل مجيئه استقبل الوارث كما قدمه في باب الزكاة ( ثم ) تخرج ( وصاياه من ثلث الباقي ) أي الفاضل عما تقدم [ ص: 459 ] إن وسع الجميع ، وإلا قدم منها الآكد فالآكد على ما قدمه في بابها ( ثم ) يكون ( الباقي لوارثه ) فرضا أو تعصيبا .

التالي السابق


باب في الفرائض ( قوله : وهو علم ) أي قواعد يعرف بها ويصح أن يراد بالعلم الملكة الحاصلة من مزاولة القواعد ( قوله : وموضوعه التركات ) أي لأنها التي يبحث فيه عن عوارضها الذاتية أي التي تلحقها لذاتها لا بواسطة أمر خارج عنها ككون نصفها للزوج عند عدم الفرع الوارث وكون ثمنها للزوجة عند وجود الفرع الوارث ، وهكذا والمراد بالبحث عن عوارضها الذاتية في ذلك العلم حمل تلك العوارض عليها فتحصل مسائل العلم بحيث يقال التركة ربعها للزوج عند وجود الفرع الوارث وهكذا ووصف العوارض بالذاتية للتخصيص مثلا كون ربع التركة للزوج أمر عارض ذاتي لها ; لأنه إنما لحق التركة من حيث كونها تركة لا بواسطة شيء بخلاف ما يعرض لها من حرق مثلا فإنه عارض غريب عنها بواسطة النار [ ص: 457 ] فلا يبحث عنه في ذلك العلم ( قوله : حق ) هذا جنس يتناول المال وغيره كالخيار والشفعة والقصاص والولاء والولاية فإذا اشترى زيد سلعة بالخيار ومات قبل انقضاء أمده انتقل الخيار لوارثه ، وإذا كانت دار شركة بين زيد وعمرو فباع زيد حصته وثبتت الشفعة لعمرو ومات عمرو قبل أخذه بها انتقل الحق في الشفعة لوارثه ، وإذا قتل زيد عمرا وكان بكر أخا لعمرو ومات بكر انتقل الحق في القصاص لوارثه .

وإذا أعتق شخص عبدا كان له الولاء عليه فإذا مات ذلك الشخص المعتق انتقل الولاء لولده وكذلك إذا كانت امرأة لها أخ كان له الولاية عليها فيزوجها فإن مات الأخ انتقلت الولاية لابنه .

( قوله : يقبل التجزي ) خرج الولاء وولاية النكاح لعدم قبولهما للتجزي . إن قلت القصاص والشفعة والخيار من جملة التركة فيجب صدق تعريفها عليها مع أنها خارجة ; لأنها لا تقبل للتجزي قلت هذا إنما يرد إذا أريد بالتجزي الإفراز أي التمييز بأن يقال لزيد هذا الجزء ولعمرو هذا الجزء ، وليس هذا مرادا بل المراد بالتجزي أن يقال لزيد نصفه ، ولهذا نصفه ، وهذه الثلاثة كذلك إذ يقال لزيد نصف القصاص ، ولعمرو نصفه الآخر ، وكذا يقال في الشفعة والخيار كذا قالوا والظاهر أن الولاء يقال فيه ذلك فما وجه إخراجه فتأمل ، .

( قوله : يثبت لمستحق ) أي بقرابة أو نكاح أو ولاء ، ولا بد من هذا القيد لإخراج الوصية وقوله بعد موت إلخ خرج به الحقوق الثابتة بالشراء والإيهاب ونحوهما فلا تسمى تركة ( قوله : حق تعلق بعين ) أي كالمرهون والعبد الجاني وقوله وحق تعلق بالميت أي ، وهو مؤن تجهيزه وقوله حق تعلق بالذمة أي بذمة الميت ، وهي الديون المرسلة أي المطلقة عن الرهن الخالية عنه وقوله وحق تعلق بالغير أي من الميت ، وهو الوصية وقوله وحق تعلق بالوارث ، وهو الميراث ( قوله : أو لا ) أي أو لا يتعلق بالعين بل بالذمة ( قوله : الأول الحقوق العينية ) أي المتعلقة بعين شيء كالدين المرتهن عليه شيء والجناية الصادرة من العبد . ( قوله : الدين المطلق ) أي الذي ليس مقيدا برهن يكون في مقابلته بل في الذمة ( قوله : وهو الذي ذكره المصنف ) أي ثالثا بقوله ثم تقضى ديونه ( قوله : وثلث بها المصنف ) صوابه وثنى بها المصنف ( قوله : وإما لغيره لسبب ) هذا التعبير أحسن من قول عبق وإما لغيره بسببه ، وهو الميراث ; لأنه غير صواب ; لأن الميراث حق لغير الميت بغير سببه والحق الذي لغيره بسببه إنما هو الوصية ( قوله : ولو أتى على جميعها ) أي كما لو كانت التركة كلها مرهونة في دين فتباع فيه ويدفع ثمنها بتمامه لرب الدين إن لم يزد على دينه ( قوله : حق تعلق بعين ) في العبارة قلب والأصل عين تعلق بها حق كالشيء المرهون وعبد جنى فهما من جملة التركة ويبدأ بهما بمعنى أن الشيء المرهون يسلم للمرتهن أو يدفع العبد الجاني للمجني عليه أي إذا لم يفده السيد في حال حياته بدفع أرش الجناية ( قوله : كالمرهون ) أي المحوز بيد المرتهن أو بيد أمين ، وهذا وما بعده مثال للعين التي تعلق بها الحق ( قوله : لتعلق حق المرتهن بذاته ) متعلق بقوله مبدأ على غيره أي وإنما بدئ بالحق المتعلق بالمرهون لتعلق حق المرتهن بذاته فصار أحق به ، ولو كان ذلك المرهون كفن الميت الذي ليس له ما يكفن به غيره ( قوله : لأنه صار بجنايته كالمرهون ) أي لتعلق حق الجناية بذاته ( قوله : فإن أسلمه مرتهنه ) أي للمجني عليه ورضي ببقاء دينه بلا رهن وقوله فللمجني عليه أي فهو للمجني عليه مع ماله ويصير الدين بلا رهن .

( قوله : وإن فداه ) أي مرتهنه بدفع أرش الجناية للمجني عليه وقوله بغير إذنه أي بغير إذن الراهن ( قوله : في رقبته فقط ) أي لا فيها وفي ماله إن لم يرهن بماله فإن رهن معه ماله كان الفداء فيهما كالدين . والحاصل أنه إن لم يرهن [ ص: 458 ] بماله كانت رقبته رهنا في شيئين الدين والفداء ، ولا يكون الفداء في رقبته وماله ، وإن رهن معه ماله كان الفداء في رقبته وماله كالدين ( قوله : وبإذنه ) أي ، وإن فداه المرتهن بإذن الراهن فليس رهنا في الفداء بل في الدين فقط والفداء في ذمة الراهن ( قوله : زكاة الحرث والماشية ) أي فالزكاة قد تعلقت بعين الحرث والماشية فإذا مات المالك بعد الطيب أو الحول أخرجت زكاتهما أولا قبل الكفن وقبل وفاء الدين والميراث ، وهذا إذا كان الحرث غير مرهون فإن كان مرهونا والدين يستغرق جميعه فاستظهر عج أن رب الدين يقدم بدينه على الزكاة مستندا في ذلك لقول ابن رشد أن حق الآدمي يقدم على حق الله فإن مقتضاه تقديم رب الدين بدينه على الزكاة قال بن وفي هذا الاستناد نظر ; لأن كلام ابن رشد فيما يتعلق بالذمة ، وأما الحب فالفقراء شركاء في عينه فلا ملك للميت في حظهم حتى يؤخذ منه دينه .

( قوله : ودخل أيضا أم الولد والمعتق لأجل ) أي فيبدأ بعتقهما من رأس المال على الكفن وعلى الدين إن كان هناك دين وعلى الميراث إن لم يكن دين ( قوله : وسلعة المفلس ) اعترض بأن هذا مخالف لما تقدم في باب الفلس من قوله ، وللغريم أخذ عين ماله المحوز عنه في الفلس لا الموت ويمكن الجواب بحمل ما هنا على ما إذا قام بائعها بثمنها على المشتري قبل موته فوجده مفلسا وحكم له بأخذها ثم مات قبل أخذ صاحبها لها بالفعل فيأخذها ويقدم بها على مؤن التجهيز ; لأنه حق تعلق بعين أو يجاب بجعل المفلس صفة لصاحبها ، وهو البائع ويكون معناه أنه تصرف فيها بعد فلسه فقام عليه الغرماء فوجدوا المشتري قد مات فإنهم يأخذونها من رأس المال ، وليست هذه قول المصنف السابق في الفلس ; لأن كلامه المتقدم المفلس والميت هو المشتري .

( قوله : وهدي قلد ) هذا ظاهر فيما يقلد ، وأما ما لا يقلد كالغنم فينزل سوقها في الإحرام للذبح منزلة التقليد ( قوله : تعينت بذبحها ) ، وأما لو مات صاحبها قبل الذبح فإنها تباع في الكفن والدين ، ولو كانت منذورة ( قوله : ثم بعد إخراج ما ذكر ) أي من الحقوق المتعلقة بعين ( قوله : يخرج من رأس المال مؤن إلخ ) أي حق تعلق بالميت ، وهو مؤن تجهيزه ( قوله : من كفن ) أي من ثمن كفن ( قوله : وغسل ) أي أجرة ذلك .

( قوله : وكذا مؤن تجهيز من تلزمه نفقته برق ) هذا وارد على قول المصنف ثم مؤن تجهيزه واحترز بقوله برق عمن كانت تلزمه نفقته بقرابة فإنه لا يلزم بعد موته مؤن تجهيزه في ماله ، وقول المصنف في الجنائز ، وهو على المنفق بقرابة أو رق في المنفق الحي والمنفق عليه ميت ، وكلامنا هنا فيما إذا ماتا معا ( قوله : فإن لم يكن له ) أي لمن مات هو وعبده ( قوله : كانت بضامن أم لا ) كانت حالة أو مؤجلة ; لأنها تحل بموته ( قوله : أشهد في صحته أنها بذمته ) الضمير راجع لزكاة الفطر والكفارات .

وحاصله أن زكاة الفطر التي فرط فيها ، وكذلك الكفارات مثل كفارة اليمين والصوم والظهار والقتل إذا أشهد في صحته أنها بذمته فإن كلا منهما يخرج من رأس المال ، سواء أوصى بإخراجها أو لم يوص لما صرح به ابن عرفة وغيره أن حقوق الله متى أشهد في صحته بها خرجت من رأس المال أوصى بها أم لا .

( قوله : فإن أوصى بها ، ولم يشهد ) أي في حال صحته أنها بذمته ففي الثلث ، فما مر من أن زكاة الفطر التي فرط فيها تخرج من الثلث إذا أوصى بإخراجها محمول على ما إذا لم يشهد في صحته ببقائها بذمته ( قوله : ومثل كفارات أشهد بها ) أي في صحته سواء أوصى بها أم لا ( قوله : زكاة عين حلت ) أي مات عند حلولها ( قوله : وأوصى بها ) أي سواء اعترف ببقائها في ذمته أم لا ( قوله : ولم يوجد السن الذي يجب فيها ) كأن كان الواجب بنت مخاض ، ولم تكن موجودة فيما عنده من الماشية .

( فائدة ) . يجوز للإنسان إذا لم يكن له وارث معين ، ولا بيت مال منتظم أن يتحيل على إخراج ماله بعد موته في طاعة لله وذلك بأن يشهد في صحته بشيء من حقوق الله تعالى كزكاة أو كفارات ; لأنه متى أشهد في صحته بحق وجب إخراجه من رأس المال ، ولو أتى على [ ص: 459 ] جميعه بعد الحقوق المتعلقة بالعين نقله ح عن البرزلي ( قوله : إن وسع الجميع ) أي إن وسع ثلث الباقي جميع الوصايا ( قوله : على ما قدمه في بابها ) أي بقوله وقدم لضيق الثلث فك أسير إلخ ( قوله : فرضا أو تعصيبا ) أي بالفرض أو التعصيب أو بهما فأو مانعة خلو تجوز الجمع




الخدمات العلمية