ثم شرع في المستحاضة الخامسة : وهي المتحيرة فقال ( أو ) كانت من جاوز دمها أكثره ( متحيرة ) سميت به لتحيرها في أمرها وتسمى بالمحيرة أيضا لأنها حيرت الفقيه في أمرها ولهذا صنف الدارمي فيها مجلدا ضخما لخص المصنف مقاصده في المجموع وهي المستحاضة غير المميزة ولها ثلاثة أحوال : لأنها إما أن تكون ، أو لقدرها دون وقتها ، أو بالعكس . ناسية لقدرها ووقتها
وقد شرع في الأول فقال ( بأن نسيت ) أي جهلت ( عادتها قدرا ووقتا ) لنحو غفلة أو علة عارضة ، وقد تجن وهي صغيرة وتدوم لها عادة حيض ثم تفيق مستحاضة فلا تعرف شيئا مما سبق ( ففي قول ) هي ( كمبتدأة ) لأن العادة المنسية لا يستفاد منها حكم فتكون كالمعدومة ولأن الأخذ بالاحتياط الآتي فيه حرج شديد وهو منفي عن الأمة .
نعم لا يمكن إلحاقها بالمبتدأة في ابتداء دورها لأن ابتداء دور المبتدأة معلوم بظهور الدم ، بخلاف الناسية فيكون ابتداؤه أول الهلال ، ومتى أطلقوا الشهر في مسائل الاستحاضة عنوا به ثلاثين يوما سواء أكان ابتداؤه من أول الهلال أم لا إلا في هذا الموضع ( والمشهور وجوب الاحتياط ) عليها لاحتمال كل زمان يمر عليها للحيض والطهر والانقطاع ، ولا يمكن جعلها حائضا دائما [ ص: 347 ] لقيام الإجماع على بطلانه ، ولا طاهرا دائما لقيام الدم .
ولا التبعيض لأنه تحكم فاحتاطت للضرورة .
نعم تعتد لو طلقت بثلاثة أشهر اعتبارا بالغالب ودفعا للضرر كما سيأتي في بابه ; وإذا تمهد أن المشهور وجوب الاحتياط ( فيحرم الوطء ) على زوجها أو سيدها والمباشرة لها فيما بين سرتها وركبتها ويستمر وجوب نفقتها وكسوتها على [ ص: 348 ] زوجها ، ولا خيار له في فسخ نكاحها لأن وطأها متوقع ( و ) يحرم عليها ( مس المصحف ) وحمله بطريق الأولى ( والقراءة ) للفاتحة وللسورة ( في غير الصلاة ) كالحائض وإن خافت نسيان القرآن فيما يظهر لتمكنها من إجرائه على قلبها ، أما في الصلاة فجائزة مطلقا فاتحة أو غيرها ، وتفارق فاقد الطهورين الجنب حيث وجب عليه الاقتصار على الفاتحة بأن الجنب حدثه محقق وحدث هذه في كل وقت غير محقق ، وشمل كلامه تحريم المكث في المسجد عليها وصرح به في الروضة .
قال في المهمات : وهو متجه إن كان لغرض دنيوي : أي أو لا لغرض .
فإن كان للصلاة فكقراءة السورة فيها أو لاعتكاف أو طواف فكالصلاة فرضا ونفلا .
قال : ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمنت التلويث ا هـ .
وما أفهمه كلامه من جواز دخولها له للصلاة فرضا أو نفلا رده الوالد رحمه الله تعالى بمفهوم كلام [ ص: 349 ] الروضة من أنها لا يجوز لها دخوله لذلك لصحة الصلاة خارجه ، بخلاف الطواف ونحوه فإنه من ضرورته ( وتصلي الفرائض ) خارج المسجد ( أبدا ) وجوبا مكتوبة أو منذورة لاحتمال الطهر ، والقياس كما قاله الإسنوي أن صلاة الجنازة كذلك ( وكذا النفل في الأصح ) لأنه من مهمات الدين فلا وجه لحرمانها ذلك ، والثاني لا إذ لا ضرورة إليه كمس المصحف والقراءة في غير الصلاة ، وشمل إطلاقه التنفل بعد خروج وقت الفريضة وقد علم ما فيه مما مر .
ويجوز لها صوم النفل وطواف النفل له كالصلاة ، وسيأتي في صلاة الجماعة لزوم قضائها الصلاة وما يتعلق به ( وتغتسل لكل فرض ) لاحتمال تقدم الانقطاع ، وإنما تفعله بعد دخول وقته لأنه طهارة ضرورة كالتيمم .
نعم إن علمت وقته كعند الغروب لم تغتسل إلا له ، وخرج بالفرض النفل فلا يجب عليها الاغتسال له كما اقتضاه ظاهر [ ص: 350 ] كلام الأكثرين وجزم به في الكفاية وصرح به ابن المقري في شرح إرشاده وهو المعتمد ، وإذا اغتسلت لا يلزمها المبادرة للصلاة لكن لو أخرت لزمها الوضوء حيث يلزم المستحاضة المؤخرة . ومعلوم أنه لا غسل على ذات التقطع في النقاء إذا اغتسلت فيه ، ويلزمها إذا لم تنغمس أن ترتب بين أعضاء الوضوء فيما يظهر لاحتمال أنه واجبها والعبادة يحتاط لها ولا يلزمها نية الوضوء فيما يظهر أيضا إذ جهلها بالحال يصيرها كالغالط وهو يجزئه الوضوء بنية نحو الحيض ( وتصوم ) لزوما ( رمضان ) لاحتمال أن تكون طاهرة في جميعه ( ثم شهرا ) آخر ( كاملين ) حال من رمضان وشهرا وتنكيره [ ص: 351 ] غير مؤثر لتخصيصه بما قدرته وهي مؤكدة لرمضان لئلا يتوهم إطلاقه على بعضه بل مؤسسة كما يعلم من قولنا الآتي فالكمال إلى آخره .
ومؤسسة لشهرا لإفادتها أن المراد به ثلاثون يوما بأن يكون رمضان ثلاثين وتأتي بعده بمثلها متوالية ( فيحصل ) لها ( من كل ) منهما ( أربعة عشر ) يوما لاحتمال أن يكون حيضها أكثر الحيض وأن يبتدئ في أثناء يوم وحينئذ فينقطع في أثناء السادس عشر من ذلك اليوم ، ووجود الحيض في بعض اليوم مبطل له فيلزم ما قلناه ، فالكمال في رمضان قيد لغرض حصول الأربعة عشر لا لبقاء اليومين كما لا يخفى فلا اعتراض على المصنف ، كما لا يعترض عليه بأنه لا يبقى عليها شيء إذا علمت أن الانقطاع كان ليلا لوضوحه أيضا .
واحترز بكاملين عن الشهر الناقص ، فإذا نقص رمضان مثلا حصل لها منه ثلاثة عشر يوما والمقضي منه بكل حال ستة عشر يوما ، فإذا صامت بعد ذلك شهرا كاملا بقي عليها يومان ، وإذا بقي عليها يومان فطريقة براءة ذمتها منهما أن تفعل ما ذكره بقوله ( ثم تصوم من ثمانية عشر ) يوما ( ثلاثة أولها وثلاثة آخرها فيحصل ) لها ( اليومان الباقيان ) لأن الحيض إن طرأ في الأول منها فغايته أن ينقطع في السادس عشر فيصح لها اليومان الأخيران ، وإن طرأ في الثاني صح الطرفان ، أو في الثالث صح الأولان ، أو في السادس عشر صح [ ص: 352 ] الثاني والثالث ، أو في السابع عشر صح السادس عشر والثالث ، أو في الثامن عشر صح اللذان قبله ، ويحصل اليومان أيضا بأن تصوم لهما أربعة : أول الثمانية عشر ، واثنين آخرها أو بالعكس ، أو اثنين أولها واثنين آخرها واثنين وسطها ، وبأن تصوم لها خمسة الأول والثالث والخامس والسابع عشر والتاسع عشر ، ولا يتعين هذا المذكور في تحصيل ذلك كما هو مبسوط في المطولات ، بل بالغ بعضهم فقال : يمكن تحصيلهما بكيفيات تبلغ ألف صورة وواحدة ، ولعله في جميع مسائل الصوم بأنواعه لا في هذه الصورة بخصوصها لظهور فساده ( ويمكن قضاء يوم بصوم يوم ثم الثالث ) من الأول ( والسابع عشر ) منه لأن الحيض إن طرأ في الأول سلم الأخير أو في الثالث سلم الأول ، وإن كان آخر الحيض الأول سلم الثالث أو الثالث سلم الأخير ، ولا يتعين اليوم الثالث للصوم الثاني ولا السابع عشر للصوم الثالث بل لها أن تصوم بدل الثالث يوما بعده إلى آخر الخامس عشر وبدل السابع عشر يوما بعده إلى آخر تسعة وعشرين بشرط أن يكون المخلف من أول السادس عشر مثل ما بين صومها الأول والثاني أو أقل منه ، فلو صامت الأول والثالث والثامن عشر لم يجز لأن المخلف من أول السادس عشر يومان وليس بين الصومين الأولين إلا يوم ، وإنما امتنع ذلك لجواز أن ينقطع الحيض في أثناء الثالث ويعود في أثناء الثامن عشر ، ولو صامت الأول والرابع والثامن عشر جاز لأن المخلف أقل مما بين الصومين ، ولو صامت الأول والخامس عشر فقد تخلل بين الصومين ثلاثة عشر فلها أن تصوم التاسع والعشرين لأن المخلف مماثل وأن تصوم قبله لأنه أقل .
نعم لا يكفي أن تصوم السادس عشر لأنها لم تخلف شيئا ، وإنما ذكر المصنف وغيره ذلك لبيان أن السبعة عشر أقل مدة يمكن فيها قضاء اليوم الواحد .
وضابط الطريقة الأولى أن تصوم قدر ما عليها متواليا في خمسة عشر يوما ثم تصوم قدره متواليا من سابع عشر صومها الأول ثم تصوم يومين بين الصومين سواء اتصلا بالصوم الأول أم لا ، وسواء أوقعا مجتمعين أم متفرقين .
وضابط الطريقة الثانية أن تصوم قدر ما عليها مفرقا في خمسة عشر يوما مع زيادة صوم يوم ، ثم تصوم قدره من سابع عشر صومها الأول من غير زيادة ، فتصوم يوما وثالثه وسابع عشره ، والطريقة [ ص: 353 ] الأولى تأتي في أربعة عشر يوما فما دونها ، والثانية تأتي في سبعة أيام فما دونها .
هذا كله في غير المتتابع ، أما هو بنذر أو غيره ، فإن كان سبعا فما دونها صامته ولاء ثلاث مرات ، الثالثة منها من سابع عشر شروعها في الصوم بشرط أن تفرق بين كل مرتين من الثلاث بيوم فأكثر حيث يتأتى الأكثر ، فإن كان أربعة عشر يوما فما دونها صامت له ستة عشر ولاء ثم تصوم قدر المتتابع أيضا ولاء ، فإن كان ما عليها شهرين صامت مائة وأربعين يوما ولاء .