[ ص: 20 ] ولما أمر بذلك أكده بالنهي عما يضاده؛ معرضا بمن نزلت هذه الآيات فيهم؛ من أهل الكتاب؛ مبكتا لهم بضلالهم؛ واختلافهم في دينهم على أنبيائهم؛ فقال: ولا تكونوا كالذين تفرقوا ؛ بما ابتدعوه في أصول دينهم؛ وبما ارتكبوه من المعاصي؛ فقادهم ذلك - ولا بد - إلى التخاذل؛ والتواكل؛ والمداهنة التي قصدوا بها المسالمة؛ فجرتهم إلى المصارمة؛ ولما كان التفرق ربما كان بالأبدان فقط؛ مع الاتفاق في الآراء؛ بين أن الأمر ليس كذلك؛ فقال: واختلفوا ؛ بما أثمر لهم الحقد الحامل على الاتصاف بحالة من يظن أنهم جميع وقلوبهم شتى.
ولما ذمهم بالاختلاف الذي دل العقل على ذمه؛ زاد في تقبيحه بأنهم خالفوا فيه - بعد نهي العقل - واضح النقل؛ فقال: " من " ؛ أي: وابتدأ اختلافهم من الزمان الذي هو من بعد ما جاءهم ؛ وعظمه بإعرائه عن التأنيث؛ البينات ؛ أي: بما يجمعهم؛ ويعليهم؛ ويرفعهم؛ ويوجب اتفاقهم؛ وينفعهم؛ فأرداهم ذلك الافتراق؛ وأهلكهم.
ولما كان التقدير: "فأولئك قد تعجلوا الهلاك في الدنيا؛ فهم الخائبون"؛ [ ص: 21 ] عطف عليه قوله: وأولئك ؛ أي: البعداء البغضاء؛ لهم عذاب عظيم ؛ أي: في الدار الآخرة؛ بعد عذاب الدنيا؛ باختلافهم؛ منابذين لما من شأنه الجمع؛ والآية من الاحتباك: إثبات "المفلحون"؛ أولا؛ يدل على "الخاسرون"؛ ثانيا؛ والعذاب العظيم؛ ثانيا؛ يدل على النعيم المقيم؛ أولا.