الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال الترمذي : حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا زياد بن الربيع : حدثنا خالد بن سلمة المخزومي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : ما أشكل علينا - أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديث قط ، فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علما . هذا حديث حسن غريب .

                                                                                      عبد الرحمن بن المبارك : حدثنا زياد بن الربيع : حدثنا خالد بن أبي سلمة المخزومي ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : ما أشكل علينا . . ، فذكره .

                                                                                      فأما زياد ، فثقة . وخالد - صوابه : ابن سلمة - احتج به مسلم .

                                                                                      بشر بن المفضل : حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن ابن أبي مليكة : أن ذكوان : أبا عمرو ، حدثه قال : جاء ابن عباس رضي الله عنهما - يستأذن على عائشة ، وهي في الموت . قال : فجئت وعند رأسها عبد الله ابن [ ص: 180 ] أخيها عبد الرحمن ، فقلت : هذا ابن عباس يستأذن . قالت : دعني من ابن عباس ، لا حاجة لي به ، ولا بتزكيته ، فقال عبد الله : يا أمه ، إن ابن عباس من صالحي بنيك ، يودعك ويسلم عليك .

                                                                                      قالت : فائذن له إن شئت . قال : فجاء ابن عباس ، فلما قعد ، قال : أبشري ، فوالله ما بينك وبين أن تفارقي كل نصب ، وتلقي محمدا صلى الله عليه وسلم والأحبة ، إلا أن تفارق روحك جسدك .

                                                                                      قالت : إيها ، يا ابن عباس ! قال : كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم . - يعني : إليه - ولم يكن يحب إلا طيبا ، سقطت قلادتك ليلة الأبواء ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلقطها ، فأصبح الناس ليس معهم ماء ، فأنزل الله فتيمموا صعيدا طيبا فكان ذلك من سببك ، وما أنزل الله بهذه الأمة من الرخصة . ثم أنزل الله - تعالى - براءتك من فوق سبع سماوات ، فأصبح ليس مسجد من مساجد يذكر فيها الله إلا براءتك تتلى فيه آناء الليل والنهار . قالت : دعني عنك يا ابن عباس ، فوالله لوددت أني كنت نسيا منسيا .

                                                                                      يحيى القطان ، عن عمر بن سعيد ، عن ابن أبي مليكة : أن ابن عباس استأذن على عائشة ، وهي مغلوبة ، فقالت : أخشى أن يثني علي ، فقيل : ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن وجوه المسلمين . قالت : ائذنوا له ، فقال : كيف تجدينك ؟ فقالت : بخير إن اتقيت . قال : فأنت بخير إن شاء الله ، [ ص: 181 ] زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يتزوج بكرا غيرك ، ونزل عذرك من السماء .

                                                                                      فلما جاء ابن الزبير ، قالت له : جاء ابن عباس ، وأثنى علي ، ووددت أني كنت نسيا منسيا .

                                                                                      وقال القاسم بن محمد : اشتكت عائشة ، فجاء ابن عباس ، فقال : يا أم المؤمنين ، تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر رضي الله عنه .

                                                                                      أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن علوان : أخبرنا ابن قدامة سنة إحدى عشرة وستمائة : أخبرنا محمد بن البطي : أخبرنا أحمد بن الحسن : أخبرنا أبو القاسم بن بشران : أخبرنا أبو الفضل بن خزيمة : حدثنا محمد بن أبي العوام : حدثنا موسى بن داود : حدثنا أبو مسعود الجرار ، عن علي بن الأقمر ، قال : كان مسروق إذا حدث عن عائشة ، قال : حدثتني الصديقة بنت الصديق ، حبيبة حبيب الله ، المبرأة من فوق سبع سماوات ، فلم أكذبها .

                                                                                      الأعمش : عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : قلنا له : هل كانت [ ص: 182 ] عائشة تحسن الفرائض ؟ قال : والله ، لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض .

                                                                                      أنبأنا ابن قدامة ، وابن علان ، قالا : أخبرنا حنبل : أخبرنا ابن الحصين : أخبرنا ابن المذهب : أخبرنا أحمد بن جعفر : حدثنا عبد الله بن أحمد : حدثني أبي : حدثنا أبو معاوية عبد الله بن معاوية الزبيري ، قدم علينا مكة ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، قال : كان عروة يقول لعائشة : يا أمتاه ، لا أعجب من فقهك ؛ أقول : زوجة نبي الله ، وابنة أبي بكر . ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس ؛ أقول : ابنة أبي بكر ، وكان أعلم الناس . ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ومن أين هو ، أو ما هو ! .

                                                                                      قال : فضربت على منكبه ، وقالت : أي عرية ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره - أو في آخر عمره - وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه ، فتنعت له الأنعات ، وكنت أعالجها له ، فمن ثم .

                                                                                      قرأت على محمد بن قايماز : أخبركم محمد بن قوام : أخبرنا أبو سعيد الراراني أخبرنا أبو علي الحداد : أخبرنا أبو نعيم : أخبرنا عبد الله بن [ ص: 183 ] جعفر : أخبرنا أحمد بن الفرات ؛ أخبرنا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : ما رأيت أحدا أعلم بالطب من عائشة رضي الله عنها - ، فقلت : يا خالة ، ممن تعلمت الطب ؟ قالت : كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض ، فأحفظه .

                                                                                      سعيد بن سليمان ، عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : لقد صحبت عائشة ، فما رأيت أحدا قط كان أعلم بآية أنزلت ، ولا بفريضة ، ولا بسنة ، ولا بشعر ، ولا أروى له ، ولا بيوم من أيام العرب ، ولا بنسب ، ولا بكذا ، ولا بكذا ، ولا بقضاء ، ولا طب ، منها ، فقلت لها : يا خالة ، الطب ، من أين علمته ؟ فقالت : كنت أمرض فينعت لي الشيء ، ويمرض المريض فينعت له ، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض ، فأحفظه .

                                                                                      قال عروة : فلقد ذهب عامة علمها ، لم أسأل عنه .

                                                                                      إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا عمر بن عثمان ، عن ابن شهاب : حدثنا القاسم بن محمد : أن معاوية دخل على عائشة ، فكلمها . قال : فلما قام معاوية ، اتكأ على يد مولاها ذكوان ، فقال : والله ، ما سمعت قط أبلغ من عائشة ، ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عثمان التيمي ، ليس بالثبت .

                                                                                      الزهري - من رواية معمر والأوزاعي عنه ، وهذا لفظ الأوزاعي عنه - قال : أخبرني عوف بن الطفيل بن الحارث الأزدي - وهو ابن أخي عائشة [ ص: 184 ] لأمها : أن عائشة بلغها أن عبد الله بن الزبير كان في دار لها باعتها ، فتسخط عبد الله بيع تلك الدار ، فقال : أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها ، أو لأحجرن عليها .

                                                                                      قالت عائشة : أو قال ذلك ؟ قالوا : قد كان ذلك . قالت : لله علي ألا أكلمه ، حتى يفرق بيني وبينه الموت .

                                                                                      فطالت هجرتها إياه ، فنقصه الله بذلك في أمره كله ، فاستشفع بكل أحد يرى أنه يثقل عليها ، فأبت أن تكلمه .

                                                                                      فلما طال ذلك ، كلم المسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، أن يشملاه بأرديتهما ثم يستأذنا ، فإذا أذنت لهما ، قالا : كلنا ؟ حتى يدخلاه على عائشة ، ففعلا ذلك ، فقالت : نعم كلكم ، فليدخل ، ولا تشعر ، فدخل معهما ابن الزبير ، فكشف الستر ، فاعتنقها ، وبكى ، وبكت عائشة بكاء كثيرا ، وناشدها ابن الزبير الله والرحم ، ونشدها مسور وعبد الرحمن بالله والرحم ، وذكرا لها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فلما أكثروا عليها ، كلمته ، بعدما خشي ألا تكلمه . ثم بعثت إلى اليمن بمال ، فابتيع لها أربعون رقبة ، فأعتقتها .

                                                                                      قال عوف : ثم سمعتها بعد تذكر نذرها ذلك ، فتبكي ، حتى تبل خمارها . [ ص: 185 ]

                                                                                      قال ابن المديني : كذا قال . والصواب عندي : عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة . وكذلك رواه صالح بن كيسان ، عن الزهري ، وتابعه معمر .

                                                                                      قال عطاء بن أبي رباح : كانت عائشة أفقه الناس ، وأحسن الناس رأيا في العامة .

                                                                                      وقال الزهري لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء ، لكان علم عائشة أفضل .

                                                                                      قال حفص بن غياث : حدثنا إسماعيل ، عن أبي إسحاق ، قال : قال مسروق : لولا بعض الأمر ، لأقمت المناحة على أم المؤمنين ، يعني عائشة .

                                                                                      وعن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية