الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو اليمان ( ع )

                                                                                      الحكم بن نافع ، الحافظ الإمام الحجة أبو اليمان البهراني الحمصي مولى امرأة بهرانية تدعى أم سلمة ، كانت عند عمر بن روبة التغلبي .

                                                                                      ولد في حدود سنة بضع وثلاثين ومائة وطلب العلم سنة بضع وخمسين .

                                                                                      [ ص: 320 ] فروى عن : صفوان بن عمرو ، وحريز بن عثمان ، وأبي بكر بن أبي مريم ، وشعيب بن أبي حمزة ، وسعيد بن عبد العزيز ، وعفير بن معدان ، وأرطاة بن المنذر ، وإسماعيل بن عياش ، ويزيد بن سعيد بن ذي عصوان ، وأبي مهدي سعيد بن سنان ، وطائفة ، وما علمت له رحلة .

                                                                                      حدث عنه : أحمد ، وابن معين ، ومحمد بن يحيى ، وعمرو بن منصور النسائي ، وعبيد الله بن فضالة ، وعمران بن بكار ، وأبو محمد الدارمي ، وأبو عبد الله البخاري ، وعثمان الدارمي ، وأبو حاتم ، ومحمد بن عوف ، وأبو زرعة الدمشقي ، ومحمد بن إسماعيل الترمذي ، وموسى بن عيسى بن المنذر ، وعلي بن محمد الحكاني ، وأحمد بن الفرات ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : أما حديث أبي اليمان عن حريز وصفوان بن عمرو فصحيح ثم قال أحمد : هو يقول : أخبرنا شعيب ، واستحل ذلك بشيء عجيب ، كان أمر شعيب في الحديث عسرا جدا ، وكان علي بن عباس سمع منه ، وذكر قصة لأهل حمص أراها أنهم سألوه أن يأذن لهم في أن يرووا عنه ، فقال لهم : لا ترووا هذه الأحاديث عني - يعني شعيبا - قال أبو عبد الله : ثم كلموه ، وحضر ذلك أبو اليمان ، فقال لهم : ارووا تلك الأحاديث عني . قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : مناولة ؟ ، قال : لو كان مناولة ، كان لم يعطهم كتبا ولا شيئا ، إنما سمع هذا فقط ، فكان ولد شعيب يقول : إن أبا اليمان جاءني ، فأخذ كتب شعيب مني بعد ، وهو يقول : [ ص: 321 ]

                                                                                      أخبرنا ، فكأنه استحل ذلك ، بأن سمع شعيبا يقول لقوم : ارووه عني

                                                                                      قال إبراهيم بن ديزيل : سمعت أبا اليمان يقول : قال لي أحمد بن حنبل : كيف سمعت الكتب من شعيب ؟ قلت : قرأت عليه بعضه ، وبعضه قرأه علي ، وبعضه أجاز لي ، وبعضه مناولة ، قال : فقال في كله : أخبرنا شعيب .

                                                                                      وقال ابن معين : سألت أبا اليمان عن حديث شعيب بن أبي حمزة ، فقال : ليس هو مناولة ، المناولة لم أخرجها إلى أحد .

                                                                                      وروى أبو زرعة النصري عن أبي اليمان قال : كان شعيب عسرا في الحديث ، فدخلنا عليه حين حضرته الوفاة ، فقال : هذه كتبي ، وقد صححتها ، فمن أراد أن يأخذها ، فليأخذها ، ومن أراد أن يعرض ، فليعرض ، ومن أراد أن يسمعها من ابني ، فليسمعها ، فإنه قد سمعها مني .

                                                                                      سعيد بن عمرو البرذعي ، عن أبي زرعة الرازي قال : لم يسمع أبو [ ص: 322 ] اليمان من شعيب إلا حديثا واحدا ، والباقي إجازة .

                                                                                      قال أبو داود : سمعت محمد بن عوف يقول : لم يسمع أبو اليمان من شعيب بن أبي حمزة إلا كلمة .

                                                                                      وقال أبو زرعة الدمشقي : سألت أحمد بن حنبل عن حديث الزهري ، عن أنس ، عن أم حبيبة ، فقال : ليس هذا من حديث الزهري ، هذا من حديث ابن أبي حسين ، فسألت أحمد بن صالح عنه ، فقال : ليس له أصل عن الزهري وأنكره .

                                                                                      قلت : قرئ هذا على إبراهيم بن الدرجي ، وأجازه لي عن أبي جعفر الصيدلاني ، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، أخبرنا ابن ريذة ، أخبرنا أبو القاسم الطبراني ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، عن أنس ، عن أم حبيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أريت ما تلقى أمتي من بعدي ، وسفك بعضهم دماء بعض ، وكان ذلك سابقا من الله ، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم ، ففعل .

                                                                                      رواه عبد الله بن أحمد ، عن أبيه ، عن أبي اليمان ، فقال : عن شعيب ، عن ابن أبي حسين ، عن أنس ثم قال عبد الله : فقلت : هاهنا [ ص: 323 ] قوم يحدثون به عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، فقال : ليس ذا من حديث الزهري .

                                                                                      قال أبو زرعة : قال لي أحمد بن حنبل : كتاب شعيب عن ابن أبي حسين ملصق بكتاب الزهري ، فبلغني أن أبا اليمان حدثهم به عن شعيب ، عن الزهري ، وليس له أصل ، كأنه يذهب إلى أنه اختلط بكتاب الزهري ، فرأيته كأنه يعذر أبا اليمان ولا يحمل عليه فيه .

                                                                                      وقال مكحول البيروتي عن جعفر بن محمد بن أبان الحراني : سألت يحيى بن معين عن حديث أبي اليمان - يعني المذكور - فقال : أنا سألت أبا اليمان ، فقال : الحديث حديث الزهري ، فمن كتبه عني ، فقد أصاب ، ومن كتبه عني من حديث ابن أبي حسين ، فهو خطأ ، إنما كتب في آخر حديث ابن أبي حسين ، فغلطت ، فحدثت به من حديث ابن أبي حسين ، وهو صحيح من حديث الزهري .

                                                                                      وروى ابن صاعد ، عن إبراهيم بن هانئ النيسابوري ، قال لنا أبو اليمان : الحديث حديث الزهري ، والذي حدثتكم عن ابن أبي حسين غلطت فيه بورقة قلبتها .

                                                                                      قلت : تعين أن الحديث وهم فيه أبو اليمان ، وصمم على الوهم ، لأن الكبار حكموا بأن الحديث ما هو عند الزهري ، والله أعلم .

                                                                                      [ ص: 324 ] عباس الدوري : سمعت يحيى يقول في حديث أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن عقبة بن سويد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يغزو جيش الكعبة " فقال يحيى : إنما هو عن سحيم مولى أبي هريرة ، عن أبي هريرة .

                                                                                      قال أبو حاتم : كان أبو اليمان يسمى كاتب إسماعيل بن عياش ، كما يسمى أبو صالح كاتب الليث ، وهو ثقة نبيل صدوق .

                                                                                      وقال العجلي : لا بأس به .

                                                                                      وقال ابن عمار الموصلي : كان ثقة ، وكان بسلمية وكان إذا جاءه أهل الحديث قال لهم : القطوا لي الزعفران ، وثمت ينبت الزعفران ، فكانوا يلقطون ، ثم يحدثهم .

                                                                                      وقال محمد بن عيسى الطرسوسي : سمعت أبا اليمان يقول : صرت إلى مالك ، فرأيت ثم من الحجاب والفرش شيئا عجيبا ، فقلت : ليس ذا من أخلاق العلماء ، فمضيت وتركته ، ثم ندمت بعد .

                                                                                      [ ص: 325 ] وبلغنا أن أبا اليمان كتب كتب إسماعيل بن عياش ، ولم يدع منها شيئا في القراطيس . وفي " الصحيحين " نحو من أربعين حديثا عند البخاري ، عن أبي اليمان قد أخرجها مسلم عن الدارمي ، عن أبي اليمان ، وجميعها يقول فيها : أخبرنا شعيب ، ما قال قط : حدثنا ، فهذا يوضح لك أنها بالإجازة ، وهي منقولة جزما من خط شعيب ، وكان من أثبت أصحاب الزهري . والمقصود من الرواية إنما هو العلم الحاصل بأن هذا الخبر حدث به فلان على أي صفة كان من صفات الأداء . وقد كان أبو اليمان عالم وقته بحمص ، استقدمه المأمون ليوليه قضاء حمص .

                                                                                      وروينا بإسناد قوي عن أبي اليمان أنه قال : ولدت سنة ثمان وثلاثين ومائة .

                                                                                      قال محمد بن مصفى ، وأبو زرعة النصري ، والفسوي : مات أبو اليمان سنة إحدى وعشرين ومائتين .

                                                                                      وقال ابن سعد والبخاري ومطين : سنة اثنتين وعشرين . زاد ابن سعد : في ذي الحجة بحمص .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية