الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب التورع عن اتهام الناس وتكذيبهم كوجوب تحري الحلال في المطعم

السؤال

أعاني من مشكلة، ولا أعلم ما هو الحل.
صراحةً أنا مخطوبة لرجل متدين، ويخاف الله، لكن عنده شركة، وله ثلاثة شركاء في هذه الشركة، وهؤلاء الشركاء لا يتحرون الحلال كثيراً في تجارتهم، ونصحهم هو، وزجرهم عن فعلهم، فقالوا له: إنك تضيع علينا مبلغاً كبيراً، وصفقة كبيرة، ولم يستمعوا له، وأتموا الصفقة وهو غير راض عنها.
حدثته في الموضوع، وقلت له إن الأمر ليس هينا، وإن كان لا بد من هذه الصفقة، فلا تدخل اسمك في أرباحها، ووعدني بذلك، وهو أيضاً محاسب الشركة، أي أن تقسيم الأموال بيده، فوعدني بأنه لو حصل مثل هذا الأمر ثانيةً لن يأخذ شيئاً من هذه الأرباح، لكن أهلي لم يصدقوه، وقالت لي أمي إنه يكذب علي بهذا الكلام، وأن الموضوع ليس هينا، حتى وصل بها الأمر إلى أن قالت لي إنها عندما تدخل بيتي بعد الزواج، فلن تأكل شيئاً، ولن تشرب شيئاً؛ لأن المال لن يكون حلالا.
وهو صدقاً وعدني بأنه لن يدخل فلسا حراما إلى المنزل، ولم أشعر بكذبه أبداً، بل على العكس هو أيضاً يحاول أن يتحرى الحلال، ولا يرضى بالمال الحرام أبداً، فلا أعلم ماذا أفعل وأنا محتارة بينه وبين أهلي، حتى إنه أصبح يتضايق من كثرة حديثي في هذا الموضوع، وكأنني أقول له بأنه لا مانع عنده من أكل المال الحرام، وهو ليس كذلك، وقال لي: لا تفتحي هذا الموضوع مرة أخرى. لكن أمي مصرة على أن تتحدث معه في هذا الموضوع، وتريد أن يترك هذه الشراكة، ويبحث عن عمل آخر.
فهل فعلاً سيكون في المال شيء من الحرمة؟
للعلم هو يعتبر زوجي شرعاً، لكن عرفا يسمى خطيبي، يعني عقدنا قراننا، لكن لم يقم العرس بعد.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فتحري الحلال مما تشكر عليه السائلة وعائلتها، ولكن هذا الزوج ـ كما وصفته السائلةـ : رجل متدين ويخاف الله، ويحاول أن يتحرى الحلال، ولا يرضى بالمال الحرام أبداً. وقد وعد بأنه لن يشارك في أرباح مثل هذه الصفقات (المشبوهة، أو المحرمة). وبأنه لن يُدخل بيته فلسا حراما.
ومع كونهم لم يجربوا عليه كذبا، إلا أن أهل السائلة لم يصدقوه، وقالت أمها: إنه يكذب!
وقد كان الجدير بمن يتحرى الحلال في مطعمه ومشربه، أن يتحرى الواجب في منطقه، ويتورع عن سب الناس وغيبتهم، والتنقص من أقدارهم! فإن أكل لحم المسلم بغيبته، لا تقل عن أكل الحرام، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أربى الربا، الاستطالة في عرض المسلم بغير حق. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.

قال العظيم أبادي في (عون المعبود): "إن من أربى الربا" أي أكثره وبالا، وأشده تحريما "الاستطالة" أي إطالة اللسان "في عرض المسلم" أي احتقاره، والترفع عليه، والوقيعة فيه بنحو قذف، أو سب. اهـ.
وقال الطيبي في شرح المشكاة: جعل الربا نوعين، متعارف: وهو ما يؤخذ من الزيادة على ماله من المديون. وغير متعارف: هو استطالة الرجل باللسان في عرض صاحبه، ثم فضل أحد النوعين على الآخر. اهـ.
وأما سؤال السائلة: (فهل سيكون في المال شيء من الحرمة؟) فجوابه أن ما ذكرته لا يصح الاعتماد عليه في الحكم بحرمة شيء من المال الذي سينفقه زوجها عليها! ولا سيما وهي لم تذكر أصلا سبب الحرمة في الصفقة المذكورة في السؤال، فلعلها لا تبلغ رتبة الحرام، بل شبهة ونحو ذلك.
وعلى أية حال، فمجرد مشاركة من لا يتحرز من الحرام، أو من ماله مختلط، مكروهة لا محرمة، وراجعي في ذلك الفتويين: 65355، 70079.
وعلى هذا، ينبغي أن تقتصر نصيحة هذا الزوج، على أن يبحث عن شركاء يتحرون الحلال في كسبهم؛ طلبا للسلامة، وتجنبا للشبهة، وخروجا من الكراهة. وأما اتهامه بالكذب، أو التعامل معه على أن كسبه محرم، فلا يصح.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني