الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      هشام الدستوائي

                                                                                      هو الحافظ ، الحجة ، الإمام ، الصادق أبو بكر ، هشام بن أبي عبد الله سنبر البصري الربعي ، مولاهم . صاحب الثياب الدستوائية ، كان يتجر في القماش الذي يجلب من دستوا . ولذا قيل له : صاحب الدستوائي ودستوا بليدة من أعمال الأهواز .

                                                                                      حدث عن : يحيى بن أبي كثير ، وقتادة ، والقاسم بن أبي بزة ، وحماد الفقيه ، وشعيب بن الحبحاب ، والقاسم بن عوف ، ومطر الوراق ، وعاصم بن بهدلة ، وعامر الأحول ، وعبد الله بن أبي نجيح ، ويونس الإسكاف ، وأبي

                                                                                      الزبير
                                                                                      ، [ ص: 150 ] وأبي عصام البصري ، وعلي بن الحكم ، وأيوب ، وبديل بن ميسرة ، وينزل إلى أن يروي عن معمر بن راشد .

                                                                                      حدث عنه : ابناه معاذ وعبد الله ، وشعبة ، وابن المبارك ، ويزيد بن زريع ، وعبد الوارث ، وابن علية ، ويحيى القطان ، ووكيع ، وغندر ، ومحمد بن أبي عدي ، وبشر بن المفضل ، وإسحاق الأزرق ، وخالد بن الحارث ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويزيد بن هارون ، وأبو داود ، وأبو عامر العقدي ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، ومكي بن إبراهيم ، وأبو عمر الحوضي ، وشاذ بن فياض ، وعفان ، وأبو نعيم ، ومعاذ بن فضالة ، وأبو سلمة التبوذكي ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو الوليد ، وخلق كثير .

                                                                                      قال يزيد بن زريع : سمعت أيوب يأمرنا بهشام بن أبي عبد الله ، ويحث على الأخذ عنه .

                                                                                      أمية بن خالد : سمعت شعبة يقول : ما من الناس أحد أقول : إنه طلب الحديث يريد به الله إلا هشام صاحب الدستوائي ، وكان يقول : ليتنا ننجو من هذا الحديث كفافا لا لنا ولا علينا . ثم قال شعبة : إذا كان هشام يقول هذا ، فكيف نحن ؟ !

                                                                                      محمد بن عمار بن الحارث الرازي : عن علي بن الجعد ، سمع شعبة يقول : كان هشام الدستوائي أحفظ مني عن قتادة .

                                                                                      وقال ابن معين : قال شعبة : هشام أعلم بحديث قتادة مني ، وأكثر مجالسة له مني . معلى بن منصور : سألت ابن علية عن حفاظ البصرة ، فذكر هشاما الدستوائي . [ ص: 151 ]

                                                                                      أبو هشام الرفاعي : عن وكيع ، قال : حدثنا هشام الدستوائي وكان ثبتا .

                                                                                      وقال ابن معين : كان يحيى القطان إذا سمع الحديث من هشام الدستوائي ، لا يبالي أن لا يسمعه من غيره .

                                                                                      أبو حاتم : عن أبي غسان التستري : سمعت أبا داود الطيالسي يقول : كان هشام الدستوائي أمير المؤمنين .

                                                                                      وقال أبو حاتم : ما رأيت أبا نعيم يحث على أحد إلا على هشام الدستوائي .

                                                                                      قال أبو حاتم : وسألت أحمد بن حنبل عن الأوزاعي والدستوائي : أيهما أثبت في يحيى بن أبي كثير ؟ فقال : الدستوائي لا تسأل عنه أحدا ، ما أرى الناس يروون عن أحد أثبت منه ، مثله عسى ، أما أثبت منه فلا . صالح بن أحمد : قال أبي : أكثر من في يحيى بن أبي كثير بالبصرة هشام الدستوائي . وقال علي بن المديني : هو ثبت . وقال أبو حاتم : سألت عليا : من أثبت أصحاب يحيى بن أبي كثير ؟ قال : هشام الدستوائي ، ثم حسين المعلم ، والأوزاعي ، وحجاج الصواف وأراه ذكر علي بن المبارك . فإذا سمعت عن هشام ، عن يحيى ، فلا ترد بدلا .

                                                                                      قال العجلي : هشام بصري ثقة ، ثبت في الحديث ، كان أروى الناس عن ثلاثة : قتادة ، وحماد بن أبي سليم ، ويحيى بن أبي كثير ، كان يقول بالقدر ، ولم يكن يدعو إليه .

                                                                                      وقال ابن سعد : هشام الدستوائي مولى بني سدوس ، كان ثقة ، ثبتا في الحديث ، حجة ، إلا أنه يرى القدر .

                                                                                      وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة : من أحب إليكما من [ ص: 152 ] أصحاب يحيى بن أبي كثير ؟ قالا : هشام . قلت لهما : والأوزاعي ؟ قالا : بعده . وزادني أبو زرعة : لأن الأوزاعي ذهبت كتبه ، وأثبت أصحاب قتادة هشام وسعيد .

                                                                                      وروى محمد بن سعد ، عن عبيد الله العيشي قال : كان هشام الدستوائي إذا فقد السراج من بيته ، يتململ على فراشه ، فكانت امرأته تأتيه بالسراج . فقالت له في ذلك ، فقال : إني إذا فقدت السراج ، ذكرت ظلمة القبر .

                                                                                      وقال شاذ بن فياض : بكى هشام الدستوائي حتى فسدت عينه ، فكانت مفتوحة ، وهو لا يكاد يبصر بها . وعن هشام قال : عجبت للعالم كيف يضحك . وكان يقول : ليتنا ننجو لا علينا ولا لنا .

                                                                                      قال عون بن عمارة : سمعت هشاما الدستوائي يقول : والله ما أستطيع أن أقول : إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله - عز وجل .

                                                                                      قلت : والله ولا أنا . فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا ، وصاروا أئمة يقتدى بهم ، وطلبه قوم منهم أولا لا لله ، وحصلوه ، ثم استفاقوا ، وحاسبوا أنفسهم ، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق ، كما قال مجاهد وغيره : طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية ، ثم رزق الله النية بعد ، وبعضهم يقول : طلبنا هذا العلم لغير الله ، فأبى أن يكون إلا لله . فهذا أيضا حسن . ثم نشروه بنية صالحة .

                                                                                      وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا ، وليثنى عليهم ، فلهم ما نووا : قال [ ص: 153 ] - عليه السلام - : " من غزا ينوي عقالا فله ما نوى " وترى هذا الضرب لم يستضيئوا بنور العلم ، ولا لهم وقع في النفوس ، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل ، وإنما العالم من يخشى الله تعالى . وقوم نالوا العلم ، وولوا به المناصب ، فظلموا ، وتركوا التقيد بالعلم ، وركبوا الكبائر والفواحش ، فتبا لهم ، فما هؤلاء بعلماء !

                                                                                      وبعضهم لم يتق الله في علمه ، بل ركب الحيل ، وأفتى بالرخص ، وروى الشاذ من الأخبار . وبعضهم اجترأ على الله ، ووضع الأحاديث ، فهتكه الله ، وذهب علمه ، وصار زاده إلى النار . وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا ، وتضلعوا منه في الجملة ، فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم والعمل ، وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير ، أوهموا به أنهم علماء فضلاء ، ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله ; لأنهم ما رأوا شيخا يقتدى به في العلم ، فصاروا همجا رعاعا ، غاية المدرس منهم أن يحصل كتبا مثمنة يخزنها وينظر فيها يوما ما ، فيصحف ما يورده ولا يقرره . فنسأل الله النجاة والعفو ، كما قال بعضهم : ما أنا عالم ولا رأيت عالما .

                                                                                      وقد كان هشام بن أبي عبد الله من الأئمة ، لولا ما شاب علمه بالقدر .

                                                                                      قال الحافظ محمد بن البرقي قلت ليحيى بن معين : أرأيت من يرمى [ ص: 154 ] بالقدر يكتب حديثه ؟ قال : نعم ، قد كان قتادة ، وهشام الدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة ، وعبد الوارث - وذكر جماعة - يقولون بالقدر ، وهم ثقات ، يكتب حديثهم ما لم يدعوا إلى شيء .

                                                                                      قلت : هذه مسألة كبيرة ، وهي : القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي ، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه ، ولم يكن داعيا إلى بدعته ، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته ، والعمل بحديثه ، وترددوا في الداعية ، هل يؤخذ عنه ؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه ، وهجرانه ، وقال بعضهم : إذا علمنا صدقه ، وكان داعية ، ووجدنا عنده سنة تفرد بها ، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة ؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام ، ولم تبح دمه ، فإن قبول ما رواه سائغ .

                                                                                      وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي ، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة ، ولم يعد من رءوسها ، ولا أمعن فيها ، يقبل حديثه كما مثل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين ، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم . [ ص: 155 ]

                                                                                      قال معاذ بن هشام : مكث أبي - يعني عاش - ثماني وسبعين سنة .

                                                                                      قلت : فهذا يدل على أنه أسن من أبي حنيفة وشعبة ، وأنه ولد في حياة جابر بن عبد الله وطائفة من الصحابة .

                                                                                      قال أبو الحسن الميموني : حدثنا أحمد بن حنبل ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : مات هشام بن أبي عبد الله سنة اثنتين وخمسين ومائة كان بينه وبين قتادة سبع سنين - يعني في المولد - . وقال زيد بن الحباب : دخلت عليه سنة ثلاث وخمسين ومائة ومات بعد ذلك بأيام . وقال أبو الوليد وعمرو الفلاس : مات سنة أربع وخمسين .

                                                                                      قلت : حديثه في الدواوين كلها إلا " الموطأ " .

                                                                                      أخبرنا الأئمة : يحيى بن أبي منصور ، وعبد الرحمن بن محمد ، والمسلم بن محمد ، وعلي بن أحمد ، وأحمد بن عبد السلام إجازة ، أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا هبة الله بن الحصين ، أنبأنا محمد بن غيلان ، أنبأنا محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن شداد المسمعي ، حدثنا أبو عامر العقدي ، [ ص: 156 ] حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس قال : لأحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول : " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويكثر الجهل ، ويظهر الزنا ، ويشرب الخمر ، وتقل الرجال ، وتكثر النساء ، حتى تكون في الخمسين امرأة القيم الواحد " .

                                                                                      أخرجه البخاري . عن مسلم بن إبراهيم ، وحفص بن عمر ، عن هشام الدستوائي نحوه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية