الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      يحيى بن معين ( خ ، م ، د )

                                                                                      هو الإمام الحافظ الجهبذ ، شيخ المحدثين ، أبو زكريا ، يحيى بن معين [ ص: 72 ] بن عون بن زياد بن بسطام . وقيل : اسم جده غياث بن زياد بن عون بن بسطام الغطفاني ثم المري ، مولاهم البغدادي ، أحد الأعلام .

                                                                                      ولد سنة ثمان وخمسين ومائة .

                                                                                      وسمع من : ابن المبارك ، وهشيم ، وإسماعيل بن عياش ، وعباد بن عباد ، وإسماعيل بن مجالد بن سعيد ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ومعتمر بن سليمان ، وسفيان بن عيينة ، وغندر ، وأبي معاوية ، وحاتم بن إسماعيل ، وحفص بن غياث ، وجرير بن عبد الحميد ، وعبد الرزاق ، ومروان بن معاوية ، وهشام بن يوسف ، وعيسى بن يونس ، ووكيع ، ومعن ، وأبي حفص الأبار ، وعمر بن عبيد ، وعلي بن هاشم ، ويحيى القطان ، وابن مهدي ، وعفان ، وخلق كثير بالعراق والحجاز والجزيرة والشام ومصر .

                                                                                      روى عنه : أحمد بن حنبل ، ومحمد بن سعد ، وأبو خيثمة ، وهناد بن السري ، وعدة من أقرانه ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وعباس الدوري ، وأبو بكر الصاغاني ، وعبد الخالق بن منصور ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وإسحاق الكوسج ، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، ومعاوية بن صالح الأشعري ، وحنبل بن إسحاق ، وصالح بن محمد جزرة ، وأحمد بن أبي خيثمة ، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي ، وأبو معين الحسين بن الحسن الرازي ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ومطين ، ومضر بن محمد الأسدي ، والمفضل بن غسان الغلابي ، وأبو زرعة النصري ، وأحمد بن محمد بن عبيد الله التمار ، وعبد الله بن أحمد ، ومحمد بن صالح كيلجة ، وعلي بن [ ص: 73 ] الحسن ماغمة وعبيد العجل حسين بن محمد ، ومحمد بن وضاح ، وجعفر الفريابي ، وموسى بن هارون ، وأبو يعلى الموصلي ، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، وخلائق .

                                                                                      أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الزاهد ، أخبرنا أحمد بن يوسف الدقاق ، والفتح بن عبد السلام ببغداد ( ح ) وأخبرنا عمر بن عبد المنعم ، عن أبي اليمن الكندي ، قالوا : أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر الأرموي ، وقرأت على أحمد بن هبة الله ، عن عبد المعز بن محمد ، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد ، قالا : أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور ، حدثنا علي بن عمر السكري ، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي ، حدثنا أبو زكريا يحيى بن معين سنة سبع وعشرين ومائتين ، حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن بيان ، عن وبرة ، عن همام قال : قال عمار بن ياسر : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان ، وأبو بكر ، رضي الله عنهم . أخرجه البخاري عن عبد الله ، عن ابن معين . [ ص: 74 ] وبالإسناد إلى يحيى بن معين قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الأنصاري ، سمعت طلحة بن خراش ، يحدث عن جابر بن عبد الله ، أن رجلا قام فركع ركعتي الفجر ، فقرأ في الركعة الأولى : قل يا أيها الكافرون حتى انقضت السورة . فقال - صلى الله عليه وسلم - : هذا عبد عرف ربه . وقرأ في الآخرة : قل هو الله أحد حتى انقضت السورة . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هذا عبد آمن بربه قال طلحة : فأنا أستحب أن أقرأهما في هاتين الركعتين .

                                                                                      وبالإسناد إلى ابن معين قال : حدثنا ابن عيينة ، عن حميد الأعرج ، عن سليمان بن عتيق ، عن جابر بن عبد الله : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح ، ونهى عن بيع السنين .

                                                                                      أخرجه أبو داود عن يحيى فوافقناه .

                                                                                      وبالإسناد حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أقال مسلما عثرته ، أقاله الله يوم القيامة . [ ص: 75 ] أخرجه أبو داود عن يحيى ، وقد رواه عبد الله بن أحمد في زيادات " المسند " عن يحيى وهو معدود في أفراده .

                                                                                      وروينا في البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثني يحيى بن معين ، حدثنا حجاج ، قال ابن جريج ، قال ابن أبي مليكة : وكان بينهما شيء ، فغدوت على ابن عباس ، فقلت : أتريد أن تقاتل ابن الزبير ، فتحل ما حرم الله ؟ قال : معاذ الله . وذكر باقي الأثر ، وهو في تفسير براءة . فعبد الله أظنه المسندي .

                                                                                      قرأت على أبي الفضل أحمد بن هبة الله ، عن أبي روح الهروي ، أخبرنا تميم بن أبي سعيد في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ، أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن النحوي ، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان ، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله والنازعات غرقا قال : الملائكة [ ص: 76 ] قال ابن عدي : سمعت عبدان الأهوازي يقول : سمعت حسين بن حميد بن الربيع ، سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يتكلم في يحيى بن معين يقول : من أين له حديث حفص بن غياث ، عن الأعمش يعني : من أقال مسلما ؟ وقال : هو ذا كتب حفص بن غياث عندنا ، وهو ذا كتب ابنه عمر عندنا ، وليس فيها شيء من هذا .

                                                                                      قال ابن عدي : قد روى الحديث مالك بن سعير عن الأعمش ، وقد رواه أبو عوف البزوري عن زكريا بن عدي ، عن حفص بن غياث .

                                                                                      قال ابن عدي : الحسين بن حميد لا يعتمد على روايته ، هو متهم في هذه الحكاية ، ويحيى أوثق وأجل من أن ينسب إليه شيء من ذلك ، وبه يسبر أحوال الضعفاء .

                                                                                      قلت : فحاصل الأمر أن يحيى بن معين مع إمامته لم ينفرد بالحديث .

                                                                                      ولله الحمد .

                                                                                      قال أحمد بن زهير : ولد يحيى في سنة ثمان وخمسين ومائة قلت : وكتب [ ص: 77 ] العلم وهو ابن عشرين سنة .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سئل أبي عن يحيى ، فقال : إمام .

                                                                                      وقال النسائي : أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث ثقة مأمون .

                                                                                      قال الكلاباذي : روى عنه البخاري ، ثم روى عن عبد الله بن محمد عن يحيى في تفسير براءة وروى عن عبد الله غير منسوب عنه في ذكر أيام الجاهلية .

                                                                                      قال ابن المرزبان : حدثنا أبو العباس المروزي ، سمعت داود بن رشيد يذكر أن والد ابن معين كان مشعبذا من قرية نحو الأنبار ، يقال لها " نقيا " ويقال : إن فرعون كان من أهل نقيا . قال العجلي : كان أبوه معين كاتبا لعبد الله بن مالك .

                                                                                      وقال ابن عدي : حدثني شيخ كاتب ذكر أنه قرابة يحيى بن معين قال : كان معين على خراج الري ، فمات ، فخلف ليحيى ابنه ألف ألف درهم ، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه .

                                                                                      أخبرنا أبو الغنائم القيسي إجازة ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو بكر الحرشي وأبو سعيد الصيرفي ، قالا : أخبرنا أبو العباس الأصم سمعت العباس بن محمد ، سمعت يحيى بن معين ، وسأله عباس العنبري ، يا أبا زكريا ، من أي العرب أنت ؟ قال : أنا مولى للعرب . [ ص: 78 ] قيل : أصل ابن معين من الأنبار ، ونشأ ببغداد ، وهو أسن الجماعة الكبار الذين هم : علي ابن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو خيثمة ، فكانوا يتأدبون معه ، ويعترفون له ، وكان له هيبة وجلالة ، يركب البغلة ، ويتجمل في لباسه ، رحمه الله تعالى .

                                                                                      وقال أحمد بن زهير : سمعت يحيى يقول : أنا مولى للجنيد .

                                                                                      ابن عبد الرحمن المري : قال أحمد بن يحيى الجارود : قال ابن المديني : انتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير وقتادة ، وعلم الكوفة إلى أبي إسحاق والأعمش ، وعلم الحجاز إلى ابن شهاب وعمرو بن دينار ، وصار علم هؤلاء الستة إلى اثني عشر رجلا : ابن أبي عروبة ، ومعمر ، وشعبة ، وحماد بن سلمة ، والسفيانين ، ومالك ، والأوزاعي ، وابن إسحاق ، وهشيم ، وأبي عوانة ، ويحيى بن سعيد ، ويحيى بن أبي زائدة إلى أن ذكر ابن المبارك ، وابن مهدي ، ويحيي بن آدم . فصار علم هؤلاء جميعهم إلى يحيى بن معين .

                                                                                      قلت : نعم ، وإلى أحمد بن حنبل ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وعلي ، وعدة .

                                                                                      ثم من بعد هؤلاء إلى أبي عبد الله البخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي داود ، وطائفة .

                                                                                      ثم إلى أبي عبد الرحمن النسائي ، ومحمد بن نصر المروزي ، وابن خزيمة ، وابن جرير .

                                                                                      ثم شرع العلم ينقص قليلا قليلا فلا قوة إلا بالله .

                                                                                      وبإسنادي إلى الخطيب : أخبرنا محمد بن علي المقرئ ، أخبرنا أبو مسلم بن مهران ، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف ، سمعت صالح بن محمد ، [ ص: 79 ] أخبرنا علي يقول : سمعت علي ابن المديني يقول : انتهى علم الحجاز إلى الزهري ، وعمرو ، إلى أن قال : فانتهى علم هؤلاء إلى ابن معين .

                                                                                      علي بن أحمد بن النضر ، قال ابن المديني : انتهى العلم إلى يحيى بن آدم ، وبعده إلى يحيى بن معين ، رحمه الله .

                                                                                      عبد الخالق بن منصور ، قلت لابن الرومي : سمعت أبا سعيد الحداد يقول : لولا يحيى بن معين ، ما كتبت الحديث . قال : وما تعجب ! ! فوالله لقد نفعنا الله به ، ولقد كان المحدث يحدثنا لكرامته ما لم نكن نحدث به أنفسنا .

                                                                                      ولقد كنت عند أحمد فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ، انظر في هذه الأحاديث ، فإن فيها خطأ . فقال : عليك بأبي زكريا ، فإنه يعرف الخطأ .

                                                                                      قال عبد الخالق : فقلت لابن الرومي : حدثني أبو عمرو أنه سمع أحمد بن حنبل ، يقول : السماع مع يحيى بن معين شفاء لما في الصدور .

                                                                                      علي بن سهل : سمعت أحمد في دهليز عفان ، يقول لعبد الله بن الرومي : ليت أن أبا زكريا قدم ، فقال : ما تصنع به ؟ قال أحمد : اسكت هو يعرف خطأ الحديث .

                                                                                      وبه إلى الخطيب : أخبرنا الصيرفي ، حدثنا الأصم ، سمعت الدوري يقول : رأيت أحمد بن حنبل في مجلس روح سنة خمس ومائتين ، فيسأل يحيى بن معين عن أشياء ، يقول : يا أبا زكريا ، ما تقول في حديث كذا ؟ وكيف حديث كذا ؟ فيستثبته في أحاديث قد سمعوها . فما قال يحيى : كتبه أحمد . وقلما سمعه يسمي يحيى باسمه ، بل يكنيه .

                                                                                      وبه : أخبرنا أبو سعد الماليني كتابة ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الإدريسي ، حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن موسى البخاري ، سمعت [ ص: 80 ] الحسين بن إسماعيل الفارسي ، سمعت أبا مقاتل سليمان بن عبد الله ، سمعت أحمد بن حنبل يقول : هاهنا رجل خلقه الله لهذا الشأن ، يظهر كذب الكذابين ، يعني : ابن معين .

                                                                                      وبه : حدثنا التنوخي ، ومحمد بن طلحة النعالي ، قالا : حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم البخاري ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حريث ، سمعت أحمد بن سلمة ، سمعت محمد بن رافع ، سمعت أحمد بن حنبل يقول : كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين ، فليس هو بحديث .

                                                                                      ابن عدي : حدثنا يحيى بن زكريا بن حيويه ، حدثنا العباس بن إسحاق ، سمعت هارون بن معروف يقول : قدم علينا شيخ فبكرت عليه ، فسألناه أن يملي علينا ، فأخذ الكتاب ، وإذا الباب يدق ، فقال الشيخ : من هذا ؟ قال : أحمد بن حنبل فأذن له ، والشيخ على حالته لم يتحرك . فإذا آخر يدق الباب ، فقال : من ذا ؟ قال : أحمد الدورقي فأذن له ، ولم يتحرك ، ثم ابن الرومي فكذلك ، ثم أبو خيثمة فكذلك ، ثم دق الباب ، فقال : من ذا ؟ قال : يحيى بن معين . فرأيت الشيخ ارتعدت يده ، وسقط منه الكتاب .

                                                                                      جعفر الطيالسي : سمعت ابن معين يقول : لما قدم عبد الوهاب بن عطاء ، أتيته ، فكتبت عنه ، فبينا أنا عنده ، إذ أتاه كتاب من أهله ، فقرأه ، وأجابهم ، فرأيته ، وقد كتب على ظهره : قدمت بغداد ، وقبلني يحيى بن معين . والحمد لله رب العالمين .

                                                                                      قال أبو عبيد الآجري : قلت لأبي داود : أيما أعلم بالرجال يحيى أو علي ؟ قال : يحيى ، وليس عندي من خبر أهل الشام شيء .

                                                                                      قال عبد المؤمن النسفي : سألت أبا علي صالح بن محمد : من أعلم بالحديث يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل ؟ فقال : أحمد أعلم بالفقه ، [ ص: 81 ] والاختلاف ، وأما يحيى ، فأعلم بالرجال والكنى .

                                                                                      محمد بن عثمان بن أبي شيبة : سمعت علي ابن المديني يقول : كنت إذا قدمت إلى بغداد منذ أربعين سنة ، كان الذي يذاكرني أحمد ، فربما اختلفنا في الشيء ، فنسأل أبا زكريا ، فيقوم فيخرجه ، ما كان أعرفه بموضع حديثه .

                                                                                      وقال أبو الحسن بن البراء : سمعت ابن المديني يقول : ما رأيت يحيى استفهم حديثا قط ولا رده .

                                                                                      بكر بن سهل : حدثنا عبد الخالق بن منصور ، قلت لابن الرومي : سمعت بعض أصحاب الحديث يحدث بأحاديث يحيى ، ويقول : حدثني من لم تطلع الشمس على أكبر منه . فقال : وما تعجب ؟ سمعت علي ابن المديني يقول : ما رأيت في الناس مثله .

                                                                                      وعن ابن المديني قال : ما أعلم أحدا كتب ما كتب يحيى بن معين .

                                                                                      وقال أبو الحسن بن البراء ، سمعت عليا يقول : لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى .

                                                                                      قال أحمد بن عقبة ، سألت يحيى بن معين : كم كتبت من الحديث ؟ قال : كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث - قلت : يعني بالمكرر .

                                                                                      قال صالح بن أحمد الحافظ : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله ، سمعت أبي ، يقول : خلف يحيى من الكتب مائة قمطر ، وأربعة عشر قمطرا ، وأربعة حباب شرابية مملوءة كتبا .

                                                                                      وقال عبد المؤمن : سمعت صالحا جزرة يقول : ذكر لي أن يحيى بن [ ص: 82 ] معين خلف من الكتب ثلاثين قمطرا وعشرين حبا ، فطلب يحيى بن أكثم كتبه بمائتي دينار ، فلم يدع أبو خيثمة أن تباع .

                                                                                      وبإسنادي إلى الخطيب : أخبرنا الماليني ، أخبرنا ابن عدي ، حدثنا موسى بن القاسم بن الأشيب عن بعض شيوخه ، قال : كان أحمد ويحيى وعلي عند عفان أو عند سليمان بن حرب ، فأتى بصك ، فشهدوا فيه ، وكتب يحيى فيه . فقال عفان : أما أنت يا أحمد ، فضعيف في إبراهيم بن سعد ، وأما أنت يا علي ، فضعيف في حماد بن زيد ، وأما أنت يا يحيى ، فضعيف في ابن المبارك . فقال يحيى : وأنت يا عفان فضعيف في شعبة . ثم قال الخطيب : لم يكن واحد منهم ضعيفا وإنما هذا مزاح .

                                                                                      قلت : كل منهم صغير في شيخه ذلك ، ومقل عنه .

                                                                                      عبد الخالق بن منصور : سمعت ابن الرومي يقول : ما رأيت أحدا قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى ، وغيره كان يتحامل بالقول .

                                                                                      قلت : هذا القول من عبد الله بن الرومي غير مقبول ، وإنما قاله باجتهاده ، ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل ، لكن هم أكثر الناس صوابا ، وأندرهم خطأ ، وأشدهم إنصافا ، وأبعدهم عن التحامل . وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح ، فتمسك به ، واعضض عليه بناجذيك ، ولا تتجاوزه ، فتندم . ومن شذ منهم ، فلا عبرة به . فخل عنك العناء ، وأعط القوس باريها ، فوالله لولا الحفاظ الأكابر ، لخطبت الزنادقة على المنابر ، ولئن خطب خاطب من أهل البدع ، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة ، وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول ، فنعوذ بالله من الخذلان .

                                                                                      ومن نادر ما شذ به ابن معين ، رحمه الله ، كلامه في أحمد بن صالح حافظ [ ص: 83 ] مصر ، فإنه تكلم فيه باجتهاده ، وشاهد منه ما يلينه باعتبار عدالته لا باعتبار إتقانه ، فإنه متقن ثبت ، ولكن عليه مأخذ في تيه وبأو كان يتعاطاه ، والله لا يحب كل مختال فخور ، ولعله اطلع منه على حال في أيام شبيبة ابن صالح ، فتاب منه أو من بعضه ، ثم شاخ ، ولزم الخير ، فلقيه البخاري والكبار ، واحتجوا به . وأما كلام النسائي فيه ، فكلام موتور ; لأنه آذى النسائي ، وطرده من مجلسه ، فقال فيه : ليس بثقة .

                                                                                      قال الحسن بن عليل : حدثنا يحيى بن معين قال : أخطأ عفان في نيف وعشرين حديثا ، ما أعلمت بها أحدا ; وأعلمته سرا ، ولقد طلب إلي خلف بن سالم أن أخبره بها فما عرفته ، وكان يحب أن يجد عليه .

                                                                                      قال يحيى : ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته ، وأحببت أن أزين أمره ، وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه ، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه ، فإن قبل ذلك ، وإلا تركته .

                                                                                      وقال ابن الغلابي : قال يحيى : إني لأحدث بالحديث فأسهر له مخافة أن أكون قد أخطأت فيه .

                                                                                      وبإسنادي إلى الخطيب : حدثنا علي بن طلحة ، أخبرنا صالح بن أحمد الهمذاني ، حدثنا عبد الرحمن بن حمدان بن المرزبان قال : قال لي أبو حاتم الرازي : إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل ، فاعلم أنه صاحب سنة ، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين ، فاعلم أنه كذاب .

                                                                                      وقال محمد بن هارون الفلاس : إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين ، فاعلم أنه كذاب ، يضع الحديث ، وإنما يبغضه لما يبين من أمر الكذابين .

                                                                                      قال الأبار في " تاريخه " : قال ابن معين : كتبنا عن الكذابين ، وسجرنا [ ص: 84 ] به التنور ، وأخرجنا به خبزا نضيجا .

                                                                                      قال أبو داود : سمعت يحيى يقول : أكلت عجينة خبز ، وأنا ناقه من علة .

                                                                                      قال الدوري : سئل يحيى بن معين عن الرءوس فقال : ثلاثة بين اثنين صالح .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية