
من ضمن التشريعات الإسلامية التي جاءت لتكريم المرأة ورفع الظلم عنها ما ورد في السنة النبوية من الترغيب بتربية البنات، وبيان فضلهن ومكانتهن، وقد جاءت تلك النصوص النبوية في ظل ما كان سائدا لدى العرب من وأد البنات، والتخلص منهن خوف العار والفضيحة، وهذه بعض النصوص النبوية في الحث على الإحسان إليهن وتربيتهن، وما يترتب على ذلك من الثواب العظيم.
أولا: تجريم وأد البنات:
وأد البنات بسكون الهمزة هو: دفن البنات بالحياة، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن، ويقال: إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه، ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها، فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية فتبعه العرب في ذلك. ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح.
وقد جرمت السنة النبوية هذا الفعل كما في صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».
وهذا تأكيد لما جاء في القرآن الكريم من التشنيع عليهم، وتقبيح فعلتهم، كما قال تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } (النحل: 58- 59). ومنه قول الله سبحانه {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} (التكوير:8).
ثانيا: الترغيب بإكرامهن وحسن تربيتهن:
في السنة النبوية القولية نصوص كثيرة في بيان فضل تربية البنات وتأديبهن والقيام عليهن، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم جزاء من حفظ حياتها الجنة كما في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولدت له ابنة، فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها - يعني الذكر - أدخله الله بها الجنة».
وفي إطعامهن والشفقة عليهن فضل عظيم كما في صحيح مسلم عن عائشة، أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار». وفي رواية: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له سترا من النار».
وفي معنى كلمة "أحسن إليهن" كلام للشراح، فقد وردت روايات أخرى تفصِّل في هذا الإحسان، فعند ابن ماجة زيادة: «وأطعمهن وسقاهن وكساهن»، عند الطبراني: «فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن»، وفي الأدب المفرد من حديث أبي سعيد: «فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن»، فدل هذا على أن الإحسان لا يحصل بالاقتصار على الحد الواجب، وإنما بشيء زائد عليه من الحسن الصحبة، وحسن التأديب، ورعاية حق الله فيهن.
وتدل الروايات السابقة على أن الإحسان إليهن لا يكون بإطعامهن وكسوتهن مع التفريط بتربيتهن، وتأديبهن، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه.
وقد يتساءل البعض لماذا هذا الاهتمام بالبنات، مع أن تربية الأبناء من الذكور فيها من المعاناة والمشقة ما لا يقل عن تربية البنات؟ والجواب كما قال زين الدين العراقي في طرح التثريب: إنما خص البنات بذلك لضعف قوتهن، وقلة حيلتهن، وعدم استقلالهن، واحتياجهن إلى التحصين، وزيادة كلفتهن، والاستثقال بهن، وكراهتهن من كثير من الناس، بخلاف الصبيان فإنهم يخالفونهن في جميع ذلك.
وفي سنن ابن ماجة عن عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جِدَتِهِ كُنَّ له حجابا من النار يوم القيامة». من جدته: أي من غناه.
وفي القيام بشأن البنات شرف الرفقة مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه. ولأحمد من حديث أم سلمة: «من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذاتي قرابة يحتسب عليهما حتى يغنيهما الله من فضله عز وجل، أو يكفيهما، كانتا له سترا من النار».
قال النووي في شرحه على مسلم: ومعنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما مأخوذ من العول وهو القرب ومنه ابدأ بمن تعول ومعناه جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين.
وقد ورد في السنة النبوية الحض على البنت المردودة، وهي المطلقة التي لا تجد من ينفق عليها غير الأب، واعتبر الإحسان إليها من أفضل الصدقات، كما في سنن ابن ماجة عن سراقة بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أدلكم على أفضل الصدقة؟ ابنتك مردودة إليك ليس لها كاسب غيرك».
وفي النهاية لابن الأثير: المردودة هي التي تطلق وترد إلى بيت أبيها.
وهذا التنبيه في غاية الأهمية لما قد تتعرض له البنت المطلقة من إهمال، وربما قسوة في التعامل من أهلها، بسبب العادات السيئة التي قد توجد في بعض المجتمعات، فأخبر عليه الصلاة والسلام أن الإحسان إليها هو أفضل الصدقة، مع ما سبق من فضائل الإحسان إلى البنات.
الهدي النبوي في التعامل مع البنات:
وإذا كانت تلك النصوص النبوية القولية قد أكدت على حق البنات، وعلى فضل الإحسان إليهن فإن التطبيق العملي للهدي النبوي ترجمة وافية لذلك، فقد كان له صلى الله عليه وسلم أربع بنات، كما قال النووي: وكان له أربع بنات: زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد، وفاطمة تزوجها على بن أبى طالب رضي الله عنه، ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه، تزوج رقية ثم أم كلثوم وتوفيتا عنده ولهذا سُمّي ذو النّورين، تُوفيَت رقية يوم بدر في رمضان سنة اثنتين من الهجرة، وتوفيت أم كلثوم في شعبان سنة تسع من الهجرة.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاملهن في أرقى ما يكون من اللطافة ورعاية المشاعر، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مرحبا بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها، فقالت: أسر إلي: «إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي». فبكيت، فقال: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين» فضحكت لذلك.
وفي صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني» ورواية مسلم: «إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها» .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطرق بيت ابنته يوقظها لتصلي من الليل، وهذه صورة قد يغفل عنها بعض الآباء، فيظنون أن الإحسان إلى البنات بالمطعم والمشرب والملبس، ففي الصحيحين أن علي بن أبي طالب أخبر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة، فقال: «ألا تصليان؟» فقلت: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه، وهو يقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} [الكهف: 54].