الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
14 1 - حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11931أبو اليمان، قال: أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب، قال: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11863أبو الزناد، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه، nindex.php?page=hadith&LINKID=650013أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوالذي نفسي بيده nindex.php?page=treesubj&link=28647_28750_28683_16369لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده.
الأول: nindex.php?page=showalam&ids=11931أبو اليمان الحكم بن نافع، وقد ذكر.
الثاني: nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب ابن أبي حمزة الحمصي، وقد مر ذكره.
الثالث: nindex.php?page=showalam&ids=11863أبو الزناد بكسر الزاي، وبالنون، وهو عبد الله بن ذكوان المدني القرشي، وكان يغضب من هذه الكنية لكن اشتهر بها، ويكنى أيضا بأبي عبد الرحمن، وقد اتفق على إمامته، وجلالته، وكان nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري يسميه أمير المؤمنين في الحديث، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم: هو ثقة صاحب سنة، وهو ممن تقوم به الحجة إذ روى عنه الثقات، وشهد مع nindex.php?page=showalam&ids=166عبد الله بن جعفر جنازة. [ ص: 143 ] فهو إذن تابعي صغير، وروى عنه جماعات من التابعين، وهذا من فضائله; لأنه لم يسمع من الصحابة، وروى عنه التابعون، وولاه nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز خراج العراق، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد: رأيت أبا الزناد، وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب علم، وفقه، وشعر، وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة، وكان ربيعة يقول: شبر من خطوة خير من ذراع من علم. وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: nindex.php?page=showalam&ids=11863أبو الزناد أفقه من ربيعة. قال nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي: مات nindex.php?page=showalam&ids=11863أبو الزناد فجأة في مغتسله سنة ثلاثين ومائة، وهو ابن ست وستين سنة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: أصح أسانيد nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11863أبو الزناد، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، روى له الجماعة.
الرابع: الأعرج، وهو أبو داود عبد الرحمن بن هرمز، تابعي مدني قرشي، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، روى عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة، وعبد الرحمن بن القاري روى عنه nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى الأنصاري، nindex.php?page=showalam&ids=17298ويحيى بن أبي كثير، وآخرون، واتفقوا على توثيقه، مات بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة على الصحيح، روى له الجماعة.
واعلم أن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا لم يرو عن nindex.php?page=showalam&ids=13723عبد الرحمن بن هرمز هذا إلا بواسطة، وأما عبد الله بن يزيد بن هرمز فقد روى عنه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، وأخذ عنه الفقه، وهو عالم من علماء المدينة، قليل الرواية جدا، توفي سنة ثمان وأربعين ومائة، فحيث يذكر مالك بن هرمز، ويحكى عنه فإنما يريد nindex.php?page=showalam&ids=16474عبد الله بن يزيد هذا الفقيه; لأن nindex.php?page=showalam&ids=13723عبد الرحمن بن هرمز صاحب nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد المحدث هذا إنما يحدث عنه بواسطة ذلك، ووفاته سنة سبع عشرة ومائة على ما ذكرنا، وهذا وفاته سنة ثمان وأربعين ومائة، وهذا موضع التباس على كثير من الناس ذكرته للفرق بينهما فافهم.
الخامس: nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة، وقد مضى ذكره.
(بيان لطائف إسناده) منها أن فيه nindex.php?page=treesubj&link=29606_29140التحديث، والعنعنة، وفي بعض النسخ: أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب، فعلى هذا يكون فيه الإخبار أيضا، والتفريق بين حدثنا وأخبرنا لا يقول به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كما سيجيء في العلم، ومنها أن إسناده مشتمل على حمصيين ومدنيين، ومنها أنه قد وقع في (غرائب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك) nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني إدخال رجل، وهو nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة بن عبد الرحمن بين nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة في هذا الحديث، وهي زيادة شاذة، فقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي بدونها من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13564ابن منده من طريق nindex.php?page=showalam&ids=11970أبي حاتم الرازي، عن nindex.php?page=showalam&ids=11931أبي اليمان شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هذا الحديث مصرحا فيه بالتحديث في جميع الإسناد، وكذا nindex.php?page=showalam&ids=15397للنسائي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16633علي بن عياش عن nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب.
(بيان من أخرجه غيره) أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هنا، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس رضي الله عنهما، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في الإيمان، عن nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى، nindex.php?page=showalam&ids=12991وابن بشار، عن nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة، ورواه عن زهير، عن nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16131شيبان بن فروخ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16501عبد الوارث كلاهما، عن nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز بن صهيب، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، وفي رواية أخرى nindex.php?page=showalam&ids=15397للنسائي: nindex.php?page=hadith&LINKID=671189nindex.php?page=treesubj&link=28750حتى أكون أحب إليه من ماله، وأهله، والناس أجمعين.
(بيان الإعراب).
قوله: " والذي " الواو فيه للقسم، والذي صفة موصوفه محذوف تقديره، والله الذي.
nindex.php?page=treesubj&link=34079قوله: " حتى " للغاية هنا، وأكون منصوب بتقدير حتى أن أكون، وقد علم أن الفعل بعد حتى لا ينتصب إلا إذا كان مستقبلا، ثم إن كان استقباله بالنظر إلى زمن المتكلم فالنصب واجب نحو: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى. وإن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصة فالوجهان نحو: وزلزلوا حتى يقول الرسول. الآية. فإن قولهم إنما هو مستقبل بالنظر إلى الزلزال لا بالنظر إلى زمن قص ذلك علينا.
قوله: " أحب " نصب; لأنه خبر أكون، ولفظه أحب أفعل التفضيل بمعنى المفعول، وهو على خلاف القياس وإن كان كثيرا; إذ القياس أن يكون بمعنى الفاعل، وقال ابن مالك: إنما يشذ بناؤه للمفعول إذا خيف اللبس بالفاعل، فإن أمن بأن لم يستعمل الفعل للفاعل، أو قرن به ما يشعر بأنه للمفعول لا يشذ كقولهم. هو أشغل من ذات النحيين، وهو أكسر من البصل. وعبد الله بن أبي ألعن من لعن على لسان داود، وعيسى، ولا أحرم ممن عدم الإنصاف، ولا أظلم من قتيل كربلاء، وهو أزهى من الديك، وأرجى، وأخوف، وأهيب، ولا يقتصر على السماع لكثرة مجيئه. فإن قلت: لا يجوز الفصل بين الفعل ومعموله; لأنه كالمضاف، والمضاف إليه، فكيف وقع لفظة إليه هاهنا فصلا بينهما؟ قلت: الفصل بالأجنبي ممنوع لا مطلقا، والظرف فيه توسع فلا يمنع.
(بيان المعاني) فائدة القسم تأكيد الكلام به، ويستفاد منه جواز nindex.php?page=treesubj&link=24898القسم على الأمر المبهم توكيدا، وإن لم يكن هناك من [ ص: 144 ] يستدعي الحلف، ولفظ اليد من المتشابهات ففي مثل هذا افترق العلماء على فرقتين: إحداهما ما تسمى مفوضة، وهم الذين يفوضون الأمر فيها إلى الله تعالى قائلين: وما يعلم تأويله إلا الله. والأخرى تسمى مؤولة، وهم الذين يؤولون مثل هذا كما يقال: المراد من اليد القدرة عاطفين والراسخون في العلم (على الله) والأول أسلم، والثاني أحكم. قلت: ذكر nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة أن تأويل اليد بالقدرة، ونحو ذلك يؤدي إلى التعطيل، فإن الله تعالى أثبت لنفسه يدا، فإذا أولت بالقدرة يصير عين التعطيل، وإنما الذي ينبغي في مثل هذا أن نؤمن بما ذكره الله من ذلك على ما أراده، ولا نشتغل بتأويله فنقول: له يد على ما أراده لا كيد المخلوقين، وكذلك في نظائر ذلك.
قوله: " لا يؤمن " ، أي: إيمانا كاملا، ويقال: المراد من الحديث بذل النفس دونه صلى الله تعالى عليه وسلم، وقيل في قوله تعالى: nindex.php?page=treesubj&link=28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين أي: وحسبك من اتبعك من المؤمنين ببذل أنفسهم دونك، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال: قال nindex.php?page=showalam&ids=11863أبو الزناد: هذا من جوامع الكلم الذي أوتيه عليه الصلاة والسلام إذ أقسام المحبة ثلاثة: محبة إجلال وإعظام، كمحبة الوالد، ومحبة رحمة وإشفاق كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة الناس بعضهم بعضا، فجمع عليه السلام ذلك كله. قال القاضي: ومن محبته نصرة سنته والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته فيبذل نفسه وماله دونه، وبهذا يتبين أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا به، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إنافة قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد وولد، ومحسن ومتفضل، ومن لم يعتقد ذلك، واعتقد سواه، فليس بمؤمن، واعترضه الإمام أبو العباس أحمد القرطبي المالكي صاحب (المفهم)، فقال: ظاهر كلام nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض صرف المحبة إلى اعتقاد تعظيمه وإجلاله، ولا شك في كفر من لا يعتقد ذلك غير أنه ليس المراد بهذا الحديث اعتقاد الأعظمية; إذ اعتقاد الأعظمية ليس بمحبة، ولا مستلزما لها; إذ قد يحمد الإنسان إعظام شيء مع خلوه عن محبته. قال: فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك لم يكمل إيمانه على أن كل من آمن إيمانا صحيحا لا يخلو من تلك المحبة، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص رضي الله عنه: وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، nindex.php?page=hadith&LINKID=698200nindex.php?page=treesubj&link=28750_31198وأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه لما سمع هذا الحديث، قال: يا رسول الله، أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: ومن نفسك يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، فقال: ومن نفسي، فقال: الآن يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، وهذه المحبة ليست باعتقاد تعظيم بل ميل قلب، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك، قال الله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم; لأن المحبة ثمرة المعرفة، وهم بقدره ومنزلته أعلم، والله أعلم، ويقال: المحبة إما اعتقاد النفع، أو ميل يتبع ذلك أو صفة مخصصة لأحد الطرفين بالوقوع، ثم الميل قد يكون بما يستلذه بحواسه كحسن الصورة، ولما يستلذه بعقله كمحبة الفضل والجمال، وقد يكون لإحسانه إليه، ودفع المضار عنه، ولا يخفى أن المعاني الثلاثة كلها موجودة في رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال أنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايتهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعيم، ولا شك أن الثلاثة فيه أكمل مما في الوالدين لو كانت فيهما فيجب كونه أحب منهما; لأن المحبة ثابتة لذلك، حاصلة بحسبها، كاملة بكمالها.
(بيان الأسئلة والأجوبة) منها ما قيل: لم ما ذكر نفس الرجل أيضا، وإنما يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه. قال تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأجيب بأنه إنما خصص الوالد والولد بالذكر لكونهما أعز خلق الله تعالى على الرجل غالبا، وربما يكونان أعز من نفس الرجل على الرجل، فذكرهما إنما هو على سبيل التمثيل، فكأنه قال: حتى أكون أحب إليه من أعزته، ويعلم منه حكم غير الأعزة; لأنه يلزم في غيرهم بالطريق الأولى، أو اكتفى بما ذكر في سائر النصوص الدالة على وجوب كونه أحب من نفسه أيضا كالرواية التي بعده، ومنها ما قيل: هل يتناول لفظ الوالد الأم كما أن لفظ الولد يتناول الذكر والأنثى؟ وأجيب بأن الوالد إما أن يراد به ذات له ولد، وإما أن يكون بمعنى ذو ولد، نحو: لابن وتامر، فيتناولهما، وإما أن يكتفى بأحدهما عن الآخر كما يكتفى بأحد الضدين عن الآخر. قال تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سرابيل تقيكم الحر وإما [ ص: 145 ] أن يكون حكمه حكم النفس في كونه معلوما من النصوص الأخر، ومنها ما قيل: المحبة أمر طبيعي غريزي لا يدخل تحت الاختيار فكيف يكون مكلفا بما لا يطاق عادة، وأجيب بأنه لم يرد به حب الطبع بل حب الاختيار المستند إلى الإيمان. فمعناه لا يؤمن حتى يؤثر رضاي على هوى الوالدين، وإن كان فيه هلاكهما، ومنها ما قيل: ما وجه تقديم الوالد على الولد، وأجيب بأن ذلك للأكثرية; لأن كل أحد له والد من غير عكس. قلت: الأولى أن يقال: إنما قدم هاهنا الوالد نظرا إلى جانب التعظيم، وقدم الولد على الوالد في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي نظرا إلى جانب الشفقة والترحم.