الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صبغة واحدة في الجنة تنسي كل مصائب وبلاد الدنيا

السؤال

احترت أين أطرح مشكلتي في الفتاوى أو الاستشارات، لكن إذا سمحتم تختارونها لي بعد قراءتها.
أبي متوفى، وأمي مريضة وجاهلة، وأخي الكبير كان يعنفنا، وهو مريض، وحاليا هربنا من بيتنا بسببه، وأختي الكبيرة مريضة، والمتوسطة ماتت بسبب عين، والله المستعان. وأنا تائهة وضائعة منذ ولادتي، وإخواني متزوجون، وزوجاتهم مسيطرات على كل شيء، وإخواني عبيد عندهن، يسمعون كلامهن في كل شيء، وأنا مسجونة، وانكسرت كثيرا، ومرات كثيرة فكرت أنتحر. تعبت من حياتي، وما أكملت دراستي بسبب الفقر، وحاليا أعاني من فقر، وصحتي النفسية متعبة كثيرا، وعلى صغر سني إلا أن أعدائي كثر، منهم زوجة أبي، وزوجة عمي، وجدتي من طرف الأم، وزوجة أخي، وأيام المدرسة كانت البنات والإداريات، ولا أعرف سبب حظي التعيس، وأعرف أنكم تعتقدون أنني السبب في العداوة، لكن صدقوني الحظ كان السبب، لست قادرة أن أعيش، الكآبة قتلتني. أتمنى أن أعيش حرة مثلما خلقني الله، أطلع، أسافر، أشتغل، أقود سيارة، أعيش مثل الخلق، وأعتقد أن سبب حرماني من الحرية هو ديني الذي يفرض علي وليا ظالما يكسرني ويهينني ويذلني، والسبب زوجته، وحتى في الزواج لم أوفق، عمي متكفل بزواجي أنا وأخواتي بحكم وفاة أبي، لكن حتى عمي أصبح أكبر ظالم بسبب أنه يزوجنا رجالا كبار السن، أو مرضى نفسيين، وزوج بناته شبابا، لهم رواتب عالية، فكرت أن أتزوج في المحكمة، وغصبا عن أهلي لكن للأسف لم أجد شابا صادقا، جميعهم ذئاب بشرية، وكل ما أفتح بابا يغلق في وجهي باب آخر، حتى أبسط حقوقي محرومة منها، تمنيت أن أكون سورية لاجئة في ألمانيا على الأقل تبقى حرة، ومضمونا لها وظيفة، وسكن، والبعض الآخر ماتوا. أما أنا فلا شيء مما يذكر. أريد أن أعيش حياة طبيعية، أو أموت. فحياتي مؤلمة جدا، أعرف أنكم ستقولون كل الناس مبتلون. أنا لا أعاني من ابتلاء، أنا أعاني من لعنة أصابتني منذ ولادتي. أوقات أسأل أخواتي، وأسأل نفسي: ما الذي فعلته حتى أصاب باللعنة؟ طول عمري كنت ضعيفة ومكسورة وكئيبة خلاف البنات اللاتي في سني. لا أريد من حضرتكم علاجا لمشكلتي. كل ما أريده منكم أن تجيبوني لو انتحرت هل من الممكن أن أدخل الجنة؟ أم سأظل حياتي كلها بالنار؟ لأني سمعت الشيخ ابن عثيمين يقول: إن المسلم مصيره الجنة حتى لو انتحر. أريد التأكد من صحة الكلام؛ لأني دعوت الله أن يأخذني إليه، لكن لم يستجب. أنا تعبت من الصبر والبكاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبهك إلى أنّ قولك إنّ سبب حرمانك من الحرية هو الدين، قول باطل منكر، بل الصواب أنّ سبب كل حرمان وشقاوة هو البعد عن الدين، وسبب كل خير وسعادة، هو التمسك بالدين الحق.
ثم إنّ الإنسان مهما لاقى في دنياه فلا يجوز له أن يقتل نفسه، فقتل النفس كبيرة من أكبر الكبائر، وقد ورد في شأنها وعيد شديد بالخلود في النار -والعياذ بالله- ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وراجعي الفتوى رقم: 10397.
وكون قاتل نفسه قد لا يخلد في النار، لا يهوّن من فظاعة هذه الكبيرة، ولا يسوّغ الجرأة على الإقدام على تلك الجريمة النكراء، وكيف يقدم العاقل على معصية خالقه، ويتعرض لغضبه ووعيده بالنار، ولو لساعة واحدة، مهما لقي في حياته من ألم؟ فعذاب الدنيا كله لا يوازي غمسة واحدة في جهنم، وفي المقابل فإنّ غمسة واحدة في الجنة تنسي العبد ما تعرض له في الدنيا من البلاء، ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ .
فتوبي إلى الله، وأقبلي عليه، وبثي شكواك إليه، وأبشري ولا تيأسي، فربك رحيم، أرحم بك من أبيك وأمك ونفسك، وأعلم بمصالحك من كل أحد، ولا تتمني الموت بسبب ما يصيبك من البلاء في الدنيا، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي. (متفق عليه)
وننصحك بأن تعرضي نفسك على طبيب نفسي ثقة، وللفائدة يمكنك التواصل مع قسم الاستشارات النفسية بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني