ثم قال تعالى : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال : يريد : ابن عباس ، منكم ؛ أي من أهل ملتكم ودينكم فقيهان عدلان ، فينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به ، واحتج به من نصر قول يحكم في جزاء الصيد رجلان صالحان ذوا عدل رحمه الله في إيجاب القيمة ، فقال : التقويم هو المحتاج إلى النظر والاجتهاد ، وأما الخلقة والصورة فظاهرة مشاهدة لا يحتاج فيها إلى الاجتهاد . أبي حنيفة
وجوابه : أن وجوه المشابهة بين النعم وبين الصيد مختلفة وكثيرة ، فلا بد من الاجتهاد في تمييز الأقوى من الأضعف ، والذي يدل على صحة ما ذكرنا أنه قال : جاء أعرابي إلى ميمون بن مهران أبي بكر رضي الله عنه ، فقال : إني أصبت من الصيد كذا وكذا ، فسأل أبو بكر رضي الله عنه ، فقال الأعرابي : أتيتك أسألك ، وأنت تسأل غيرك ، فقال أبي بن كعب أبو بكر رضي الله عنه : وما أنكرت من ذلك ؟ قال الله تعالى : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) فشاورت صاحبي ، فإذا اتفقنا على شيء أمرناك به . وعن قبيصة بن جابر أنه حين كان محرما ضرب ظبيا فمات ، فسأل رضي لله عنه وكان بجنبه عمر بن الخطاب ، فقال عبد الرحمن بن عوف عمر لعبد الرحمن : ما ترى ؟ قال : عليه شاة ، قال : وأنا أرى ذلك ، فقال : اذهب فاهد شاة . قال قبيصة : فخرجت إلى صاحبي وقلت له : إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره . قال : ففجأني عمر وعلاني بالدرة ، وقال : أتقتل في الحرم وتسفه الحكم ؟ قال الله تعالى : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) فأنا عمر وهذا . عبد الرحمن بن عوف
المسألة الثانية : قال رحمه الله : الذي له مثل ضربان ، فما حكمت فيه الصحابة بحكم لا يعدل عنه إلى غيره ؛ لأنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل ، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى اجتهاد عدلين ، فينظر إلى الأجناس الثلاثة من الأنعام ، فكل ما كان أقرب شبها به يوجبانه ، وقال الشافعي مالك : يجب التحكيم فيما حكمت به الصحابة وفيما لم تحكم به . حجة رحمه الله : الآية دلت على أنه يجب أن يحكم به ذوا عدل ، فإذا حكم به اثنان من الصحابة ، فقد دخل تحت الآية ، ثم ذاك أولى لما ذكرنا أنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل . الشافعي
المسألة الثالثة : قال رحمه الله : يجوز أن يكون القاتل أحد العدلين إذا كان أخطأ فيه ، فإن تعمد لا يجوز لأنه يفسق به ، وقال الشافعي مالك : لا يجوز كما في تقويم المتلفات . حجة رحمه الله أنه تعالى أوجب أن يحكم به ذوا عدل ، وإذا صدر عنه القتل خطأ كان عدلا ، فإذا حكم به هو وغيره فقد حكم به ذوا عدل ، وأيضا روي أن بعض الصحابة أوطأ فرسه ظبيا ، فسأل الشافعي عمر عنه ، فقال عمر : احكم ، فقال : أنت عدل يا أمير المؤمنين فاحكم ، فقال عمر رضي الله عنه : إنما أمرتك أن تحكم وما أمرتك أن تزكيني ، فقال : أرى فيه جديا جمع الماء والشجر ، فقال : افعل ما ترى . وعلى هذا التقدير قال أصحابنا : يجوز أن يكونا قاتلين .