الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( كتاب الظهار ) مشتق من الظهر سمي بذلك لتشبيه الزوجة بظهر الأم وإنما خص الظهر دون غيره لأنه موضع الركوب ، إذ المرأة مركوبة إذا غشيت فقوله : أنت علي كظهر أمي أي ركوبك للنكاح حرام علي كركوب أمي للنكاح ، فأقام الظهر مقام المركوب لأنه مركوب ، وأقام الركوب مقام النكاح لأن الناكح راكب ويقال : كانت المرأة تحرم بالظهار على زوجها ولا تباح لغيره فنقل الشارع حكمه إلى تحريمها ووجوب الكفارة بالعود وأبقى محله وهو الزوجة ( وهو محرم ) إجماعا حكاه ابن المنذر [ ص: 369 ] لقوله تعالى : { وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } وقول المنكر والزور من أكبر الكبائر للخبر .

                                                                                                                      ومعناه أن الزوجة كالأم في التحريم لقوله تعالى : { ما هن أمهاتهم } وقوله : { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } ولحديث { أوس بن الصامت حين ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكيه فأنزل الله أول سورة المجادلة } رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم وفيه أحاديث أخر تأتي ( وهو أن يشبه ) الزوج ( امرأته أو ) يشبه ( عضوا منها ) أي من امرأته ( بظهر من تحرم عليه على التأبيد ) كأمه وأخته من نسب أو رضاع أو حماته ( أو ) يشبه ذلك بظهر من تحرم عليه ( إلى أمد ) كأخت امرأته وعمتها وخالتهما ( أو ) يشبه امرأته أو عضوا منها ( بها ) أي بمن تحرم عليه على التأبيد أو إلى أمد .

                                                                                                                      ( ولو ) كان التشبيه المذكور ( بغير العربية ) ممن يحسنها كالإيلاء والطلاق ( ولو اعتقد الحل ) أي حل المشبه بها من أم وأخت ( كمجوسي ) قال لزوجته : أنت علي كظهر أختي وهو يعتقد حل أخته فلا أثر لاعتقاده ذلك ويكون مظاهرا لأنه اعتقاد لا سند له فنأمره بالكفارة إذا رفع إلينا أو أسلم وقد وطئ ( أو ) يشبه امرأته أو عضوا منها ( بعضو منها ) أي ممن تحرم عليه على التأبيد أو إلى أمد ( أو ) يشبه امرأته أو عضوا منها ( بذكر ) كأبيه أو زيد ( أو ) يشبه امرأته أو عضوا منها ب ( عضو منه ) أي من الذكر كظهره أو رأسه وأمثلة ما سبق ( ك ) قوله لامرأته ( أنت كظهر أمي أو أنت علي كظهر أمي أو ) أنت علي ك ( بطن ) أمي ( أو ) أنت علي ( كيد ) أمي ( أو ) أنت علي ك ( رأس أمي أو ) أنت علي كيد ( أختي أو كوجه حماتي ونحوه ) .

                                                                                                                      قال في المبدع : الأحماء في اللغة أقارب الزوج والأختان أقارب المرأة والأصهار لكل واحد منهما ونقل ابن فارس أن الأحماء كالأصهار فعلى هذا يقال هذه حمأة زيد وحمأة هند ( أو يقول ظهرك ) كظهر أمي أو بطنها ونحوه ( أو ) يقول ( يدك أو رأسك أو جلدك أو فرجك علي كظهر أمي أو كيد أختي أو عمتي أو خالتي من نسب أو رضاع ) في الكل ( وإن قال ) أنت أو يدك ونحوها علي ( كشعر أمي أو كسنها أو ) ك ( ظفرها ) فليس بظهار لأنها ليست من الأعضاء الثابتة ( أو شبه شيئا من ذلك ) أي الظفر والشعر والسن ونحوها من امرأته بأمه ( أو بعضو [ ص: 370 ] من أعضائها ) بأن قال شعر امرأتي أو سنها أو ظفرها علي كأمي أو كظهرها ( أو قال كروح أمي أو عرقها أو ريقها أو دمعها أو دمها ) فليس بظهار لما سبق .

                                                                                                                      ( أو قال وجهي من وجهك حرام فليس بظهار ) بل لغو نص عليه ، لأنه يستعمل كثيرا في غير الظهار ولا يؤدي معناه ( وإن قال أنا مظاهر ) فلغو ( أو ) قال ( علي الظهار أو علي الحرام أو الحرام لي لازم فلغو ) إلا مع نية أو قرينة ( ومع نية أو قرينة ) تدل على الظهار ( ظهار ) لأنه نوى الظهار بما يحتمل لفظه فكان ظهارا وتقدم كلام الفروع وتصحيحه لو نوى به الطلاق ( وكذا أنا عليك حرام ) يكون ظهارا مع نية أو قرينة لأن تحريم نفسه عليها يقتضي تحريم كل واحد منهما على الآخر ( أو ) أنا عليك ( كظهر رجل ) يكون ظهارا مع نية أو قرينة لأن تشبيه نفسه بغيره من الرجال يلزم منها تحريمها عليه كما تحرم على ذلك الغير ، فيكون ظهارا كما لو شبهها بمن تحرم عليه ، فإن لم تكن نية ولا قرينة فلغو .

                                                                                                                      ( ويكره أن يسمى ) أي ينادي ( الرجل امرأته بمن تحرم عليه كقوله لها يا أختي يا ابنتي ونحوه ) لما روي { أن رجلا قال لامرأته يا أختي فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي أختك فكره ذلك ونهى عنه } لأنه لفظ يشبه الظهار ( ولا يثبت به حكم الظهار ) لأنه ليس صريحا في الظهار و ( ما نواه به ) وكذا نداؤها له يا أخاها ونحوه ( وإن قال ) لامرأته ( أنت عندي ) كأمي أو مثل أمي ( أو ) قال أنت مني كأمي أو مثل أمي ( أو ) قال ( أنت علي كأمي كان مظاهرا ) لأنه شبه امرأته بأمه أشبه ما لو شبهها بعضو من أعضائها ، وسواء نوى به الظهار أو أطلق لأنه الظاهر من اللفظ ( وإن قال أردت كأمي في الكرامة قبل حكما ) لأنه ادعى بلفظه ما يحتمله فقبل .

                                                                                                                      ( و ) إن قال ( أنت كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معا ) لأنه أتى بصريحهما وسواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا ( وأنت طالق كظهر أمي طلقت ) لأنه أتى بصريح الطلاق ( ولم يكن ظهارا ) جزم به في الشرح لأنه أتى بصريح الطلاق أولا ، وجعل قوله كظهر أمي صفة له فأشبه ما لو نوى به تأكيده ( إلا أن ينويه ) أي الظهار ، كان الطلاق رجعيا وجعلها في المنتهى كالتي قبلها ( فإن نواه ) أي الظهار ( وكان الطلاق بائنا فكالظهار من الأجنبية لأنه أتى به ) أي بالظهار ( بعد بينونتها بالطلاق وإن كان ) الطلاق ( رجعيا كان ظهارا صحيحا ) لأن الرجعية زوجة .

                                                                                                                      ( و ) قوله لامرأته ( أنت أمي أو كأمي أو مثل أمي أو ) قوله ( امرأتي أمي ليس بظهار ) لأن هذا اللفظ ظاهر في الكرامة فتعين حمله [ ص: 371 ] عليه عند الإطلاق .

                                                                                                                      ولأنه ليس بصريح فيه لكونه غير اللفظ المستعمل فيه ، كما لو قال أنت كبيرة مثل أمي ( إلا أن ينويه ) أي الظهار ( أو يقرن به ) أي بهذا اللفظ ( ما يدل على إرادته ) أي الظهار لأن النية تعين اللفظ في المنوي والقرينة شبيهة بها ( وإن قال أمي امرأتي أو ) أمي ( مثل امرأتي لم يكن مظاهرا ) لأن اللفظ لا يصلح للظهار .

                                                                                                                      ( و ) قوله لامرأته ( أنت علي كظهر أبي أو كظهر غيره من الرجال ) الأقارب أو الأجانب ( أو ) قال أنت علي ( كظهر أجنبية أو ) كظهر أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها ونحوه ظهار لأنه شبهها بظهر من تحرم عليه أشبه ظهر الأم وكذا إن شبهها بالميتة قاله في المبدع .

                                                                                                                      ( و ) لو قال ( أنت علي كظهر البهيمة ) فلا ظهار لأنه ليس محلا للاستمتاع ( أو ) قال ( أنت حرام إن شاء الله فلا ظهار ) وكذا لو قدم الاستثناء ، كقوله والله لا أفعل كذا إن شاء الله بجامع أنها يمين مكفرة ( وأنت علي حرام ظهار ولو نوى طلاقا ) فقط أو مع ظهار ( أو ) نوى ( يمينا ) لأنه تحريم أوقعه على الزوجة فكان ظهارا كتشبيهها بظهر أمه وحكاه إبراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس وغيرهما ( وإن قال ذلك ) أي أنت علي حرام ( لمحرمة عليه بحيض أو نحوه ) كنفاس أو إحرام ( ونوى الظهار فظهار ) لأن اللفظ يصلح له ( وإن نوى أنها محرمة عليه لذلك ) أي للحيض ونحوه ( أو أطلق ) فلم ينو شيئا ( فليس بظهار ) لأنه صادق في تحريمها عليه للحيض ونحوه ( وإن قال الحل علي حرام أو ما أحل الله لي ) حرام ( أو ما أنقلب إليه حرام فمظاهر ) لتناول ذلك لتحريم الزوجة ( وإن صرح بتحريم المرأة أو نواها ، كقوله ما أحل الله علي حرام من أهل ومال فهو آكد وتجزيه كفارة الظهار لتحريم المرأة والمال ) لأنه يمين واحدة فلا يوجب كفارتين واختار ابن عقيل يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال لأنه لو انفرد أوجب كذلك فكذا إذا اجتمعا ( وأنت علي كظهر أمي حرام ) ظهار ( أو أنت علي حرام كظهر أمي ) ظهار لأنه صريح فيه .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية