الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      القاسم بن محمد ( ع )

                                                                                      ابن خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة .

                                                                                      الإمام [ ص: 54 ] القدوة الحافظ الحجة ، عالم وقته بالمدينة مع سالم وعكرمة ، أبو محمد وأبو عبد الرحمن القريشي التيمي البكري المدني .

                                                                                      ولد في خلافة الإمام علي ، فروايته عن أبيه عن جده انقطاع على انقطاع ، فكل منهما لم يحق أباه ، وربي القاسم في حجر عمته أم المؤمنين عائشة وتفقه منها ، وأكثر عنها .

                                                                                      وروى عن ابن مسعود مرسلا ، وعن زينب بنت جحش مرسلا ، وعن فاطمة بنت قيس ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأسماء بنت عميس جدته ، وأبي هريرة ، ورافع بن خديج ، وعبد الله بن خباب ، وعبد الله بن عمرو ، ومعاوية ، وطائفة ، وعن صالح بن خوات ، وعبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية .

                                                                                      حدث عنه ابنه عبد الرحمن ، والشعبي ، ونافع العمري ، وسالم بن عبد الله ، وأبو بكر بن حزم ، والزهري ، وابن أبي مليكة ، وسعد بن إبراهيم ، وحميد الطويل ، وأيوب ، وربيعة الرأي ، وعبيد الله بن عمر ، وابن عون ، وربيعة بن عطاء ، وثابت بن عبيد ، وجعفر بن محمد ، ويحيى بن سعيد الأنصاري وأخوه سعد بن سعيد ، وشيبة بن نصاح ، وطلحة بن عبد الملك ، وعاصم بن عبيد الله ، وأبو الزناد ، وعبيد الله بن أبي الزناد القداح ، وعمر بن عبد الله بن عروة ، وعيسى بن ميمون الواسطي ، وموسى بن سرجس ، وأفلح بن حميد ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وأسامة بن زيد الليثي ، وعبد الله بن العلاء بن زبر ، وصالح بن كيسان ، وأيمن بن نابل ، وعباد بن منصور ، وخلق كثير .

                                                                                      قال ابن المديني : له مائتا حديث . [ ص: 55 ]

                                                                                      وقال ابن سعد : أمه أم ولد يقال لها : سودة ، وكان ثقة ، عالما ، رفيعا ، ففيها ، إماما ، ورعا ، كثير الحديث .

                                                                                      موسى بن عقبة ، عن محمد بن خالد بن الزبير قال : كنت عند عبد الله بن الزبير ، فاستأذن القاسم بن محمد ، فقال ابن الزبير : ائذن له ، فلما دخل عليه قال له : مهيم ؟ قال : مات فلان ، فذكر قصته ، قال : فولى ، فنظر إليه ابن الزبير وقال : ما رأيت أبا بكر ولد ولدا أشبه به من هذا الفتى .

                                                                                      وعن القاسم قال : كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر ، وإلى أن ماتت ، وكنت ملازما لها مع ترهاتي وكنت أجالس البحر ابن عباس ، وقد جلست مع أبي هريرة ، وابن عمر فأكثرت . فكان هناك -يعني ابن عمر - ورع وعلم جم ، ووقوف عما لا علم له به .

                                                                                      ابن شوذب ، عن يحيى بن سعيد قال : ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله على القاسم .

                                                                                      وهيب ، عن أيوب ، وذكر القاسم فقال : ما رأيت رجلا أفضل منه ، ولقد ترك مائة ألف وهي له حلال .

                                                                                      البخاري ، حدثنا علي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم -وكان أفضل أهل زمانه- أنه سمع أباه -وكان أفضل أهل زمانه يقول- : سمعت عائشة تقول : طيبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . . . الحديث . [ ص: 56 ]

                                                                                      وروى عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : ما رأيت أحدا أعلم بالسنة من القاسم بن محمد ، وما كان الرجل يعد رجلا حتى يعرف السنة ، وما رأيت أحد ذهنا من القاسم ، إن كان ليضحك من أصحاب الشبه كما يضحك الفتى .

                                                                                      وروى خالد بن نزار ، عن ابن عيينة قال : أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة : القاسم وعروة وعمرة .

                                                                                      وقال جعفر بن أبي عثمان : سمعت يحيى بن معين يقول : عبيد الله بن عمر ، عن القاسم ، عن عائشة ترجمة مشبكة بالذهب .

                                                                                      وقال ابن عون : كان القاسم وابن سيرين ورجاء بن حيوة يحدثون بالحديث على حروفه ، وكان الحسن وإبراهيم والشعبي يحدثون بالمعاني .

                                                                                      يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : رأيت القاسم بن محمد يصلي ، فجاء أعرابي فقال : أيما أعلم أنت أم سالم ؟ فقال : سبحان الله ، كل سيخبرك بما علم ، فقال : أيكما أعلم ؟ قال : سبحان الله ، فأعاد ، فقال : ذاك سالم ، انطلق ، فسله ، فقال عنه . قال ابن إسحاق : كره أن يقول : أنا أعلم ، فيكون تزكية ، وكره أن يقول : سالم أعلم مني فيكذب . وكان القاسم أعلمهما .

                                                                                      قال ابن وهب : ذكر مالك القاسم بن محمد فقال : كان من فقهاء هذه [ ص: 57 ] الأمة ، ثم حدثني مالك أن ابن سيرين كان قد ثقل وتخلف عن الحج ، فكان يأمر من يحج أن ينظر إلى هدي القاسم ولبوسه وناحيته ، فيبلغونه ذلك ، فيقتدي بالقاسم .

                                                                                      قال مصعب الزبيري : القاسم من خيار التابعين . وقال العجلي : كان من خيار التابعين وفقهائهم ، وقال : مدني تابعي ثقة ، نزه ، رجل صالح .

                                                                                      قال يحيى بن سعيد : سمعت القاسم بن محمد يقول : لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعرف حق الله عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم .

                                                                                      وقال هشام بن عمار ، عن مالك : قال : أتى القاسم أمير من أمراء المدينة ، فسأله عن شيء ، فقال : إن من إكرام المرء نفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه .

                                                                                      وعن أبي الزناد قال : ما كان القاسم يجيب إلا في الشيء الظاهر . ابن وهب ، عن مالك أن عمر بن عبد العزيز قال : لو كان إلي من هذا الأمر شيء ما عصبته إلا بالقاسم بن محمد .

                                                                                      قال مالك : وكان يزيد بن عبد الملك قد ولي العهد قبل ذلك ، قال : وكان القاسم قليل الحديث ، قليل الفتيا ، وكان يكون بينه وبين الرجل المداراة في الشيء ، فيقول له القاسم : هذا الذي تريد أن تخاصمني فيه هو لك ، فإن كان حقا ، فهو لك ، فخذه ، ولا تحمدني فيه ، وإن كان لي ، فأنت منه في حل ، وهو لك .

                                                                                      وروى محمد بن عبد الله البكري ، عن أبيه : قال القاسم بن محمد : قد جعل الله في الصديق البار المقبل عوضا من ذي الرحم العاق المدبر . [ ص: 58 ]

                                                                                      روى حماد بن خالد الخياط ، عن عبد الله بن عمر العمري قال : مات القاسم وسالم ، أحدهما سنة خمس ومائة ، والآخر سنة ست وقال خليفة بن خياط : مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع .

                                                                                      وقال الهيثم بن عدي ويحيى بن بكير : مات سنة سبع ، زاد يحيى بقديد .

                                                                                      وقال يحيى بن معين وعلي ابن المديني والواقدي وأبو عبيد والفلاس : سنة ثمان ومائة زاد الواقدي : وهو ابن سبعين ، أو اثنتين وسبعين سنة ، وقد عمي . وشذ ابن سعد ، فقال : توفي سنة اثنتي عشرة ومائة ، ولم يبق إلى هذا الوقت أصلا . وكذا نقل أبو الحسن بن البراء عن علي ، وقيل غير ذلك .

                                                                                      أخبرنا إسحاق بن طارق ، أخبرنا يوسف بن خليل ، أخبرنا أحمد بن محمد ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا أبو بكر بن خلاد ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة ، عن ابن سخبرة ، عن القاسم ، عن عائشة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة . أخرجه النسائي عن محمد بن إسماعيل ابن علية ، عن يزيد بن هارون .

                                                                                      قال يحيى القطان : فقهاء المدينة عشرة ، فذكر منهم القاسم .

                                                                                      وقال مالك : ما حدث القاسم مائة حديث . [ ص: 59 ]

                                                                                      وروى محمد بن الضحاك الحزامي ، عن أبيه قال : قال عمر بن عبد العزيز : لو كان إلي أن أعهد ما عدوت صاحب الأعوص ، يعني إسماعيل بن أمية ، أو أعيمش بني تيم ، يعني القاسم ، فروى الواقدي عن أفلح بن حميد أنها بلغت القاسم ، فقال : إني لأضعف عن أهلي ، فكيف بأمر الأمة .

                                                                                      قال ابن عون : كان القاسم ممن يأتي بالحديث بحروفه .

                                                                                      قال يحيى بن سعيد : كان القاسم لا يكاد يعيب على أحد ، فتكلم ربيعة يوما فأكثر ، فلما قام القاسم ، قال : وهو متكئ علي : لا أبا لغيرك ، أتراهم كانوا غافلين عما يقول صاحبنا -يعني عما يقول ربيعة برأيه .

                                                                                      حميد الطويل ، عن سليمان بن قتة قال : أرسلني عمر بن عبيد الله التيمي إلى القاسم بخمسمائة دينار ، فأبى أن يقبلها .

                                                                                      وقال عبيد الله بن عمر : كان القاسم لا يفسر القرآن .

                                                                                      وقال عكرمة بن عمار : سمعت القاسم وسالما يلعنان القدرية .

                                                                                      قال زيد بن يحيى : حدثنا عبد الله بن العلاء قال : سألت القاسم أن يملي علي أحاديث فمنعني ، وقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر ، فناشد الناس أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها ، أمر بتحريقها ، ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب . [ ص: 60 ]

                                                                                      روى أفلح بن حميد ، عن القاسم قال : اختلاف الصحابة رحمة .

                                                                                      أبو نعيم : حدثنا خالد بن إلياس قال : رأيت على القاسم جبة خز ، وكساء خز ، وعمامة خز . وقال أفلح بن حميد : كان القاسم يلبس جبة خز . وقال عطاف بن خالد : رأيت القاسم وعليه جبة خز صفراء ، ورداء مثني .

                                                                                      وقال معاذ بن العلاء : رأيت القاسم وعلى رحله قطيفة من خز غبراء ، وعليه رداء ممصر . وقال ابن زبر : دخلت على القاسم وهو في قبة معصفرة ، وتحته فراش معصفر .

                                                                                      وقال خالد بن أبي بكر : رأيت على القاسم عمامة بيضاء ، قد سدل خلفه منها أكثر من شبر . وقيل : كان يخضب رأسه ولحيته بالحناء ، وكان قد ضعف جدا . وقيل : كان يصفر لحيته . وقيل : إنه مات بقديد ، فقال : كفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها ، قميصي وردائي . هكذا كفن أبو بكر . وأوصى أن لا يبنى على قبره .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية