الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      موسى بن عقبة ( ع )

                                                                                      ابن أبي عياش ، الإمام الثقة الكبير ، أبو محمد القرشي مولاهم ، الأسدي المطرقي ، مولى آل الزبير ، ويقال : بل مولى الصحابية أم خالد بنت خالد الأموية ، زوجة الزبير . وكان بصيرا بالمغازي النبوية ، ألفها في مجلد ، فكان أول من صنف في ذلك ، وهو أخو إبراهيم بن عقبة ، ومحمد بن عقبة ، وعم إسماعيل بن إبراهيم .

                                                                                      أدرك ابن عمر ، وجابرا ، وحدث عن أم خالد ، وعداده في صغار التابعين ، وحدث أيضا عن علقمة بن وقاص ، وأبي سلمة ، وكريب ، وسالم بن عبد الله ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، ونافع بن جبير بن مطعم ، ونافع مولى ابن عمر ، وصالح مولى التوأمة ، وعروة بن الزبير ، وعكرمة ، وابن المنكدر ، [ ص: 115 ] والزهري ، وأبي الزبير ، وسالم أبي الغيث ، وعبد الله بن دينار ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وحمزة بن عبد الله بن عمر ، وأبي الزناد ، ومحمد بن أبي بكر الثقفي وخلق سواهم .

                                                                                      وعنه : بكير بن عبد الله بن الأشج مع تقدمه ، وشعبة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن جريج ، ومالك ، وإبراهيم بن طهمان ، وابن أبي الزناد ، وحفص بن ميسرة ، والسفيانان ، وزهير ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وعبد العزيز الدراوردي ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير ، ووهيب ، وأبو قرة موسى بن طارق ، وأبو إسحاق الفزاري ، وفضيل بن سليمان ، ومحمد بن فليح ، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، وإسماعيل بن عياش ، وأبو ضمرة الليثي وحاتم بن إسماعيل ، وزهير بن محمد المروزي ، وأبو بدر السكوني ، وعبد الله بن رجاء المكي ، وأبو همام محمد بن الزبرقان ، ويعقوب بن عبد الرحمن القاري ، وخلق كثير .

                                                                                      قال ابن سعد : كان ثقة قليل الحديث ، كذا هنا ، وقال في موضع آخر وهو أشبه : كان ثقة ثبتا ، كثير الحديث .

                                                                                      إبراهيم بن المنذر عن معن قال : كان مالك إذا قيل له : مغازي من نكتب ؟ قال : عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة ، وقال ابن المنذر أيضا : حدثني مطرف ، ومعن ، ومحمد بن الضحاك ، قالوا : كان مالك إذا سئل عن المغازي ، قال : عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة ، فإنها أصح المغازي . وقال أيضا سمعت محمد بن طلحة ، سمعت مالكا يقول : عليكم بمغازي موسى ، فإنه رجل ثقة ، طلبها على كبر السن ، ليقيد من شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكثر كما كثر غيره .

                                                                                      قلت : هذا تعريض بابن إسحاق . ولا ريب أن ابن إسحاق كثر وطول [ ص: 116 ] بأنساب مستوفاة ، اختصارها أملح ، وبأشعار غير طائلة ، حذفها أرجح ، وبآثار لم تصحح ، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده ، فكتابه محتاج إلى تنقيح وتصحيح ، ورواية ما فاته .

                                                                                      وأما مغازي موسى بن عقبة ، فهي في مجلد ليس بالكبير ، سمعناها ، وغالبها صحيح ومرسل جيد ، لكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة .

                                                                                      وقد أحسن في عمل ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في تأليفه المسمى بكتاب " دلائل النبوة " .

                                                                                      وقد لخصت أنا الترجمة النبوية ، والمغازي المدنية ، في أول " تاريخي الكبير " وهو كامل في معناه إن شاء الله .

                                                                                      إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : كان بالمدينة شيخ يقال له : شرحبيل أبو سعد ، وكان من أعلم الناس بالمغازي . قال : فاتهموه أن يكون يجعل لمن لا سابقة له سابقة . وكان قد احتاج ، فأسقطوا مغازيه وعلمه ، قال إبراهيم : فذكرت هذا لمحمد بن طلحة بن الطويل ، ولم يكن أحد أعلم بالمغازي منه ، فقال لي : كان شرحبيل أبو سعد عالما بالمغازي ، فاتهموه أن يكون يدخل فيهم من لم يشهد بدرا ، ومن قتل يوم أحد ، والهجرة ومن لم يكن منهم ، وكان قد احتاج ، فسقط عند الناس ، فسمع بذلك موسى بن عقبة ، فقال : وإن الناس قد اجترءوا على هذا ؟! فدب على كبر السن ، وقيد من شهد بدرا ، وأحدا ، ومن هاجر إلى الحبشة والمدينة ، وكتب ذلك .

                                                                                      وقال إبراهيم : حدثنا محمد بن الضحاك ، سمعت المسور بن عبد الملك المخزومي يقول لمالك : يا أبا عبد الله ، فلان كلمني يعرض عليك ، وقد شهد جده بدرا . فقال مالك : لا تدري ما يقولون ، من كان في كتاب موسى بن عقبة قد شهد بدرا ، فقد شهدها ، ومن لم يكن في كتاب موسى ، فلم يشهد بدرا .

                                                                                      [ ص: 117 ] قال أحمد بن أبي خيثمة : كان يحيى بن معين يقول : كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب .

                                                                                      وقال أحمد ، ويحيى ، وأبو حاتم ، والنسائي : موسى ثقة . وروى المفضل بن غسان ، عن يحيى بن معين ، قال : موسى بن عقبة ثقة ، يقولون : روايته عن نافع فيها شيء ، وسمعت ابن معين يضعف موسى بعض الضعف .

                                                                                      قلت : قد روى عباس الدوري وجماعة ، عن يحيى توثيقه . فليحمل هذا التضعيف على معنى أنه ليس هو في القوة عن نافع كمالك ، ولا عبيد الله . وكذلك روى إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، عن يحيى بن معين قال : ليس موسى بن عقبة في نافع مثل عبيد الله بن عمر ومالك .

                                                                                      قلت : احتج الشيخان بموسى بن عقبة ، عن نافع ولله الحمد . قلنا : ثقة وأوثق منه ، فهذا من هذا الضرب .

                                                                                      قال الواقدي : كان لإبراهيم وموسى ومحمد بني عقبة حلقة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا كلهم فقهاء ، محدثين ، وكان موسى يفتي .

                                                                                      وقال مصعب بن عبد الله الزبيري : كان لهم هيئة وعلم . وقال يحيى بن معين : سمع ابن المبارك من موسى بن عقبة ، ولم يسمع من أخويه ، أقدمهم محمد ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، وموسى أكثرهم حديثا .

                                                                                      وقال يحيى بن سعيد القطان فيما نقله عنه أبو حفص الفلاس : مات موسى بن عقبة قبل أن يدخل المدينة بسنة ، سنة إحدى وأربعين ومائة وفيها أرخه خليفة والترمذي ، وغيرهما ، وشذ نوح بن حبيب فقال : مات سنة اثنتين .

                                                                                      وقع لنا حديثه عاليا ، في مواضع ، من أعلاها في جزء ابن عرفة .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن فرح الإشبيلي الحافظ ، أنبأنا عبد العزيز بن محمد ، وأحمد بن عبد الدائم قالا : أنبأنا عبد المنعم بن عبد الوهاب ( ح ) وأنبأنا أحمد [ ص: 118 ] بن سلامة ، عن عبد المنعم ، أنبأنا علي بن بيان ، أنبأنا محمد بن محمد بن محمد البزاز ، أنبأنا إسماعيل بن محمد ، أنبأنا الحسن بن عرفة ، أنبأنا إسماعيل بن عياش ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن هذا حديث لين الإسناد من قبل إسماعيل ، إذ روايته عن الحجازيين مضعفة ، أخرجه الترمذي عن ابن عرفة ، فوافقناه بعلو .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن إسحاق ، أنبأنا أكمل بن أبي الأزهر العلوي ، أنبأنا سعيد بن أحمد ، أنبأنا أبو نصر الزينبي ، أنبأنا محمد بن عمر الوراق ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا هارون بن إسحاق ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن موسى بن عقبة ، عن أم خالد بنت خالد قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من عذاب القبر تابعه وهيب بن خالد وإسماعيل بن جعفر ، أخرجه البخاري والنسائي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية