أما قوله : ( وما كنت ثاويا في أهل مدين ) فالمعنى : ما كنت مقيما فيهم .
وأما قوله : ( تتلو عليهم آياتنا ) ففيه وجهان :
الأول : قال مقاتل : يقول لم تشهد أهل مدين ، فتقرأ على أهل مكة خبرهم ( ولكنا كنا مرسلين ) أي أرسلناك إلى أهل مكة وأنزلنا عليك هذه الأخبار ، ولولا ذلك لما علمتها .
الثاني : قال الضحاك : يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين تتلو عليهم الكتاب ، وإنما كان غيرك ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولا ، فأرسلنا إلى أهل مدين شعيبا وأرسلناك إلى العرب لتكون خاتم الأنبياء .
أما قوله : ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) يريد مناداة موسى ليلة المناجاة وتكليمه ( ولكن رحمة من ربك ) أي علمناك رحمة ، وقرأ عيسى بن عمر بالرفع أي هي رحمة ، وذكر المفسرون في قوله : ( إذ نادينا ) وجوها أخر :
أحدها : إذ نادينا أي قلنا لموسى : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) [ الأعراف : 156 ] إلى قوله : ( أولئك هم المفلحون ) [ الأعراف : 157 ] .
وثانيها : قال : إذ نادينا أمتك في أصلاب آبائهم : "يا أمة ابن عباس محمد أجبتكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني " قال : وإنما قال الله تعالى ذلك حين اختار موسى عليه السلام سبعين رجلا لميقات ربه .
وثالثها : قال وهب : "لما ذكر الله لموسى محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : رب أرنيهم ، قال : إنك لن تدركهم ، وإن شئت أسمعتك أصواتهم ، قال : بلى يا رب ، فقال سبحانه : يا أمة فضل أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم ، فأسمعه الله تعالى أصواتهم ، ثم قال : أجبتكم قبل أن تدعوني" الحديث كما ذكره . ابن عباس
ورابعها : روى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( سهل بن سعد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) قال : محمد إن أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، من لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن رحمتي سبقت غضبي محمدا عبده ورسوله أدخلته الجنة " . كتب الله كتابا قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ، ثم وضعه على العرش ثم نادى : "يا أمة
أما قوله : ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ) فالإنذار هو التخويف بالعقاب على المعصية . واعلم أنه تعالى لما بين قصة موسى عليه السلام قال لرسوله : ( وما كنت بجانب الغربي ) ( وما كنت ثاويا في أهل مدين ) ( وما كنت بجانب الطور ) فجمع تعالى بين كل ذلك ؛ لأن هذه الأحوال الثلاثة هي الأحوال العظيمة التي اتفقت لموسى عليه السلام ؛ إذ المراد بقوله : ( إذ قضينا إلى موسى الأمر ) إنزال التوراة حتى تكامل دينه واستقر شرعه ، والمراد بقوله : ( وما كنت ثاويا ) أول أمره ، والمراد ناديناه وسط أمره وهو ليلة المناجاة ، ولما بين تعالى أنه عليه السلام لم يكن في هذه الأحوال حاضرا بين تعالى أنه بعثه وعرفه هذه الأحوال رحمة للعالمين [ ص: 221 ] ثم فسر تلك الرحمة بأن قال : ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ) واختلفوا فيه ، فقال بعضهم : لم يبعث إليهم نذير منهم ، وقال بعضهم : حجة الأنبياء كانت قائمة عليهم ، ولكنه ما بعث إليهم من يجدد تلك الحجة عليهم ، وقال بعضهم : لا يبعد وقوع الفترة في التكاليف ، فبعثه الله تعالى تقريرا للتكاليف ، وإزالة لتلك الفترة .