ومللت إلا من لقاء محدث حسن الحديث يزيدني تعليما
وقال القاضي لتفقهه على مذهب المعافي بن زكريا الجريري محمد بن جرير الطبري قال : نظير هذا قول . ابن الرومي
[ ص: 215 ]
ولقد سئمت مآربي وكان أطيبها الحديث
إلا الحديث فإنه مثل اسمه أبدا حديث
فهذا أعمى فلله در القائل : وبعض الناس يترك الصفات المطلوبة التي هي سبب لحصول الرتب العالية اتكالا على حسبه ونسبه ، وفعل آبائه
لسنا وإن كرمت أوائلنا أبدا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وقد روي أن رضي الله عنهم تمثل بهذين البيتين ، وقد أحسن القائل في قوله : زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
يا أيها المرء كن أخا أدب من عجم كنت أو من العرب
إن الفتى من يقول هأنذا ليس الفتى من يقول كان أبي
وأحسن في قوله : ابن الرومي
فلا تفتخر إلا بما أنت فاعل ولا تحسبن المجد يورث بالنسب
فلا لا يسود المرء إلا بفعله وإن عد آباء كراما ذوي حسب
إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة من الثمرات اعتده الناس في الحطب
وقد قال في صحاحه في عصم : وقوله : ما وراءك يا الجوهري عصام ؟ هو اسم حاجب النعمان بن المنذر ، وفي المثل كن عصاميا ولا تكن عظاميا يريدون به قوله :
نفس عصام سودت عصاما وصيرته ملكا هماما
وعلمته الكر والإقداما
[ ص: 216 ] ومن نظر في حال السلف وجماعة من علماء الخلف وجدهم لا يلتفتون إلى هذه الأعذار ، ولا يعرجون عليها ، وقد قيل
ومن يجتهد في نيل أمر ويصطبر ينله وإلا بعضه إن تعسرا
فما دمت حيا فاطلب العلم والعلى ولا تأل جهدا أن تموت فتعذرا
ولكن ينبغي فإنه أقرب إلى حصول المقصود ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { اغتنام أوقات الفراغ } رواه نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ من حديث البخاري . وذكر ابن عباس أبو حفص النحاس قول بعض الحكماء :
بادر إذا الحاجات يوما أمكنت بورودهن موارد الآفات
كم من مؤخر حاجة قد أمكنت لغد وليس غد له بموات
تأتي الحوادث حين تأتي جمة ونرى السرور يجيء في الفلتات
وكان الشاشي محمد بن الحسين الفقيه الشافعي المشهور المتوفى سنة سبع وخمسمائة ينشد :
تعلم يا فتى والعود رطب وطينك لين والطبع قابل
وقال ابن الجوزي : إن أبا بكر أحمد بن محمد الدينوري الحنبلي تلميذ المتوفى في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة قال أنشدني : أبي الخطاب
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن مكنونها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وإرشاد أستاذ وطول زمان
قال وأنشدني رحمه الله تعالى : [ ص: 217 ]
تمنيت أن تمسي فقيها مناظرا بغير عناء والجنون فنون
وليس اكتساب المال دون مشقة تلقيتها فالعلم كيف يكون
قال ابن الجوزي : ما يتناهى في طلب العلم إلا عاشق ، والعاشق ينبغي أن يصبر على المكاره . ومن ضرورة المتشاغل به البعد عن الكسب ، وقد فقد التفقد لهم من الأمراء ومن الإخوان ، ولازمهم الفقر ، والفضائل ينادى عليها :
{ هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا } فلما أجابت قالت : مرارة الابتلاء
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
ثم ذكر الإمام وشأنه وقال : فما شاع له الذكر الجميل جزافا ، ولا ترددت الأقدام إلى قبره إلا لمعنى عجيب ، فيا له ثناء ملأ الآفاق وجمالا زين الوجود ، وعزا نسخ كل ذل ، هذا في العاجل ، وثواب الآجل لا يوصف ، وتلمح قبور أكثر العلماء لا تعرف ولا تزار ، ترخصوا وتأولوا وخالطوا السلاطين فذهبت بركة العلم ومحي الجاه ، ووردوا عند الموت حياض الندم ، فيالها حسرات لا تتلافى ، وخسرانا لا ينجبر ، كانت صحبة اللذات كطرفة عين ، ولازم الأسف دائما . وقد قال أحمد رضي الله عنه : الشافعي
يا نفس ما هو إلا صبر أيام كأن مدتها أضغاث أحلام
يا نفس جوزي عن الدنيا مبادرة وخل عنها فإن العيش قدامي
ثم أيها العالم الفقير أيسرك ملك سلطان من السلاطين ، وأن ما تعلمه من العلم لا تعلمه ؟ كلا ما أظن المتيقظ يؤثر هذا ، ثم أنت إذا وقع لك خاطر مستحسن ، أو معنى عجيب تجد لذة لا يجدها ملتذ باللذات الحسية ، فقد حرم من رزق اللذات الحسية ما قد رزقت . وقد شاركتهم في قوام العيش ، ولم يبق إلا الفضول التي إذا حذفت لم تكد تضر ، ثم هي على المخاطرة في [ ص: 218 ] باب الآخرة غالبا وأنت على السلامة في الأغلب ، فتلمح يا أخي عواقب الأحوال ، واقمع الكسل المثبط عن الفضائل .