الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 54 ] 94

ثم دخلت سنة أربع وتسعين

ذكر قتل سعيد بن جبير

قيل : وفي هذه السنة قتل سعيد بن جبير .

وكان سبب قتله خروجه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وكان الحجاج قد جعله على عطاء الجند حين وجه عبد الرحمن إلى رتبيل لقتاله ، فلما خلع عبد الرحمن الحجاج كان سعيد فيمن خلع ، فلما هزم عبد الرحمن ودخل بلاد رتبيل هرب سعيد إلى أصبهان ، فكتب الحجاج إلى عاملها بأخذ سعيد ، فخرج العامل من ذلك ، فأرسل إلى سعيد يعرفه ذلك ويأمره بمفارقته ، فسار عنه فأتى أذربيجان ، فطال عليه القيام فاغتم بها ، فخرج إلى مكة ، فكان بها هو وأناس أمثاله يستخفون ، فلا يخبرون أحدا أسماءهم .

فلما ولي خالد بن عبد الله مكة ، قيل لسعيد : إنه رجل سوء ، فلو سرت عن مكة . قال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله ، وسيجيئني ما كتب الله لي . فلما قدم خالد مكة كتب إليه الوليد بحمل أهل العراق إلى الحجاج ، فأخذ سعيد بن جبير ومجاهدا وطلق بن حبيب ، فأرسلهم إليه ، فمات طلق بالطريق ، وحبس مجاهد حتى مات الحجاج .

وكان سيرهم مع حرسين ، فانطلق أحدهما لحاجة وبقي الآخر ، فقال لسعيد ، وقد استيقظ من نومه ليلا : يا سعيد ، إني أبرأ إلى الله من دمك ، إني رأيت في منامي ، فقيل لي : ويلك ! تبرأ من دم سعيد بن جبير ! فاذهب حيث شئت فإني لا أطلبك . فأبى سعيد ، فرأى ذلك الحرس مثل تلك الرؤيا ثلاثا ، ويأذن لسعيد في الذهاب وهو لا يفعل .

فقدموا به الكوفة ، فأنزل في داره ، وأتاه قراء الكوفة ، فجعل يحدثهم وهو يضحك وبنية له في حجره ، فلما نظرت إلى القيد في رجله بكت ، ثم أدخلوه على الحجاج ، فلما أتي به ، قال : لعن الله ابن النصرانية ! يعني خالدا ، وكان هو أرسله ، أما كنت أعرف مكانه ؟ بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة ، ثم أقبل عليه ، فقال : يا سعيد ألم أشركك في [ ص: 55 ] إمامتي ؟ ألم أفعل ؟ ألم أستعملك ؟ قال : بلى . قال : فما أخرجك علي ؟ قال : إنما أنا امرؤ من المسلمين ، يخطئ مرة ويصيب مرة . فطابت نفس الحجاج ، ثم عاوده في شيء ، فقال : إنما كانت بيعة في عنقي ، فغضب الحجاج وانتفخ ، وقال : يا سعيد ألم أقدم مكة ، فقتلت ابن الزبير ، وأخذت بيعة أهلها ، وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك ؟ قال : بلى . قال : ثم قدمت الكوفة واليا ، فجددت البيعة ، فأخذت بيعتك لأمير المؤمنين ثانية ؟ قال : بلى . قال : فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين ، وتوفي بواحدة للحائك ابن الحائك ، والله لأقتلنك ! قال : إني إذا لسعيد كما سمتني أمي . فأمر به فضربت رقبته ، فبدر رأسه عليه كمة بيضاء لاطية ، فلما سقط رأسه هلل ثلاثا ، أفصح بمرة ولم يفصح بمرتين .

فلما قتل التبس عقل الحجاج ، فجعل يقول : قيودنا قيودنا ! فظنوا أنه يريد القيود ، فقطعوا رجلي سعيد من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود ، وكان الحجاج إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجامع ثوبه ، فيقول : يا عدو الله فيم قتلتني ؟ فيقول : ما لي ولسعيد بن جبير ! ما لي ولسعيد بن جبير !

ذكر غزوة الشاش وفرغانة

في هذه السنة قطع قتيبة النهر ، وفرض على أهل بخارى وكش ونسف وخوارزم عشرين ألف مقاتل ، فساروا معه ، فوجههم إلى الشاش ، وتوجه هو إلى فرغانة فأتى خجندة ، فجمع له أهلها فلقوه فاقتتلوا مرارا ، كل ذلك يكون الظفر للمسلمين . ثم إن قتيبة أتى كاشان مدينة فرغانة ، وأتاه الجنود الذين وجههم إلى الشاش وقد فتحوها وأحرقوا أكثرها ، وانصرف إلى مرو ، وقال سحبان يذكر قتالهم بخجندة فقال :


فسل الفوارس في خجن دة تحت مرهفة العوالي     هل كنت أجمعهم إذا
هزموا وأقدم في القتال     أم كنت أضرب هامة ال
عاتي وأصبر للعوالي [ ص: 56 ]     هذا وأنت قريع قي
س كلها ضخم النوال     وفضلت قيسا في الندى
وأبوك في الحجج الخوالي     ولقد تبين عدل حك
مك فيهم في كل حال     تمت مروءتكم ونا
غى عزكم غلب الجبال

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا العباس بن الوليد أرض الروم ففتح أنطاكية .

وفيها غزا عبد العزيز بن الوليد فبلغ غزالة ، وبلغ الوليد بن هشام المعيطي برج الحمام ، ويزيد بن أبي كبشة أرض سورية .

وفيها كانت الزلازل بالشام ، ودامت أربعين يوما ، فخربت البلاد ، وكان عظم ذلك في أنطاكية .

وفيها افتتح القاسم بن محمد الثقفي أرض الهند .

[ ص: 57 ] [ الوفيات ]

وتوفي في هذه السنة علي بن الحسين في أولها .

ثم عروة بن الزبير .

ثم سعيد بن المسيب .

وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .

واستقضى الوليد على الشام سليمان بن حبيب .

وحج بالناس مسلمة بن عبد الملك ، وقيل : عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك .

وكان العامل بمكة خالد بن عبد الله ، وبالمدينة عثمان بن حيان ، وبمصر قرة بن شريك ، وبخراسان قتيبة من قبل الحجاج .

التالي السابق


الخدمات العلمية