الباب الثالث في الأعيان الخارجة من الأرض
فيه طرفان .
[ الطرف ] الأول : في المعادن ، وهي البقاع التي أودعها الله تعالى شيئا من الجواهر المطلوبة ، وهي قسمان ، ظاهرة ، وباطنة .
[ ص: 301 ] فالظاهرة : هي التي يبدو جوهرها بلا عمل ، وإنما السعي والعمل لتحصيله . ثم تحصيله قد يسهل ، وقد يكون فيه تعب ، وذلك كالنفط وأحجار الرحى ، والبرام ، والكبريت ، والقطران ، والقار ، والمومياء ، وشبهها ، فلا يملكها أحد بالإحياء والعمارة ، وإن زاد بها النيل . ولا يختص بها أيضا المتحجر ، وليس للسلطان إقطاعها ، بل هي مشتركة بين الناس كالمياه الجارية ، والكلأ ، والحطب . ولو ، لم يملك البقعة ، لفساد قصده . وأشار في " الوسيط " إلى خلاف فيه . والمعروف ، الأول . وإذا حوط رجل على هذه المعادن وبنى عليها دارا أو بستانا ، فالسابق أولى . ثم قال الجمهور : يقدم بأخذ قدر حاجته ، ولم يبينوا أنها حاجة يوم أو سنة . ازدحم اثنان على معدن ظاهر ، وضاق المكان
قال الإمام : والرجوع فيه إلى العرف ، فيأخذ ما تقتضيه العادة لأمثاله . وإذا وجهان أصحهما عند الأصحاب : يزعج . فأما إذا جاءا معا ، فالأصح أنه يقرع بينهما . أراد الزيادة على ما يقتضيه حق السبق ، فهل يزعج أم يأخذ ما شاء ؟
والثاني : يجتهد الإمام ويقدم من يراه أحوج وأحق . والثالث : ينصب من يقسم الحاصل بينهما . وقال العراقيون : الأوجه فيما إذا كانا يأخذان للحاجة . فإن كانا يأخذان للتجارة ، يهايأ بينهما . فإن تشاحا في الابتداء ، أقرع بينهما . والأشهر : إطلاق الأوجه . وعلى مقتضى قول العراقيين : إذا كان أحدهما تاجرا والآخر محتاجا ، يشبه أن يقدم المحتاج .
فرع [ إن كان ظاهرا لا يحتاج إلى حفر وتنحية تراب ، من ] المعادن الظاهرة ، الملح الذي ينعقد من الماء ، وكذا الجبلي . وفي بعض شروح " المفتاح " عد الملح الجبلي من المعادن الباطنة . وفي " التهذيب " [ ص: 302 ] عد الكحل والجص منهما ، وهما محمولان على ما إذا أحوج إظهارهما إلى حفر . ولو كان بقرب الساحل بقعة ، لو حفرت وسيق الماء إليها ظهر فيها الملح ، فليست هي من المعادن الظاهرة ، لأن المقصود منها يظهر بالعمل ، فللإمام إقطاعها ، ومن حفرها وساق الماء إليها ، وظهر الملح ، ملكها كما لو أحيا مواتا . والجص ، والمدر ، وأحجار النورة
القسم الثاني : ، وهي التي لا يظهر جوهرها إلا بالعمل والمعالجة ، كالذهب ، والفضة ، والفيروزج ، والياقوت ، والرصاص ، والنحاس ، والحديد ، وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض . وتردد الشيخ المعادن الباطنة أبو محمد ، في أن حجر الحديد ونحوه ، من الباطنة ، أم الظاهرة ، لأن ما فيها من الجوهر باد ؟ والمذهب أنه باطن ، لأن الحديد لا يستخرج منه إلا بعلاج ، وليس البادي على الحجر عين الحديد ، وإنما هو في مخيلته . ولو أظهر السيل قطعة ذهب ، أو أتى بها ، التحقت بالمعادن الظاهرة . إذا ثبت هذا ، قولان ، لتردده بين الموات والمعدن الظاهر ، أظهرهما : لا ، رجحه فالمعدن الباطن هل يملك بالحفر والعمل ؟ والأصحاب - رضي الله عنهم - . فإن قلنا : يملك ، فذاك إذا قصد التملك وحفر حتى ظهر النيل . فأما قبل الظهور ، فهو كالمتحجر ، وهذا كما إذا حفر بئرا في الموات على قصد التملك ، ملكها إذا وصل إلى الماء . وإذا اتسع الحفر ولم يوجد النيل إلا في الوسط ، أو في بعض الأطراف ، لم يقصر الملك على موضع النيل ، بل يملك أيضا مما حواليه مما يليق بحريمه ، وهو قدر ما يقف فيه الأعوان والدواب . ومن جاوز ذلك وحفر ، لم يمنع وإن وصل إلى العروق . ويجوز للسلطان أن يقطعه كالموات . وإن قلنا : لا يملك ، فالسابق إلى موضع منه أحق به ، لكن إذا طال مقامه ، ففي إزعاجه ما ذكرناه في المعادن الظاهرة . وقيل : لا يزعج هنا قطعا ، لأن هناك يمكن الأخذ دفعة فلا حاجة إلى الإطالة ، وهنا لا يحصل إلا بمشقة فقدم السابق . ولو ازدحم اثنان ، فعلى الأوجه التي هناك . وفي جواز إقطاعها على هذا القول ، [ ص: 303 ] قولان . أحدهما : المنع كالمعادن الظاهرة . وأظهرهما : الجواز ، ولا يقطع إلا قدرا يتأتى للمقطع العمل عليه والأخذ منه . وعلى القولين ، يجوز الشافعي ، فإنه إما كالمعدن الظاهر ، وإما كالموات . العمل في المعدن الباطن والأخذ منه بغير إذن الإمام
فرع
لو ، ملكه بلا خلاف ، لأنه بالإحياء ملك الأرض بأجزائها إن لم يعلم بها معدنا . فإن علم واتخذ عليه دارا ، فطريقان . أحدهما : على القولين السابقين . والثاني : القطع بالملك . وأما البقعة المحياة ، فقال الإمام : ظاهر المذهب ، أنها لا تملك ، لأن المعدن لا يتخذ دارا ولا مزرعة ، فالقصد فاسد . وقيل : يملكها . وكأن ما ذكرناه من الخلاف في المعادن الظاهرة عن " الوسيط " مأخوذ من هذا . أحيا مواتا ، ثم ظهر فيه معدن باطن
فرع
مما يتفرع على القولين في المعدن الباطن ، أنه إذا إن قلنا : يملك بالحفر والعمل ، فهو ملك للغانمين ، وإلا ، ففي جواز إقطاعه القولان السابقان . عمل عليه في الجاهلية ، هل يملك ؟ وهل يجوز إقطاعه ؟
فرع
، لا يصح منه بيعه على الصحيح ، لأن مقصوده النيل ، وهو متفرق في طبقات الأرض ، مجهول القدر والصفة ، فهو كبيع قدر مجموع من تراب [ ص: 304 ] المعدن وفيه النيل ، وهو باطل . وحكى الإمام وجها في جوازه ، لأن المبيع رقبة المعدن والنيل فائدته . مالك المعدن الباطن
فرع
لو ، لزمه رده ، ولا أجرة له . ولو تملك معدنا باطنا ، فجاء غيره واستخرج منه نيلا بغير إذنه الخلاف فيمن قال : اغسل ثوبي فغسل . ولو قال المالك : اعمل فيه واستخرج النيل لي ، ففعل ، ففي استحقاقه الأجرة ، أو قال : استخرج لنفسك ، فالحاصل لمالك المعدن ، لأنه هبة مجهول . وكان يمكن تشبيهه بإباحة ثمار البستان ، ولكن المنقول الأول . وفي استحقاقه الأجرة ، وجهان ، لكونه عمل لنفسه ، لكن لم يقع له ، ولا هو متبرع ، وبثبوتها قال قال : اعمل فما استخرجته فهو لك ابن سريج .
قلت : ثبوتها أصح . والله أعلم .
، ولو ، أو قال : فلك منه عشرة دراهم ، لم يصح ، لأن الأول أجرة مجهولة ، والثاني : قد لا يحصل هذا القدر . قال : اعمل فما استخرجته فهو بيننا مناصفة