الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أرضى بصديقي الكذاب الذي أعده أخي زوجًا لأختي؟

السؤال

لدي صديق، وأخ، أحبه جدًّا، أضحي من أجله، وأحترمه، فهو راق في تعاملاته، ويظهر بأسلوب يحبه كل من يتحدث معه، ولكنه كذاب، فهو يفسر كذبه بأنه لا يريد أن لا يغضب منه أحد؛ نظرًا لعلاقتنا، وتقدم لأخت لي صغيرة، وارتبط بها؛ ولحبي له وافقت، وقلت: إن شاء الله ربنا سيهديه من الكذب، ولكن أختي وجدت فيه صفات محيرة، فهو يتعامل معك بأسلوب جميل، ومقنع، ولكنه فقد الاحترام بينه وبينها، يتلفظ أمامها بألفاظ سيئة، وهي تنفر، ولكنها تفسرها بأنها من حسن ظنه بها، وهو أيضًا يقول: إنه يحب أن يسخر من كل شيء من باب المزاح، وفي مرة سخر منها، فغضبت منه، فواجهها، وقال لها: إنه كان يسخر، فغضب منها، وتركها، وقام من المنزل، وذهب، وعندما واجهته -أنا أخوها- وقلت له: لا داعي لهذا الغضب، فقال لي: أنا طبعي عندما أغضب، أني لا أستطيع أن أسامح مباشرة، فلا بد أن أنتظر حتى تتقبل نفسي، وأرتاح، ثم أصالح، وهذا هو حاله مع كل الناس، إذا غضب من أحد فلا يصالحه إلا بعد فترة، وقليل التماس الأعذار للناس، والحيرة: أنك عندما تتحدث معه في شيء تشعر أنه إنسان نقي صافي المشاعر، يغضب لغضب الناس، ويفرح لفرح غيره، ويدعو للناس بالخير، وعندما تواجهه بأمر يقول لك: ربنا أعلم بنيتي بنقاء، وتحس بالخير معه، وتحس أيضًا بالأمان، فهل هذا وهم؟ وهو محبوب من كل أصحابه، ولا أحد ممن يعرفه يكرهه، ومع ذلك عند الشدة يقف بجانبك، وبعدها يؤنبك أنه وقف بجانبك، وعند مناقشته في أمر يقنعك أنك كنت مخطئًا، ومن أسلوبه تحس أنك فعلًا مخطئ، وتريد أن تعتذر من أنك فكرت في أن تخطِّئه، وفي الواقع يكون هو المخطئ، فهو لديه قدرة على إقناعك بالخطأ على أنه صحيح، ولا يخطّئ نفسه في النهاية، ولكن في نصف الكلام يعترف بالخطأ ليريحك نفسيًا، وفي آخر الكلام يأتي لك بحجة، ويثبت لك أنه فعلًا هذا؛ لأنك فعلت تلك، وأخيرًا هو يعتبر أخي الوحيد بعد وفاة أخي الوحيد، وائتمنته على بيتي، وتركته هو وأختي في خلوة، فحاول أن يأخذ منها شيئًا ليس من حقه، مدعيًا أنه يؤسس علاقة، وأنه اعتبرها زوجته، وأن هذا يفعله كل المخطوبين: القبلة، واللمس، فخافت منه، وأبعدته عنها، فنظر لها نظرة حزن وتضايق من أنها أبعدته، وأن هذا معناه أنها لا تحبه، فأثر عليها الكلام؛ لأنها تحبه، فأفيدوني هل هذا نفاق عمل أم إن كل شباب هذه الأيام هكذا؟ وأنا أعتبر نفسي غريبًا في وسط هؤلاء الناس، وأنا أحافظ على بنات الناس حتى عقد القِران، وأنا أحبه، وأعتمد عليه في معظم أموري، وفتحت له أبواب بيتي، ولكني غير قادر على أن أعرف هل هو الشخص المناسب لأختي الذي يستطيع أن يعيش معها أم إنه سيسبب لها عقدًا نفسية، فهو محترم أمامي وأمام الناس، ولكنه داخليًا يحب المرأة غير الملتزمة في لبسها، فهو يقول لك: إنه لا يحب اللبس القصير، وإنه يغار على أهل بيته، وإنه لا يقبل هذه الأمور عليها، فتفرح، وتفتخر باحترامه، لكنه على العكس يحب أن يجالس قريباته وهن بلبس قصير، ويضحك معهن، وعندما ينتهي من الكلام معهن، يسخر منهن، ويقول: إنهن لا يلبسن بشكل جيد، ويسخر من كل صفاتهن.
معاملته لأمي: يجالسها قليلًا، ويقول لها: يا أمي، ويتكلم معها، ولكنها إذا خرجت معه يغضب، ويتضايق، وخرجنا مرة معه كلنا، فسخر مني أنا وأمي أمام أختي، وقال لها: ما هذان العسكريان اللذان يمشيان وراءنا؟ وهو يضحك، ويقول لها: أمزح، فهو يريدها وحدها معه دائمًا، كما أنه يتدخل في كل أمور أسرتنا، ويعلمها كلها منها، فهو لديه القدرة على جلب الأسرار منها، وهي تفرح بذلك، ولكنه أتى وقت وانهارت، وقالت لي: إنه ضاغط عليها جدًّا، وأن أسلوبه يجعل من تمشي معه وترضيه تنتحر -على حد قولها- فهي تحبه، ولكنه به هذا الصفات، فهل هو مناسب لنا، ولها كزوج؟ علمًا أنني لا أعرف ما سر تعلقي وحبي له، على الرغم من أني أعرف صفاته، وصفات والديه، فصفات والديه: الشدة، والجدية، والحزم، ولكنهم ماديًا مرتاحون جدًّا مثلي أنا وأختي، أصحاب مصانع، وأنا صاحب أعمال تسويق كبير استيراد وجملة، ولكن يظهر عليهم الكرم أثناء وجودهم معك، ولكن الناس يقولون: إن لديهم شحًّا كبيرًا، وبخلًا، وأنا بسبب حبي لابنهم لا أرى بخله، بل بالعكس فهو كريم معي، ولكني خفت منه عندما طلب مني حفل الخطبة، على الرغم أنهم ماديًا أقدر مني بثلاث مرات، وأنا أحزن عليه، وأخاف عليه، وأحبه، ولكني أحب أختي أكثر، فماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان هذا الشاب على الحال الذي وصفت، فهو على منكرات عظيمة، ومن أشدها الكذب، فهو كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أعظم أسباب سخط علام الغيوب، وهو من صفات المنافقين، ولا يطبع عليه عباد الله المؤمنين، والهازل فيه كالجاد، وراجع بعض النصوص الواردة في ذمه، في الفتوى رقم: 3809، والفتوى رقم: 26391، والفتوى رقم: 206389.

ومن الغريب أن تكون محبًّا لرجل هذه صفاته، أو أن تتخذه صديقًا، فالمرء يعرف بصاحبه في الدنيا، ويحشر معه يوم القيامة، وقد حث الشرع على مصاحبة الأخيار، ومجانبة صحبة الفجار، وراجع الفتوى رقم: 24857.

وأغرب من ذلك أن تترك له الحبل على الغارب ليجالس أختك، أو يخلو بها، أو يخرج معها، ويمازحها، ويضاحكها، بل ويطلب منها لمسها، وتقبيلها، وتحكي هذه الأشياء، وكأنها أمر عادي، فهذا منكر يجب عليك التوبة منه، ويجب عليك صيانة أختك من أسباب الفتنة؛ وراجع الفتوى رقم: 56653.

وإذا كان راغبًا في الزواج منها، فالرغبة في الزواج لا تسوغ ذلك كله، وهو ليس أهلًا لأن يكون زوجًا لأختك، فهو غير مرضي الدين والخلق، وقد روى ابن ماجه، والترمذي، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون خلقه، ودينه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.

وإذا كنت وليها، وزوجتها من مثله، فقد خنت الأمانة، وفي الصحيحين عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني