الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رمضان في مصر

رمضان في مصر

رمضان في مصر

من بلدٍ يصل تعداده أكثر من (94) مليون نسمة ، تبدأ جولتنا للتعرّف على الأجواء الرمضانية في أرضٍ جمعت بين الحضارة العريقة والتاريخ الإسلامي المشرّف ، فمنذ أن دخل الإسلام على يد القائد الإسلامي العظيم عمرو بن العاص رضي الله عنه ، والمسلمون ينعمون بأداء هذه الشعيرة على مرّ الأعوام.

وعلى الرغم من تعدّد الأنماط الاجتماعية في مصر ـتبعاً لتنوع مظاهر الحياة من الشمال إلى الجنوب- إلا أن الجميع قد أطبق على إبداء البهجة والسرور بدخول هذا الشهر الكريم، فما إن تبدأ وسائل الإعلام ببيان دخول الشهر وثبوت رؤية الهلال، حتى يتحوّل الشارع المصري إلى ما يشبه خلايا النحل، فتزدحم الأسواق، وتزدان الشوارع ، وتنشط حركة التجارة بشكل ملحوظ، حيث يتنافسون في توفير اللوازم الرمضانية المختلفة، وينطلق الأطفال في الشوارع والطرقات، حاملين معهم فوانيس رمضان التقليدية وهم ينشدون قائلين : "رمضان جانا...حلّو يا حلّو" ، عدا عبارات التهنئة التي تنطلق من ألسنة الناس لتعبّر عن مشاعر الفرحة التي عمّت الجميع.

ولعلّ من أبرز الأمور التي تُلفت النظر هناك، زيادة معدّل الزيارات بين الأهل والأقارب، والأصدقاء والأحباب، كل هذا في جوٍّ أخوي ومشاعر إنسانيّة فيّاضة، فرمضان فرصة للتقارب الأسري من جهة وتعميق الروابط الاجتماعية من جهة أخرى.

وحتى نقوم باستعراض يوميّات الصائم في مصر، فلا بد لنا أن نبدأ جولتنا منذ الصباح الباكر، ننزل فيها إلى الشارع المصري، لنلحظ المحال التجارية وقد اعتلى فيها صوت القرآن الكريم يُتلى على ألسنة مشاهير القرّاء المصريين، ويأتي في مقدّمهم: الشيخ عبدالباسط عبدالصمد و الشيخ محمد صديق المنشاوي و الشيخ محمود خليل الحصري و الشيخ مصطفى إسماعيل ، وبهذا يظهر مدى ارتباط أبناء مصر بالقرآن الكريم ولا سيما في هذا الشهر الفضيل.

ومما نلاحظه في هذا الوقت انخفاض معدّل الحركة الصباحية بحيث تكون أقل مما هي في المساء، وتظل كذلك طيلة الصباح وحتى صلاة العصر، وهذه هي البداية الحقيقية لليوم هناك، حيث يبدأ تدفّق الناس إلى الأسواق والمحال التجارية لشراء لوازم الإفطار من تمور وألبان وغيرهما، ولعل أوّل ما يقفز إلى الذهن هنا شراء الفول، وهذا الطبق الرمضاني لا تكاد تخلو منه مائدة رمضانية، إذ إنها أكلة محبّبة لجميع الناس هناك، على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، ويمكنك أن تلمس ذلك بملاحظة انتشار باعة الفول في كل مكان، بصوتهم المميّز الذي يحث الناس على الشراء قائلين: "إن خُلِص الفول...أنا مش مسؤول". ويقودنا الحديث عن الفول إلى الحديث عن المائدة الرمضانية، حيث يبدأ الناس بالإفطار بالتمر والرطب، مع شرب اللبن وقمر الدين ومشروب "الخشاف" وقد يحلو للبعض أن يشرب العصائر الطازجة، كالبرتقال، أو المانجو، أو الشمام ، وبعد العودة من صلاة المغرب، يبدأ الناس بتناول الملوخيه، والشوربة، والخضار المشكلة، والمكرونه بالبشاميل، وتزدان المائدة بالسلطة الخضراء، أو سلطة الزبادي بالخيار، ومحشي ورق العنب، والطبق الرئيسي الدجاج المشوي، أو بعض المشويات كالكباب والكفتة.

وبعد الانتهاء من الإفطار لا بد من التحلية ببعض الحلويات، ومن أشهرها: الكنافة والقطايف والبقلاوة، والمهلّبية وأم علي، وهذا بطبيعة الحال يتنوّع من مائدة إلى أخرى بحسب ذوق كل أسرة.

وبعد الانتهاء من الإفطار يقوم الجميع بتناول الشاي، والشاي المصري كما هو معروف أثقل مما هو في الخليج، ويفضلونه في صعيد مصر أن يكون ثقيلاً جداً، وبعد أن ينتهوا من ذلك يبدأ الناس بالاستعداد للصلاة والتوجّه إلى المساجد.

ينطلق الناس لأداء صلاة التراويح في مختلف المساجد حيث تمتلئ عن آخرها بالمصلين من مختلف المراحل العمريّة، وللنساء نصيبٌ في هذا الميدان، فلقد خصّصت كثير من المساجد مكاناً للنساء يؤدّين فيه هذه المشاعر التعبّدية، وتُصلّى التراويح صلاة متوسّطة الطول، والبعض يقرأ بجزءٍ أو أقل...وهناك العديد من المساجد التي يُصلّي فيها المصلّون أكثر من ذلك...وعلى أية حال، فإن المساجد في مصر تمتلئ بالمصلّين، وتُقام فيها دروسٌ وعظية ومحاضرات إرشاديّة طيلة هذا الشهر، ويقوم العلماء والدعاة بالتنقل بين المحافظات كي يعظوا الناس، ويجيبوا عن أسئلتهم وإشكالاتهم.

واعتاد الناس في مصر على السهر بعد التراويح حتى أوقات متأخرة من الليل، يقضونها في الميادين والبيوت والمقاهي، يتسامرون ويتبادلون الأحاديث، ويحلو للبعض التنزّه عند النيل، أو ركوب "الفلوكة"، أو السمر عند الشواطئ.

ومن العادات التي تميّز هذا البلد، ما يُعرف بالمسحّراتي، وهو شخص يقوم بالمرور على الأحياء والبيوت كي يوقظهم وقت السحور بندائه الشهير: "اصح يا نايم...وحِّد الدايم...السعي للصوم...خير من النوم...سحور يا عباد الله"، وقد ظهرت عادة المسحّراتي -أو المسحّر كما في بعض الدول- في القرن الثالث الهجري، ومن ثمّ انتشرت في كثير من البلاد العربيّة، وكان المسحّراتي يقوم بالضرب على طبلة معلّقة عليه بحبل ويدقّ، أبواب البيوت بعصاه منادياً لهم بأسمائهم، إلا أن هذه العادة قد بدأت بالانحسار نتيجة توافر أدوات الإيقاظ الحديثة من منبّه وغيرها، فلم تعد تتواجد إلا في القرى والأحياء الشعبية.

هذا، وللعشر الأواخر من رمضان طعمٌ آخر يعرفه المتعبّدون، حيث تغدو هذه الأيام الفاضلة ميداناً يتسابق فيه المؤمنون بالعبادة والذكر، ويتنافسون في قراءة القرآن والتهجّد، ومن أهمّ ما يميّز هذه الأيام، إقبال الناس على سنّة الاعتكاف في المساجد، رغبةً في التفرّغ للطاعة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويصل هذا التسابق ذروته في ليلة السابع والعشرين من رمضان التي يلتمس الناس فيها ليلة القدر، فلا عجب إذن أن تمتلئ المساجد فيها بالآلاف، يقفون بين يدي الله ويدعونه بخشوع وانكسار، تتسابق دموعهم على خدودهم في لحظات إيمانيّة عطرة.

وما إن تبدو لوائح العيد بالاقتراب حتى يبدأ الناس بتجهيز لوازم العيد، خصوصاً "كعك العيد" والذي يحتاج إلى جهد كبير في تجهيزه، وهذا الإقبال على الكعك يسبب زحاما شديداً على المخابز، ويضاف إلى ذلك الحلويات والمعجّنات والفطائر المتنوّعة، كي تّقدّم إلى الضيوف أيام العيد، كما يخرج الناس إلى الأسواق بكثرة لشراء ملابس العيد والأحذية الجديدة.

وفي صبيحة العيد يتوجّه الناس رجالاً ونساء إلى مصلّى العيد، ثم يهنّئ المسلمون بعضهم بختام شهر رمضان والدعاء بتقبّله، وبقدوم العيد وسؤال الله تعالى دوام سعادته وفرحته، وتنطلق جموع الأطفال فرحة مسرورة بقدوم العيد، لتذهب إلى الحدائق والمتنزّهات، حيث المراجيح، ولا يخلو الجوّ من ألعاب ناريّة تضفي على الجوّ مزيداً من البهجة والأنس.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة


مواقيت الصلاة

حسب التوقيت المحلي لدولة قطر دولة أخرى؟
  • الفجر
    03:49 AM
  • الظهر
    11:34 AM
  • العصر
    03:03 PM
  • المغرب
    05:57 PM
  • العشاء
    07:27 PM