الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 130 ] 102

ثم دخلت سنة اثنتين ومائة

ذكر مقتل يزيد بن المهلب

ثم إن يزيد بن المهلب سار عن واسط ، واستخلف عليها ابنه معاوية وجعل عنده بيت المال والأسراء ، وسار على فم النيل حتى نزل العقر ، وقدم أخاه عبد الملك بن المهلب نحو الكوفة ، فاستقبله العباس بن الوليد بسورا ، فاقتتلوا ، فحمل عليهم أصحاب عبد الملك حملة كشفوهم فيها ، ومعهم ناس من تميم وقيس من أهل البصرة ، فنادوا : يا أهل الشام ! الله الله أن تسلمونا ! وقد اضطرهم أصحاب عبد الملك إلى النهر . فقال أهل الشام : لا بأس عليكم ، إن لنا جولة في أول القتال ، ثم كروا عليهم فانكشف أصحاب عبد الملك ، فانهزموا وعادوا إلى يزيد .

وأقبل مسلمة يسير على شاطئ الفرات إلى الأنبار ، وعقد عليها الجسر ، فعبر وسار حتى نزل على ابن المهلب ، وأتى إلى ابن المهلب ناس من أهل الكوفة كثير ، ومن الثغور ، فبعث على من خرج إليه من أهل الكوفة وربع أهل المدينة عبد الله بن سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد النعمان بن إبراهيم بن الأشتر ، وعلى كندة وربيعة محمد بن إسحاق بن الأشعث ، وعلى تميم وهمدان حنظلة بن عتاب بن ورقاء التميمي ، وجمعهم جميعا [ مع ] المفضل بن المهلب وأحصى ديوان ابن المهلب مائة ألف وعشرين ألفا ، فقال : لوددت أن لي بهم من بخراسان من قومي ، ثم قام في أصحابه فحرضهم على القتال .

وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن قد عسكر بالنخيلة ، وشق المياه ، وجعل على أهل الكوفة الأرصاد لئلا يخرجوا إلى ابن المهلب ، وبعث بعثا إلى مسلمة مع سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف ، وبعث مسلمة فعزل عبد الحميد عن الكوفة ، واستعمل عليها محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة ، وهو ذو الشامة .

فجمع يزيد رءوس أصحابه ، فقال : قد رأيت أن أجمع اثني عشر ألفا فأبعثهم مع [ ص: 131 ] أخي محمد بن المهلب حتى يبيتوا مسلمة ، ويحملوا معهم البراذع والأكف والزبل لدفن خندقهم ، فيقاتلهم على خندقهم بقية ليلته ، وأمده بالرجال حتى أصبح ، فإذا أصبحت نهضت إليهم في الناس فأناجزهم ، فإني أرجو عند ذلك أن ينصرنا الله عليهم ، فقال السميدع : إنا قد دعوناهم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، وقد زعموا أنهم قبلوا هذا منا ، فليس لنا أن نمكر ولا نغدر حتى يردوا علينا [ ما زعموا أنهم قابلوه منا ] . وقال أبو رؤبة ، وهو رأس الطائفة المرجئة ، ومعه أصحاب له : صدق ، هكذا ينبغي .

فقال يزيد : ويحكم ! أتصدقون بني أمية أنهم يعملون بالكتاب والسنة ، وقد ضيعوا ذلك منذ كانوا ؟ إنهم يخادعونكم ليمكروا بكم فلا يسبقوكم إليه ، إني لقيت بني مروان ، فما لقيت منهم أمكر ولا ( أبعد غدرا ) من هذه الجرادة الصفراء ، يعني مسلمة . قالوا : لا نفعل ذلك حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم قابلوه منا .

وكان مروان بن المهلب بالبصرة يحث الناس على حرب أهل الشام ، والحسن البصري يثبطهم ، فلما بلغ ذلك مروان ، قام في الناس يأمرهم بالجد والاحتشاد ، ثم قال : بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي ، ولم يسمه ، يثبط الناس ، والله لو أن جاره نزع من خص داره قصبة لظل يرعف أنفه ! وايم الله ليكفن عن ذكرنا وعن جمعه إليه ، سقاط الأبلة وعلوج فرات البصرة ، أو لأنحين عليه مبردا خشنا .

فلما بلغ ذلك الحسن ، قال : والله [ ما أكره ] أن يكرمني الله بهوانه . فقال ناس من أصحابه : لو أرادك ثم شئت لمنعناك . فقال لهم : فقد خالفتكم إذا إلى ما نهيتكم عنه ، آمركم أن لا يقتل بعضكم بعضا مع غيري ، وآمركم أن يقتل بعضكم بعضا دوني ! فبلغ ذلك مروان ، فاشتد عليهم وطلبهم وتفرقوا ، وكف عن الحسن .

وكان اجتماع يزيد بن المهلب ومسلمة بن عبد الملك بن مروان ثمانية أيام ، فلما كان يوم الجمعة لأربع عشرة مضت من صفر بعث مسلمة إلى الوضاح أن يخرج بالسفن حتى يحرق الجسر ، ففعل ، وخرج مسلمة ، فعبأ جنود أهل الشام ، ثم قرب من ابن المهلب وجعل على ميمنته جبلة بن مخرمة الكندي ، وعلى ميسرته الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي ، وجعل العباس بن الوليد على ميمنته سيف بن هانئ الهمداني ، وعلى [ ص: 132 ] ميسرته سويد بن القعقاع التميمي ، وكان مسلمة على الناس .

وخرج يزيد بن المهلب وقد جعل على ميمنته حبيب بن المهلب ، وعلى ميسرته المفضل بن المهلب . فخرج رجل من أهل الشام فدعا إلى المبارزة ، فبرز إليه محمد بن المهلب ، فضربه محمد ، فاتقاه الرجل بيده وعلى كفه كف من حديد ، فضربه محمد فقطع الكف الحديد ، وأسرع السيف في كفه واعتنق فرسه فانهزم .

فلما دنا الوضاح من الجسر ألهب فيه النار ، فسطع دخانه ، وقد أقبل الناس ، ونشبت الحرب ، ولم يشتد القتال ، فلما رأى الناس الدخان ، وقيل لهم أحرق الجسر ، انهزموا ، فقيل ليزيد : قد انهزم الناس . فقال : مم انهزموا ؟ هل كان قتال ينهزم من مثله ؟ فقيل له قالوا أحرق الجسر فلم يثبت أحد . فقال : قبحهم الله ! بق دخن عليه فطار ! ثم خرج معه أصحابه فقال : اضربوا وجوه المنهزمين ، ففعلوا ذلك بهم حتى كثروا عليه ، واستقبله أمثال الجبال ، فقال : دعوهم فوالله إني لأرجو أن لا يجمعني وإياهم مكان أبدا ، دعوهم يرحمهم الله ، غنم عدا في نواحيها الذئب !

وكان يزيد لا يحدث نفسه بالفرار ، وكان قد أتاه يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي ، وهو ابن أخي عثمان بن أبي العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس بينه وبين الحكم بن أبي العاص والد مروان نسب ، وهو بواسط ، فقال له : إن بني مروان قد باد ملكهم ، فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر . فقال : ما شعرت ، فقال ابن الحكم :


فعش ملكا أو مت كريما فإن تمت وسيفك مشهور بكفك تعذر

فقال : أما هذا فعسى . فلما رأى يزيد انهزام أصحابه ، قال : يا سميدع أرأيي أجود أم رأيك ؟ ألم أعلمك ما يريد القوم ؟ قال : بلى ، فنزل سميدع ونزل يزيد في أصحابهما . وقيل : كان على فرس أشهب فأتاه آت ، فقال : إن أخاك حبيبا قد قتل . فقال : لا خير في العيش بعده ، قد كنت والله أبغض الحياة بعد الهزيمة ، وقد ازددت لها بغضا ، امضوا قدما . فعلموا أنه قد استقتل ، فتسلل عنه من يكره القتال ، وبقي معه جماعة حسنة وهو يتقدم ، فكلما مر بخيل كشفها ، أو جماعة من أهل الشام عدلوا عنه ، وأقبل نحو مسلمة لا يريد غيره . فلما دنا منه أدنى مسلمة فرسه ليركب ، فعطف عليه خيول أهل الشام وعلى أصحابه ، فقتل يزيد والسميدع ومحمد بن المهلب .

وكان رجل من كلب يقال له : القحل بن عياش ، فلما نظر إلى يزيد ، قال : هذا والله [ ص: 133 ] يزيد ! والله لأقتلنه أو ليقتلني ! فمن يحمل معي يكفيني أصحابه ، حتى أصل إليه ؟ فحمل معه ناس ، فاقتتلوا ساعة ، وانفرج الفريقان عن يزيد قتيلا ، وعن القحل بآخر رمقه ، فأومأ إلى أصحابه يريهم مكان يزيد ، وأنه هو قاتله وأن يزيد قتله .

وأتى برأس يزيد مولى لبني مرة ، فقيل له : أنت قتلته ؟ قال : لا ، فلما أتى مسلمة سيره إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط . وقيل : بل قتله الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي ، ولم ينزل يأخذ رأسه أنفة .

ولما قتل يزيد كان المفضل بن المهلب يقاتل أهل الشام ، وما يدري بقتل يزيد ولا بهزيمة الناس ، وكان كلما حمل على الناس انكشفوا ، ثم يحمل حتى يخالطهم ، وكان معه عامر بن العميثل الأزدي يضرب بسيفه ويقول :


قد علمت أم الصبي المولود     أني بنصل السيف غير رعديد



فاقتتلوا ساعة ، فانهزمت ربيعة ، فاستقبلهم المفضل يناديهم : يا معشر ربيعة الكرة الكرة ! والله ما كنتم بكشف ولا لئام ، ولا لكم هذه بعادة ، فلا يؤتين أهل العراق من قبلكم ، فدتكم نفسي ! فرجعوا إليه يريدون الحملة ، فأتي ، وقيل له : ما تصنع هاهنا وقد قتل يزيد وحبيب ومحمد ، وانهزم الناس منذ طويل ؟ فتفرق الناس عنه ، ومضى المفضل إلى واسط ، فما كان من العرب أضرب بسيفه ، ولا أحسن تعبية للحرب ، ولا أغشى للناس منه . وقيل : بل أتاه أخوه عبد الملك ، وكره أن يخبره بقتل يزيد فيستقتل ، فقال له : إن الأمير قد انحدر إلى واسط . فانحدر المفضل بمن بقي من ولد المهلب إلى واسط ، فلما علم بقتل يزيد حلف أنه لا يكلم عبد الملك أبدا ، فما كلمه حتى قتل بقندابيل . وكانت عينه أصيبت في الحرب ، فقال : فضحني عبد الملك ، ما عذري إذا رآني الناس ، فقالوا شيخ أعور مهزوم ! ألا صدقني فقتلت ؟ ثم قال :


ولا خير في طعن الصناديد بالقنا     ولا في لقاء الحرب بعد يزيد

فلما فارق المفضل المعركة ، جاء عسكر الشام إلى عسكر يزيد ، فقاتلهم أبو رؤبة صاحب المرجئة ساعة من النهار ، وأسر مسلمة نحو ثلاثمائة أسير ، فسرحهم إلى الكوفة ، فحبسوا بها ، فجاء كتاب يزيد بن عبد الملك إلى محمد بن عمرو بن الوليد يأمره بضرب [ ص: 134 ] رقاب الأسرى ، فأمر العريان بن الهيثم ، وكان على شرطته ، أن يخرجهم عشرين عشرين وثلاثين ثلاثين ، فقام نحو ثلاثين رجلا من تميم فقالوا : نحن انهزمنا بالناس ، فابدءوا بنا قبل الناس . فأخرجهم العريان ، فضرب رقابهم ، وهم يقولون : انهزمنا بالناس ، فكان هذا جزاءنا . فلما فرغوا منهم ، جاء رسول بكتاب من عندمسلمة يأمره بترك قتل الأسرى . وأقبل مسلمة حتى نزل الحيرة .

ولما أتت هزيمة يزيد إلى واسط أخرج ابنه معاوية اثنين وثلاثين أسيرا كانوا عنده ، فضرب أعناقهم ، منهم : عدي بن أرطاة ، ومحمد بن عدي بن أرطاة ، ومالك وعبد الملك ابنا مسمع ، وغيرهما ، ثم أقبل حتى أتى البصرة ومعه المال والخزائن ، وجاء المفضل بن المهلب ، واجتمع أهل المهلب بالبصرة فأعدوا السفن وتجهزوا للركوب في البحر . وكان يزيد بن المهلب بعث وداع بن حميد الأزدي على قندابيل أميرا ، وقال له : إني سائر إلى هذا العدو ولو قد لقيتهم لم أبرح العرصة حتى يكون لي أو لهم ، فإن ظفرت أكرمتك ، وإن كانت الأخرى كنت بقندابيل حتى يقدم عليك أهل بيتي فيتحصنوا بها حتى يأخذوا [ لأنفسهم ] أمانا ، وقد اخترتك لهم من بين قومي ، فكن عند أحسن ظني . وأخذ عليه العهود ليناصحن أهل بيته إن هم لجأوا إليه .

فلما اجتمع آل المهلب بالبصرة حملوا عيالاتهم وأموالهم في السفن البحرية ، ثم لججوا في البحر حتى إذا كانوا بحيال كرمان خرجوا من سفنهم ، وحملوا عيالاتهم وأموالهم على الدواب ، وكان المقدم عليهم المفضل بن المهلب ، وكان بكرمان فلول كثيرة ، فاجتمعوا إلى المفضل ، وبعث مسلمة بن عبد الملك مدرك بن ضب الكلبي في طلبهم وفي أثر الفل ، فأدرك مدرك المفضل ، ومعه الفلول في عقبة ، فعطفوا عليه فقاتلوه ، واشتد قتالهم [ إياه ] ، فقتل من أصحاب المفضل النعمان بن إبراهيم بن الأشتر النخعي ، ومحمد بن إسحاق بن محمد بن الأشعث ، وأخذ ابن صول ملك قهستان أسيرا ، وجرح عثمان بن إسحاق بن محمد بن الأشعث ، وهرب حتى انتهى إلى حلوان ، فدل عليه ، فقتل ، وحمل رأسه إلى مسلمة بالحيرة . ورجع ناس من أصحاب ابن المهلب ، فطلبوا الأمان ، فأومنوا ، منهم : مالك بن إبراهيم بن الأشتر ، والورد بن عبد الله بن حبيب السعدي التميمي .

ومضى آل المهلب ومن معهم إلى قندابيل ، وبعث مسلمة إلى مدرك بن ضب [ ص: 135 ] فرده وسير في أثرهم هلال بن أحوز التميمي ، فلحقهم بقندابيل ، فأراد أهل المهلب دخولها ، فمنعهم وداع بن حميد ، وكان هلال بن أحوز لم يباين آل المهلب ، فلما التقوا كان وداع على الميمنة ، وعبد الملك بن هلال على الميسرة ، وكلاهما أزدي ، فرفع هلال بن أحوز راية أمان ، فمال إليه وداع بن حميد ، وعبد الملك بن هلال ، وتفرق الناس عن آل المهلب . فلما رأى ذلك مروان بن المهلب أراد أن ينصرف إلى النساء فيقتلهن ، لئلا يصرن إلى أولئك ، فنهاه المفضل عن ذلك ، وقال : إنا لا نخاف عليهن من هؤلاء . فتركهن ، وتقدموا بأسيافهم ، فقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم ، وهم : المفضل ، وعبد الملك ، وزياد ، ومروان بنو المهلب ، ومعاوية بن يزيد بن المهلب ، والمنهال بن أبي عيينة بن المهلب ، وعمرو والمغيرة ابنا قبيصة بن المهلب ، وحملت رءوسهم ، وفي أذن كل واحد رقعة فيها اسمه إلا أبا عيينة بن المهلب ، وعمر بن يزيد بن المهلب ، وعثمان بن المفضل بن المهلب ، فإنهم لحقوا برتبيل .

وبعث هلال بن أحوز بنسائهم ورءوسهم والأسرى من آل المهلب إلى مسلمة بالحيرة ، فبعثهم مسلمة إلى يزيد بن عبد الملك ، فسيرهم يزيد إلى العباس بن الوليد وهو على حلب ، فنصب الرءوس ، وأراد مسلمة أن يبيع الذرية ، فاشتراهم منه الجراح بن عبد ( الله الحكمي بمائة ألف ، وخلى سبيلهم ، ولم يأخذ مسلمة من الجراح شيئا .

ولما بلغ يزيد بن عبد الملك الخبر بقتل يزيد سره لانتصاره ، ولما في نفسه منه قبل الخلافة ) .

وكان سبب العداوة بينهما أن ابن المهلب خرج من الحمام أيام سليمان بن عبد الملك وقد تضمخ بالغالية ، فاجتاز بيزيد بن عبد الملك ، وهو إلى جانب عمر بن عبد العزيز ، فقال : قبح الله الدنيا ، لوددت أن مثقال غالية بألف دينار ، فلا ينالها إلا كل شريف . فسمع ابن المهلب ، فقال له : بل وددت أن الغالية كانت في جبهة الأسد ، فلا ينالها إلا مثلي . فقال له يزيد بن عبد الملك : والله لئن وليت يوما لأقتلنك . فقال له ابن المهلب : والله لئن وليت هذا الأمر وأنا حي لأضربن وجهك بخمسين ألف سيف ، فهذا [ ص: 136 ] كان سبب البغض بينهما ، وقيل غير ذلك ، وقد تقدم ذكره .

وأما الأسرى فكانوا ثلاثة عشر رجلا ، فلما قدم بهم على يزيد بن عبد الملك وعنده كثير عزة ، فأنشد :


حليم إذا ما نال عاقب مجملا     أشد العقاب أو عفا لم يثرب
فعفوا أمير المؤمنين وحسبة     فما تأته من صالح لك يكتب
أساءوا فإن تصفح فإنك قادر     وأفضل حلم حسبة حلم مغضب

قال يزيد بن عبد الملك : هيهات يا أبا صخر ! طف بك الرحم لا سبيل إلى ذلك ، إن الله عز وجل ، أفادنيهم بأعمالهم الخبيثة . ثم أمر بهم ، فقتلوا ، وبقي غلام صغير ، فقال : اقتلوني ، فما أنا بصغير . فقال : انظروا أنبت . فقال : أنا أعلم بنفسي ، فقد احتلمت ، ووطئت النساء . فأمر به يزيد فقتل .

وأسماء الأسرى الذين قتلوا : المعارك ، وعبد الله ، والمغيرة ، والمفضل ، ومنجاب أولاد يزيد بن المهلب ، ودريد ، والحجاج ، وغسان ، وشبيب ، والفضل أولاد المفضل بن المهلب ، والمفضل بن قبيصة بن المهلب . وقال ثابت قطنة يرثي يزيد بن المهلب :


أبى طول هذا الليل أن يتصرما     وهاج لك الهم الفؤاد المتيما
أرقت ولم تأرق معي أم خالد     وقد أرقت عيناي حولا مجرما
على هالك هد العشيرة فقده     دعته المنايا فاستجاب وسلما
[ ص: 137 ] على ملك بالعقر يا صاح جبنت     كتائبه واستورد الموت معلما
أصيب ولم أشهد ولو كنت شاهدا     لسلبت إن لم يجمع الحي مأتما
وفي غير الأيام يا هند فاعلمي     لطالب وتر نظرة إن تلوما
فعلي إن مالت بي الريح ميلة     على ابن أبي ذبان أن يتندما
أمسلم إن تقدر عليك رماحنا     نذقك بها قيء الأساود مسلما
وإن نلق للعباس في الدهر عثرة     نكافئه باليوم الذي كان قدما
قصاصا ولم نعد الذي كان قد أتى     إلينا وإن كان ابن مروان أظلما
ستعلم إن زلت بك النعل زلة     وأظهر أقوام حياء مجمجما
من الظالم الجاني على أهل بيته     إذا أحضرت أسباب أمر وأبهما
وإنا لعطافون بالحلم بعدما     نرى الجهل من فرط اللئيم تكرما
وإنا لحلالون بالثغر لا نرى     به ساكنا إلا الخميس العرمرما
نرى أن للجيران حقا وذمة     إذا الناس لم يرعوا لذي الجار محرما
وإنا لنقري الضيف من قمع الذرى     إذا كان رفد الرافدين تجشما

وله فيه مرثيات كثيرة .

وأما أبو عيينة بن المهلب فأرسلت هند بنت المهلب إلى يزيد بن عبد الملك في أمانه ، فآمنه ، وبقي عمر وعثمان حتى ولي أسد بن عبد الله القسري خراسان ، فكتب إليهما بأمانهما ، فقدما خراسان .

( قطنة : بالنون ، وهو ثابت بن كعب بن جابر العتكي الأزدي ، أصيبت عينه بخراسان ، [ ص: 138 ] فجعل عليها قطنة فعرف بذلك ، وهو يشتبه بثابت بن قطبة ، بالباء الموحدة ، وهو خزاعي وذاك عتكي ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية