الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
إن قال قائل : إذا دفع الظلمة مما بأيديهم من الأموال إلى إنسان شيئا فهل يجوز له أخذه منهم أم لا ؟ قيل له : إن علم المبذول له أن ما يدفع له مغصوب فله حالان : الأولى : أن يكون ممن يقتدى به ولو أخذ لفسد ظن الناس فيه بحيث لا يقتدون به ولا يقبلون فتياه ، فلا يجوز له أخذه لما في أخذه من فساد اعتقاد الناس في صدقه ودينه ، لا يقبلون له فتيا ، فيكون قد ضيع على الناس مصالح الفتيا . ولا شك أن حفظ تلك المصالح العامة الدائمة أولى من أخذ المغصوب ليرده على صاحبه .

وكذلك الشهود والحكام ما لم يصرحوا بأنهم أخذوه للرد على مالكه .

الحالة الثانية : ألا يكون المبذول له كذلك ، فإن أخذه لنفسه حرم عليه ، وإن أخذه ليرده إلى مالكه جاز ذلك ، وإن جهل مالكه بحث عنه إلى أن يعرفه ، فإن تعذرت معرفته صرفه في المصالح العامة أهمها فأهمها ، وأصلحها فأصلحها ، فإن لم يعرف تلك المصالح دفعه [ ص: 84 ] إلى من يعرفها ، فإن لم يجد من يعرفها تربص بها إلى أن يجده فيتعرفها منه ، أو يدفعها إليه ليصرفها في مصالحها إن كان عدلا ، وإن كان المال الذي يبذلونه مأخوذا بحق ، فإن كان المال لمصالح خاصة كالزكاة لأربابها والخمس لأربابه ، والفيء للأجناد على قول ، فإن كان المبذول له من أهل ذلك المال الخاص فإن أعطي قدر حقه فليأخذه ، وإن أعطي زائدا على حقه فليأخذ قدر حقه ويكون حكم الزائد على حقه ما ذكرناه في المال المغصوب ، وإن كان ذلك من الأموال العامة فليأخذه إن لم تفت بأخذه مصلحة الفتيا ، وليصرفه في المصارف العامة أصلحها فأصلحها ، وإن لم يكن من أهل ذلك فعل ما ذكرنا في المال المغصوب ، وإن بذل له المال من جهة مجهولة فإن يئس من معرفة مستحقه فقد صار باليأس للمصالح العامة فليأخذه ويصرفه فيها ، وإن توقع معرفة مستحقيه فليأخذه بنية البحث عن مستحقيه ، فإن تعذرت معرفتهم بعد البحث التام صار كمال المصالح العامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية