الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو أحمد الحاكم

                                                                                      الإمام الحافظ العلامة الثبت ، محدث خراسان محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي ، الحاكم الكبير ، مؤلف كتاب " الكنى " في عدة مجلدات .

                                                                                      ولد في حدود سنة تسعين ومائتين أو قبلها .

                                                                                      وطلب هذا الشأن وهو كبير له نيف وعشرون سنة ، فسمع أحمد بن محمد الماسرجسي ، ومحمد بن شادل ، وإمام الأئمة ابن خزيمة ، وأبا العباس السراج ، وأبا بكر محمد بن محمد الباغندي ، وعبد الله بن زيدان البجلي ، وأبا جعفر محمد بن الحسين الخثعمي ، وأبا القاسم البغوي ، وابن أبي داود ، ومحمد بن إبراهيم الغازي ، ومحمد بن الفيض الغساني ، ومحمد بن خريم ، وأبا الطيب الحسين بن موسى الرقي - نزيل أنطاكية ، وأبا عروبة الحراني ، وعبد الرحمن بن عبيد الله بن أخي [ ص: 371 ] الإمام الحلبي ، وأبا الجهم أحمد بن الحسين بن طلاب ، ومحمد بن أحمد بن سلم الرقي ، وأبا الحسن أحمد بن جوصا الحافظ ، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي ثم الدمشقي ، وصدقة بن منصور الكندي الحراني ، ومحمد بن سفيان المصيصي الصفار ، ويحيى بن محمد بن صاعد ، ومحمد بن إبراهيم الديبلي ، والعباس بن الفضل بن شاذان الرازي المقرئ ، ومحمد بن مروان بن عبد الملك البزاز الدمشقي -كذا يسميه- وهو محمد بن خريم العقيلي ، وعبد الله بن عتاب الزفتي ، ومحمد بن أحمد بن المستنير المصيصي ، وعلي بن عبد الحميد الغضائري ، ويوسف بن يعقوب مقرئ واسط ، ومحمد بن المسيب الأرغياني ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، وخلقا كثيرا بالشام ، والعراق ، والجزيرة ، والحجاز ، وخراسان ، والجبال .

                                                                                      وكان من بحور العلم .

                                                                                      حدث عنه : أبو عبد الله الحاكم ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، ومحمد بن علي الأصبهاني الجصاص ، ومحمد بن أحمد الجارودي ، وأبو بكر أحمد بن علي بن منجويه ، وأبو حفص بن سرور ، وصاعد بن محمد القاضي ، وأبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي ، وأبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد البحيري ، وآخرون .

                                                                                      ذكره الحاكم ابن البيع ، فقال : هو إمام عصره في هذه الصنعة ، كثير التصنيف ، مقدم في معرفة شروط الصحيح والأسامي والكنى

                                                                                      . طلب الحديث وهو ابن نيف وعشرين سنة . . . إلى أن قال : ولم يدخل مصر ، وكان مقدما في العدالة أولا ، ثم ولي القضاء في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة . . . إلى أن قلد قضاء الشاش ، فذهب وحكم أربع [ ص: 372 ] سنين وأشهرا ، ثم قلد قضاء طوس ، وكنت أدخل إليه والمصنفات بين يديه ، فيحكم ثم يقبل على الكتب ، ثم أتى نيسابور سنة خمس وأربعين ، ولزم مسجده ومنزله مفيدا مقبلا على العبادة والتصنيف ، وأريد غير مرة على القضاء والتزكية فيستعفي . قال : وكف بصره سنة ست وسبعين ، ثم توفي وأنا غائب .

                                                                                      وقال الحاكم أيضا : كان أبو أحمد من الصالحين الثابتين على سنن السلف ، ومن المنصفين فيما نعتقده في أهل البيت والصحابة . قلد القضاء في أماكن . وصنف على كتابي الشيخين ، وعلى جامع أبي عيسى ، قال لي . سمعت عمر بن علك ، يقول : مات محمد بن إسماعيل ولم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى الترمذي في العلم والزهد والورع ، بكى حتى عمي ، ثم قال الحاكم أبو عبد الله : وصنف أبو أحمد كتاب " العلل " ، والمخرج على " كتاب المزني " ، وكتابا في الشروط ، وصنف الشيوخ والأبواب . . . إلى أن قال : وهو حافظ عصره بهذه الديار .

                                                                                      وقال أبو عبد الرحمن السلمي : سمعت أبا أحمد الحافظ يقول : حضرت مع الشيوخ عند أمير خراسان نوح بن نصر ، فقال : من يحفظ منكم حديث أبي بكر في الصدقات ؟ فلم يكن فيهم من يحفظه ، وكان علي خلقان وأنا في آخر الناس ، فقلت لوزيره : أنا أحفظه ، [ ص: 373 ] فقال : هاهنا فتى من نيسابور يحفظه ، فقدمت فوقهم ، ورويت الحديث ، فقال الأمير : مثل هذا لا يضيع . فولاني قضاء الشاش .

                                                                                      قال أبو عبد الله بن البيع : تغير حفظ أبي أحمد لما كف ، ولم يختلط قط ، وسمعته يقول : كنت بالري وهم يقرءون على عبد الرحمن بن أبي حاتم كتاب " الجرح والتعديل " ، فقلت لابن عبدويه الوراق : هذه ضحكة ، أراكم تقرءون كتاب " تاريخ البخاري " على شيخكم على الوجه ، وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم ، فقال : يا أبا أحمد اعلم أن أبا زرعة ، وأبا حاتم لما حمل إليهما " تاريخ البخاري " قالا : هذا علم لا يستغنى عنه ، ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا ، فأقعدا عبد الرحمن ، فسألهما عن رجل بعد رجل ، وزادا فيه ونقصا . وسمعته يقول : سمعت أبا الحسين الغازي ، يقول : سألت البخاري عن أبي غسان ، فقال : عن ما تسأل عنه ؟ قلت : شأنه في التشيع ، فقال : هو على مذهب أئمة أهل بلده الكوفيين ، ولو رأيتم عبيد الله بن موسى ، وأبا نعيم وجماعة مشايخنا الكوفيين ، لما سألتمونا عن أبي غسان .

                                                                                      قال ابن البيع : وسمعت أبا أحمد يقول : سمعت أبا الحسين الغازي ، يقول : سمعت عمرو بن علي ، سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : عجبا من أيوب السختياني يدع ثابتا البناني لا يكتب عنه ! .

                                                                                      قيل : إن بعض العلماء نازعه أبو عبد الله بن البيع في عمر بن زرارة ، وعمرو بن زرارة النيسابوري ، وقال : هما واحد ، قال : فقلت لأبي أحمد الحاكم : ما تقول فيمن جعلهما واحدا ؟ فقال : من هذا الطبل ؟ .

                                                                                      قال الحاكم : أتينا أبا أحمد مع أبي علي الحافظ سنة أربعين ، فقال أبو [ ص: 374 ] أحمد : قد غبت عنكم سبع عشرة سنة ، فأفيدونا بكل سنة حديثا ، فقال بعضهم : حديث شعبة ، عن حبيب ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد مرفوعا : سبعة يظلهم الله فقال أبو أحمد : حدثناه أحمد بن عمير ، حدثنا أحمد بن موسى ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، عن شعبة .

                                                                                      فقال السائل : عنه ، عن عمرو بن مرزوق عال ، فقالوا له : يا أبا أحمد إنك لم تدخل مصر ، قال : فأنتم قد دخلتموها ، اذكروا ما فاتني بمصر ، فقال بعضهم : حديث الليث في قصة الغار فقال : حدثناه ابن داود ، أخبرنا عيسى بن حماد عنه . ثم ذكر أبو علي أحاديث استفادها ، فذكرت أنا حديث الجساسة من طريق أبي العميس ، عن الشعبي ، فقال : هذا فاتني .

                                                                                      [ ص: 375 ] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام التميمي ، وأحمد بن هبة الله ، قالا : أخبرتنا أم المؤيد زينب بنت عبد الرحمن الشعرية إذنا ، وزادنا أحمد ، فقال : وأنبأنا عبد المعز بن محمد البزاز ، قالا : أخبرنا زاهر بن طاهر المستملي ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الخنزرودي ، أخبرنا أبو أحمد الحافظ ، حدثنا عبيد الله بن عثمان العثماني ببغداد ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا محمد بن طلحة التيمي ، حدثني أبو سهيل نافع بن مالك ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم : هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها أخرجه النسائي عن حميد بن زنجويه ، عن علي .

                                                                                      أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله ، أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد في كتابه ، أخبرنا هبة الله بن سهل السدي ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد الحاكم ، أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي ببغداد ، حدثنا عبد الله - يعني : ابن عمران العابدي - ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم بضالته يجدها بأرض مهلكة يخاف بها العطش .

                                                                                      [ ص: 376 ] قرأت على أحمد بن هبة الله ، عن عبد المعز بن محمد ، أخبرنا تميم بن أبي سعيد ، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، قال : أخبرنا الحافظ ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي ، حدثنا إسحاق الحنظلي ، أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أشرك بالله فليس بمحصن قال أبو أحمد : لا أعلم حدث به غير إسحاق عن الدراوردي .

                                                                                      قلت : مر هذا في ترجمة الماسرجسي .

                                                                                      قال أبو عبد الله الحافظ : مات أبو أحمد وأنا غائب في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وله ثلاث وتسعون سنة .

                                                                                      قلت : مات معه في هذا العام قاضي سمرقند ، أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي الحنفي الواعظ ، عن تسعين سنة إلا سنة ، ومفتي ما وراء النهر عبد الكريم بن محمد بن موسى البخاري الميغي الحنفي الزاهد ، وشيخ المالكية صاحب التفريع ، أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن الجلاب البغدادي ، ومسند مصر الشيخ أبو بكر عتيق بن موسى الأزدي الحاتمي ، وكان عنده " الموطأ " عن أبي الرقراق ، عن يحيى بن بكير ، والحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق -صاحب تلك [ ص: 377 ] الأمالي- وكبير هراة ومحدثها الرئيس أبو عبد الله محمد بن أبي ذهل الضبي ، والقاضي أبو القاسم بشر بن محمد بن محمد بن ياسين النيسابوري - صاحب ابن خزيمة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية