الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 468 ] أبو قلابة ( ع )

                                                                                      عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر بن ناتل بن مالك ، الإمام ، شيخ الإسلام ، أبو قلابة الجرمي البصري . وجرم بطن من الحاف بن قضاعة ، قدم الشام وانقطع بداريا ، ما علمت متى ولد .

                                                                                      حدث عن ثابت بن الضحاك في الكتب كلها ، وعن أنس كذلك ، ومالك بن الحويرث كذلك ، وعن حذيفة في سنن أبي داود - ولم يلحقه - وسمرة بن جندب في سنن النسائي ، وعبد الله بن عباس في سنن الترمذي ، وعنبسة بن سعيد بن العاص في البخاري ومسلم ، وعن زهدم بن مضرب وعمه أبي المهلب الجرمي ، وأبي الأشعث الصنعاني ، وأبي هريرة في سنن النسائي ، ومعاذة العدوية ، وزينب بنت أم سلمة ، وعائشة الكبرى في مسلم والترمذي والنسائي ، ومعاوية في أبي داود والنسائي ، وعمرو بن سلمة الجرمي في البخاري وسنن النسائي ، والنعمان بن بشير في أبي داود والنسائي وابن [ ص: 469 ] ماجه ، وقبيصة بن مخارق في أبي داود والنسائي ، وعن خلق سواهم . وهو يدلس ، وكان من أئمة الهدى .

                                                                                      حدث عنه مولاه أبو رجاء سلمان ، ويحيى بن أبي كثير ، وثابت البناني ، وقتادة ، وعمران بن حدير ، والمثنى بن سعيد ، وغيلان بن جرير ، وميمون القناد ، وأيوب السختياني ، وخالد الحذاء ، وعاصم الأحول ، وداود بن أبي هند ، وحسان بن عطية ، وأبو عامر الخزار ، وعمرو بن ميمون بن مهران ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال ابن سعد كان ثقة ، كثير الحديث ، وكان ديوانه بالشام .

                                                                                      وقال علي بن أبي حملة : قدم علينا مسلم بن يسار دمشق ، فقلنا له : يا أبا عبد الله ، لو علم الله أن بالعراق من هو أفضل منك ، لجاءنا به . فقال : كيف لو رأيتم عبد الله بن زيد أبا قلابة الجرمي ! قال : فما ذهبت الأيام والليالي حتى قدم علينا أبو قلابة .

                                                                                      قال القاضي عبد الجبار بن محمد الخولاني في تاريخ داريا مولد أبي قلابة بالبصرة ، وقدم الشام فنزل داريا وسكن بها عند ابن عمه بيهس بن صهيب بن عامل بن ناتل .

                                                                                      روى أشهب ، عن مالك ، قال : مات ابن المسيب والقاسم ولم يتركوا كتبا ، ومات أبو قلابة فبلغني أنه ترك حمل بغل كتبا .

                                                                                      وروى أيوب ، عن مسلم بن يسار ، قال : لو كان أبو قلابة من العجم [ ص: 470 ] لكان موبذ موبذان - يعني قاضي القضاة .

                                                                                      وروى حماد بن زيد ، عن أبي خشينة صاحب الزيادي ، قال : ذكر أبو قلابة عند ابن سيرين فقال : ذاك أخي حقا .

                                                                                      وقال ابن عون : ذكر أيوب لمحمد حديث أبي قلابة فقال : أبو قلابة - إن شاء الله - ثقة ، رجل صالح ، ولكن عمن ذكره أبو قلابة .

                                                                                      قال حماد : سمعت أيوب ذكر أبا قلابة ، فقال : كان والله من الفقهاء ذوي الألباب . إني وجدت أعلم الناس بالقضاء أشدهم منه فرارا ، وأشدهم منه فرقا ، وما أدركت بهذا المصر أعلم بالقضاء من أبي قلابة . لا أدري ما محمد .

                                                                                      ابن علية ، عن أيوب ، قال : لما مات عبد الرحمن بن أذينة - يعني قاضي البصرة - زمن شريح ذكر أبو قلابة للقضاء ، فهرب حتى أتى اليمامة ، قال : فلقيته بعد ذلك فقلت له في ذلك ، فقال : ما وجدت مثل القاضي العالم إلا مثل رجل وقع في بحر ، فما عسى أن يسبح حتى يغرق .

                                                                                      وقال خالد الحذاء : كان أبو قلابة إذا حدثنا بثلاثة أحاديث قال : قد أكثرت . [ ص: 471 ]

                                                                                      وقال أحمد بن عبد الله : بصري ، تابعي ، ثقة . كان يحمل على علي ولم يرو عنه شيئا ، ولم يسمع من ثوبان شيئا .

                                                                                      وقال عمرو بن علي : لم يسمع قتادة من أبي قلابة .

                                                                                      وقال علي بن المديني : أبو قلابة عربي من جرم ، مات بالشام ، وأدرك خلافة عمر بن عبد العزيز ، ثم توفي سنة أربع ومائة .

                                                                                      أبو رجاء ، عن مولاه أبي قلابة ، قال : كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فذكروا القسامة فحدثته عن أنس بقصة العرنيين . قال : فقال عمر : لن تزالوا بخير ما دام فيكم هذا أو مثل هذا .

                                                                                      قال ابن المديني : روى أبو قلابة عن سمرة وسمع منه ، وروى عن هشام بن عامر ولم يسمع منه . [ ص: 472 ]

                                                                                      قلت : قد روى عن عمر بن الخطاب ولم يدركه ، فكان يرسل كثيرا .

                                                                                      قال أيوب السختياني : رآني أبو قلابة وقد اشتريت تمرا رديئا ، فقال : أما علمت أن الله قد نزع من كل رديء بركته . .

                                                                                      وقال أبو قلابة : ليس شيء أطيب من الروح ، ما انتزع من شيء إلا أنتن .

                                                                                      أخبرنا إسحاق بن طارق ، أنبأنا ابن خليل ، حدثنا اللبان ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : قال أبو قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تحادثوهم ; فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم ، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون .

                                                                                      وعن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : إذا حدثت الرجل بالسنة ، فقال : دعنا من هذا ، وهات كتاب الله ، فاعلم أنه ضال .

                                                                                      قلت أنا : وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول : دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد ، وهات " العقل " فاعلم أنه أبو جهل ; وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول : دعنا من النقل ومن العقل ، وهات الذوق والوجد ، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر ، أو قد حل فيه ، فإن جبنت منه فاهرب ، وإلا فاصرعه وابرك على صدره ، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن إسحاق ، أنبأنا الفتح بن عبد السلام ، أنبأنا محمد بن عمر القاضي ، أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن ، [ ص: 473 ] أنبأنا جعفر الفريابي ، حدثنا عبيد الله القواريري ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة يعوده فقال له : يا أبا قلابة ، تشدد لا يشمت بنا المنافقون .

                                                                                      روى الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جابر ، قال : قيل لعبد الملك بن مروان : هذا أبو قلابة . قال : ما أقدمه ؟ قالوا : متعوذا من الحجاج أراده على القضاء ، فكتب إلى الحجاج بالوصاة به . فقال أبو قلابة : لن أخرج من الشام .

                                                                                      قال أبو حاتم لا يعرف لأبي قلابة تدليس .

                                                                                      قلت : معنى هذا أنه إذا روى شيئا عن عمر أو أبي هريرة مثلا مرسلا لا يدري من الذي حدثه به ، بخلاف تدليس الحسن البصري ; فإنه كان يأخذ عن كل ضرب ، ثم يسقطهم كعلي بن زيد تلميذه .

                                                                                      ويروى أن أبا قلابة عطش وهو صائم فأكرمه الله لما دعا ، بأن أظلته سحابة وأمطرت على جسده ، فذهب عطشه .

                                                                                      قال سلمة بن واصل : مات أبو قلابة - رحمه الله - بالشام ، فأوصى بكتبه لأيوب السختياني ، فحملت إليه .

                                                                                      وقال أيوب : فلما جاءتني الكتب أخبرت ابن سيرين ، وقلت له : أحدث منها ؟ قال : نعم ، ثم قال : لا آمرك ولا أنهاك . [ ص: 474 ]

                                                                                      وقيل : إن أيوب وزن كراء حملها بضعة عشر درهما . فقال حماد بن زيد : جيء بها في عدل راحلة .

                                                                                      وقد أخبرني عبد المؤمن - شيخنا - أن أبا قلابة ممن ابتلي في بدنه ودينه ، أريد على القضاء ، فهرب إلى الشام ، فمات بعريش مصر سنة أربع وقد ذهبت يداه ورجلاه ، وبصره ، وهو مع ذلك حامد شاكر .

                                                                                      وكذا أرخ موته شباب وأبو عبيد ، وقال الواقدي : سنة أربع أو خمس ومائة .

                                                                                      وقال يحيى بن معين : مات سنة ست أو سبع ومائة . وقال الهيثم بن عدي : مات سنة سبع .

                                                                                      أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه ، أنبأنا عبد القادر الحافظ ، أنبأنا نصر بن سيار ، أنبأنا محمود الأزدي ، أنبأنا عبد الجبار الجراحي ، أنبأنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ; ألا وإن لكل أمة أمينا ، ألا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " هذا حديث حسن صحيح .

                                                                                      وبه في سنن الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، [ ص: 475 ] عن داود العطار ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " .

                                                                                      هذا حديث غريب ، قلت : سفيان ليس بحجة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية