الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                            كتاب السير

                                                                                                                                            من خمسة كتب : الجزية ، والحكم في أهل الكتاب ، وإملاء على كتاب الواقدي

                                                                                                                                            وإملاء على غزوة بدر ، وإملاء على كتاب اختلاف أبي حنيفة والأوزاعي

                                                                                                                                            قال الماوردي : إن الله تعالى اختار لرسالته ، واصطفى لنبوته محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، فبعثه على فترة من الرسل ، حين وهت الأديان ، وعبدت الأوثان ، وغلب الباطل على الحق ، وعم الفساد في الخلق : ليختم به رسله ، ويوضح به سبله ، ويستكمل به دينه ، ويحسم به من الفساد ما عم ، ومن الباطل ما تم ، فاختاره من بيت اشتهر فيهم مبادئ طاعته ، وقواعد عبادته ، بالبيت الذي جعله مثابة للناس وأمنا ، والحج الذي جعله في أصول الدين ركنا : ليكونوا مستأنسين بتدين سهل تسهل به إجابتهم ، ولا يكونوا من أهل ملك قد استحكم معتقدهم : فتصعب إجابتهم ، لطفا تسهل به المبادئ ، وأحكم به العواقب ، فكان من أوائل التأسيس لنبوته أن كثر الله قريشا بعد القلة ، وأعزهم بعد الذلة ، وجعلهم ديانين العرب ، وولاة الحرم ، فكان أول من هجس في نفسه لظهور النبوة منهم " كعب بن لؤي بن غالب " فكان يجمع الناس في كل جمعة ، وهو سماه لجمع الناس فيه يوم الجمعة ، وكان يسمى : عروبة . وكان يخطب فيه على قريش ، ويقول بعد خطبته : حرمكم عظموه ، وتمسكوا به ، فسيأتي له بناء عظيم ، وسيخرج به نبي كريم ، والله لو كنت فيه ذا سمع وبصر ، ويد ورجل ، لتنصبت تنصب الجمل ، ولأرقلت إرقال الفحل ، ثم يقول :


                                                                                                                                            يا ليتني شاهد فحواء دعوته إذا قريش تبقي الحق خذلانا

                                                                                                                                            وهذا من فطر الإلهام ، ومخائل العقول .

                                                                                                                                            ثم انتقلت الرئاسة بعده إلى " قصي بن كلاب " فجدد بناء الكعبة ، وهو أول من بناها بعد إبراهيم ، وإسماعيل ، وبنى دار الندوة للتحاكم ، والتشاجر ، والتشاور ، وعقد الألوية ، وهي أول دار بنيت بمكة ، وكانوا يخيمون في جبالها ثم بنى القوم دورهم بها ، [ ص: 4 ] فزادت الرئاسة ، وقوي تأسيس النبوة ، ثم أمرت قريش وكثرت حتى قصدهم صاحب الفيل ؛ لهتك الحرم ، وهدم الكعبة ، وسبي قريش ، فأخذ عبد المطلب بحلقة الباب وقال :


                                                                                                                                            يا رب لا نرجو لهم سواكا


                                                                                                                                            يا رب فامنع منهم حماكا


                                                                                                                                            إن عدو البيت من عاداكا


                                                                                                                                            امنعهم أن يخربوا قراكا

                                                                                                                                            فأرسل الله عليهم بما حكاه في كتابه العزيز : طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ، فهلكوا جميعا ، فقال عبد المطلب :


                                                                                                                                            أنت منعت الحبش والأفيالا


                                                                                                                                            وقد رعوا بمكة الأجبالا


                                                                                                                                            وقد خشينا منهم القتالا


                                                                                                                                            وكل أمر لهم معضالا


                                                                                                                                            حمدا وشكرا لك ذا الجلالا

                                                                                                                                            قد شهد بذلك تأسيس النبوة فيهم ، وبقي تعيينها في المخصوص بها منهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية