الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يقصر الذي يركب السفينة في البحر مدة متطاولة

السؤال

أنا طالب أدرس بكلية الهندسة البحرية، ومن ضمن مقرر الدراسة أن ألتحق بإحدى السفن للتطبيق العملي لمدة ستة أشهر، من بلادي وأعود لها ولكن لا أنزل إلى البلد. فهل يجوز لي أن أقصر الصلاة طيلة تلك المدة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي يظهر أن حكمك في هذه المدة هو حكم الملاح الذي يركب السفينة في البحر مدة متطاولة، وهذا قد اختلف العلماء في حكمه، فأجاز له الشافعي القصر مطلقا، ومنعه الحنابلة من القصر إن كانت السفينة بمنزلة بيته، معه فيها أهله وما يرتفق به، وعلى كلا القولين فإن القصر مشروع لك لأن السفينة لم تصر بمنزلة البيت لك وليس أهلك معك فيها.

قال ابن قدامة في المغني: والملاح الذي يسير في سفينة وليس له بيت سوى سفينته فيها أهله وتنوره وحاجته لا يباح له الترخص. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن الملاح أيقصر ويفطر في السفينة؟ قال: أما إذا كانت السفينة بيته فإنه يتم ويصوم. قيل له: وكيف تكون بيته؟ قال: لا يكون له بيت غيرها معه فيها أهله وهو فيها مقيم. وهذا قول عطاء، وقال الشافعي: يقصر ويفطر لعموم النصوص وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة. رواه أبو داود. ولأن كون أهله معه لا يمنع الترخص كالجمال. انتهى.

ورجح كثير من الحنابلة قول الجمهور وهو أن الملاح يقصر وإن كان معه أهله وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله.

قال العلامة ابن قاسم في الحاشية: وعنه -أي الإمام أحمد- يترخص وفاقا، واختاره الموفق والشيخ وغيرهما، وقالا: سواء كان معه أهله أو لا، لأنه أشق، وكونه يعتبر انقطاعه لم يكتفوا به، ونص عليه وخلاف ما ذهب إليه الأئمة، ومفهوم كلامه أنه إن كان له أهل وليسوا معه، أو معه وينوي الإقامة ببلد، فله القصر كغيره من المسافرين، وهذا بلا نزاع. انتهى.

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: قوله: أو ملاحاً، الملاح قائد السفينة.

قوله: معه أهله أي: مصاحبون له، والجملة في محل نصب على أنها صفة لملاح.

قوله: لا ينوي الإِقامة ببلد يعني: لا ببلد المغادرة، ولا ببلد الوصول، فهذا يجب عليه أن يتم؛ لأن بلده سفينته. وعلم من قول المؤلف: معه أهله أنه لو كان أهله في بلد فإنه مسافر ولو طالت مدته في السفر.

وعلم منه أيضاً: أنه لو كان له نية الإِقامة في بلد فإنه يقصر إذا غادره؛ لأنه مسافر، فمثلاً: إذا كان ملاحاً في سفينة وأهله في جدة، لكنه يروح يجوب البحار كالمحيط الهندي والهادي، ويأتي بعد شهر أو شهرين إلى جدة فهذا مسافر؛ لأنه ليس معه أهل، بل له بلد يأوي إليه. انتهى.

وبهذا يتبين لك أنه يجوز لك الترخص برخص السفر، وأن حكمك في تلك الفترة هو حكم المسافر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني