الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحديد شركة التأمين المبلغ المستحق حالة العجز بناء على تقدير درجة المخاطر

السؤال

أعمل مخططً ماليًّا في شركة تأمين تكافلي، وعندنا في الشركة هيئة رقابة شرعية، برئاسة الدكتور نصر فريد واصل.
وأحد العملاء سأل على كافة البنود، وأجبته عنها قبل أن يتم إصدار وثيقة تأمين على الحياة بالنظام التكافلي، ووافق على كل شيء، بعد أن اطمأن قلبه من الناحية الشرعية، وبعد أن صدرت الوثيقة، وسلمتها له، وبدأ تفعيلها، قال له صديق: إن هذا العقد يتنافى مع أحكام الشريعة، وكان سبب اعتراضه كالآتي:
ملخص العقد: أن يدفع المشترك مبلغًا ثابتًا من المال كل سنة؛ حتى بلوغ نهاية مدة التعاقد، على أن يدخل هذا المال في محفظتين مختلفين: محفظة التكافل، ومحفظة الاستثمار.
الجزء الداخل في محفظة التكافل، يعتبر تبرعًا، ولا يسترد.
والجزء الداخل في محفظة الاستثمار، يستثمر لصاحبه حتى نهاية المدة، وله حق استرداده بأرباحه وقت ما يشاء.
وفي حالة الوفاة، يعطى حساب الاستثمار للورثة، أو لمن يوصي صاحب الوثيقة، وكذلك يأخذ مبلغًا متفقًا عليه من محفظة التكافل، وهنا لبّ السؤال: إذا كان المبلغ المستحق في حالة الوفاة، أو العجز الكلي مبلغًا محددًا مسبقًا في التعاقد، ومترتب على ما يدفعه المشترك، وعوامل أخرى يسمونها عوامل الخطورة، منها: السن، والأمراض، وطبيعة العمل.. أي أن هذا المبلغ متغير في حق كل مستفيد، وعلى أساس ما يدفعه من اشتراكات سنوية، وعوامل أخرى، كحالته الصحية، وشرب السجائر، وهل هناك تاريخ مرضي، سواء للمشترك، أم عند الآباء، إلى غير ذلك، وهو غير متعلق بالحالة المادية له في حال العجز، أو ورثته في حال الوفاة.
وقد سأل الزميل عالمين من علماء الأزهر الشريف، فأفتوه بعدم الجواز.
هذا كان استفسار العميل وقصده: أن تحديد مبالغ التأمين التكافلي على أساس مبلغ الاشتراك، وعوامل الخطورة الأخرى التي تدرسها الشركة لكل عميل على حدة، لا يتفق مع أحكام الشريعة، ولا أعلم على أي أساس استند من قال هذا، وأن تحديد مبالغ التكافل -كما ذكر- يجب أن يكون على أساس الحالة المادية له، أو لورثته، ولا يجب أن يكون له علاقة بمبلغ الاشتراك، أو عوامل الخطورة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا نعلم شركة من شركات التأمين التكافلي، إلا وهي تستفيد من علم قواعد الإحصاء في تحديد هذه المبالغ، بناء على تقدير درجة المخاطر، وقيمة الاشتراك الذي يبذله المؤمِّن، جاء في بحث التأمين الذي أعدته هيئة كبار العلماء: التأمين يستند على الأسس التالية:

أ- قيام تعاون بين مجموعة من الأفراد المهددين بالخطر، تحت إشراف هيئة منها، أو تحت إدارة شركة من شركات التأمين، تقوم بتفتيت ذلك الخطر، وتوزيعه بين جميعهم؛ ليخفف عبء ثقله على الفرد.

ب- المقاصة بين المخاطر، حيث تتولى هيئة التأمين تنظيم عملية توزيع الأخطار بين الأفراد المشتركين فيه، بطرق فنية، تعتمد على قواعد الإحصاء.

ج- تعتبر قواعد الإحصاء أساسًا فنيًّا لتقدير قسط التأمين، ومبلغ التأمين، وتوزيع الأخطار بين المشتركين؛ ذلك أن التأمين يقوم على أساس حساب الاحتمالات -أي: معرفة فرص تحقق الخطر-، وحساب ذلك أصبح ممكنًا بحكم تقدم فن الإحصاء، فقد أثبت الإحصاء أن الاحتمالات، والمصادفة، تخضعان لقانون الاستكثار، الذي مؤدّاه أن الملاحظة التي تعمل على عدد كبير من الحالات تؤدي غالبًا إلى نتائج واحدة، وأن هذه النتائج تكون دائمًا متقاربة كلما وردت الملاحظة على عدد كبير جدًّا من الحالات. اهـ.

وجاء فيه أيضًا: تعتبر قواعد الإحصاء أساسًا لقبول التأمين، وتقدير قسطه، وتقدير مبلغ التأمين، وغير هذا مما يتوقف على الإحصاء. اهـ.

وقال الدكتور علي القرة داغي في بحثه (التأمين الإسلامي ص 48) عند الحديث عن عوامل تحديد القسط: هذا القسط يحدد على أساس القيمة الحسابية للخطر، كما حددتها قواعد الإحصاء، وأن الخطر يعتبر العامل الرئيسي في تحديد قيمة القسط، إضافة إلى مبلغ التأمين ومدته. اهـ.

ومعنى التكافل المطلوب في التأمين الإسلامي، لا يتعارض مع مراعاة قواعد الإحصاء في المقاصة بين المخاطر؛ لأن هذا التكافل ليس تبرعًا محضًا، بل هو مشروط بشروط لصالح المتبرع نفسه، قال الدكتور القرة داغي في بحث التأمين الإسلامي (ص 318 ، 319): يمكن أن تصاغ عقود التأمين التكافلي استرشادًا بالعقود التي أقرت في شركات التأمين في غير الحياة؛ إذ لا بدّ أن تقوم على نفس الأسس التي تقوم عليها هذه العقود، من عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية، ومن قيامها على فكرة التبرع، وتوزيع الفائض منها على المشاركين في الإدارة والخسارة.

ثم إن التأمين الإسلامي لا بدّ أن يقوم على تعاون وعقود تبرعية، ولكنها مشروطة بشروط لصالح المتبرع ... ويمكن تنفيذ هذه الفكرة من خلال اتفاق جماعة على التعاون في حالة وفاة أحدهم، أو عجزه وعوزه على أساس التعاون والتبرع، وعلى ضوء عقود منظمة، يحدد فيها زمن وحجم ما يدفع للمستفيد، وما يؤخذ من المشترك المستأمن من تبرعات محدودة التواريخ، محسوبة بأساليب فنية، تعتمد على الإحصائيات والاحتمالات والحسابات الدقيقة، وتصب هذه الاتفاقية في قالب شركة تشرف على هذه الأموال وإدارتها واستثمارها، وتقوم بإبرام العقود مع الناس، وتكون وكيلة في إدارة هذا الحساب الخاص بالتكافل. اهـ.

وهنا لا بد من التنبيه على أن أهل العلم المعاصرين بينهم خلاف واسع في مشروعية مثل هذه العقود، وتفاصيل ضوابطها الشرعية؛ فإن كان للشركة التي يعمل فيها السائل هيئة شرعية معتبرة، فهي المسؤولة عن ضبط عمل الشركة، وفق الأحكام الشرعية.

وللعامي الذي يثق في هذه الهيئة أن يقلدها.

فإن اختلف عليه المفتون في مسألة معينة، فعليه أن يقلّد الأوثق في نفسه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني