الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 150 ] ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت فتوحات كثيرة فيما ذكر ابن جرير وغيره في هذا الشأن منها : فتح همذان ثانية ، ثم الري وما بعدها ، ثم أذربيجان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الواقدي وأبو معشر : كانت في سنة ثنتين وعشرين . وقال سيف : كانت في سنة ثماني عشرة بعد فتح همذان والري وجرجان . وأبو معشر يقول بأن أذربيجان كانت بعد هذه البلدان ، ولكن عنده أن الجميع كان في هذه السنة . وعند الواقدي أن فتح همذان والري كان في سنة ثلاث وعشرين ؛ فهمذان افتتحها المغيرة بعد مقتل عمر بستة أشهر ، قال : ويقال : كان فتح الري قبل وفاة عمر بسنتين . إلا أن الواقدي وأبا معشر متفقان على أن أذربيجان في هذه السنة ، وتبعهما ابن جرير وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان السبب في ذلك أن المسلمين لما فرغوا من نهاوند وما وقع من الحرب المتقدم ، فتحوا حلوان وهمذان بعد ذلك . ثم إن أهل همذان نقضوا عهدهم الذي صالحهم عليه القعقاع بن عمرو ، فكتب عمر إلى نعيم بن مقرن أن يسير [ ص: 151 ] إلى همذان ، وأن يجعل على مقدمته أخاه سويد بن مقرن ، وعلى مجنبتيه ربعي بن عامر الطائي ، ومهلهل بن زيد اليمني . فسار حتى نزل على ثنية العسل ، ثم تحدر على همذان ، واستولى على بلادها ، وحاصرها فسألوه الصلح فصالحهم ودخلها ، فبينما هو فيها ومعه اثنا عشر ألفا من المسلمين إذ تكاتب الديلم وأهل الري وأهل أذربيجان ، واجتمعوا على حرب نعيم بن مقرن في جمع كثير ، فعلى الديلم ملكهم واسمه موتا ، وعلى أهل الري أبو الفرخان ، وعلى أهل أذربيجان إسفندياذ أخو رستم ، فخرج إليهم نعيم بن مقرن بمن معه من المسلمين حتى التقوا بمكان يقال له : واج روذ . فاقتتلوا قتالا شديدا وكانت وقعة عظيمة تعدل نهاوند ولم تك دونها ، فقتلوا من المشركين جمعا كثيرا ، وجما غفيرا لا يحصون كثرة ، وقتل ملك الديلم موتا وتمزق شملهم ، وانهزموا بأجمعهم ، بعد من قتل بالمعركة منهم ، فكان نعيم بن مقرن أول من قاتل الديلم من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان نعيم كتب إلى عمر يعلمه باجتماعهم فهمه ذلك واغتم له . فلم يفجأه إلا البريد بالبشارة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأمر بالكتاب فقرئ على الناس ، ففرحوا وحمدوا الله ، عز وجل . ثم قدم عليه بالأخماس ثلاثة من [ ص: 152 ] الأمراء ؛ وهم سماك بن خرشة - وليس بأبي دجانة - وسماك بن عبيد ، وسماك بن مخرمة . فلما استسماهم عمر ، قال : " اللهم اسمك بهم الإسلام ، وأمد بهم الإسلام . ثم كتب إلى نعيم بن مقرن بأن يستخلف على همذان ويسير إلى الري . فامتثل نعيم . وقد قال نعيم في هذه الوقعة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما أتاني أن موتا ورهطه بني باسل جروا جنود الأعاجم     نهضت إليهم بالجنود مساميا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لأمنع منهم ذمتي بالقواصم     فجئنا إليهم بالحديد كأننا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جبال تراءى من فروع القلاسم     فلما لقيناهم بها مستفيضة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد جعلوا يسمون فعل المساهم     صدمناهم في واج روذ بجمعنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      غداة رميناهم بإحدى العظائم     فما صبروا في حومة الموت ساعة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لحد الرماح والسيوف الصوارم     كأنهم عند انبثاث جموعهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جدار تشظى لبنه للهوادم     أصبنا بها موتا ومن لف جمعه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها نهاب قسمه غير عاتم     تبعناهم حتى أووا في شعابهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فنقتلهم قتل الكلاب الجواحم     كأنهم في واج روذ وجوه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضئين أصابتها فروج المخارم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية