الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن العربي

                                                                                      الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو بكر ، محمد بن عبد الله بن [ ص: 198 ] محمد بن عبد الله ، ابن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي ، صاحب التصانيف .

                                                                                      سأله ابن بشكوال عن مولده ، فقال : في سنة ثمان وستين وأربعمائة .

                                                                                      سمع من خاله الحسن بن عمر الهوزني وطائفة بالأندلس .

                                                                                      وكان أبوه أبو محمد من كبار أصحاب أبي محمد بن حزم الظاهري بخلاف ابنه القاضي أبي بكر ; فإنه منافر لابن حزم ، محط عليه بنفس ثائرة .

                                                                                      ارتحل مع أبيه ، وسمعا ببغداد من طراد بن محمد الزينبي ، وأبي عبد الله النعالي ، وأبي الخطاب ابن البطر ، وجعفر السراج ، وابن الطيوري ، وخلق ، وبدمشق من الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي ، وأبي الفضل بن الفرات ، وطائفة ، وببيت المقدس من مكي بن عبد السلام الزميلي ، وبالحرم الشريف من الحسين بن علي الفقيه الطبري ، وبمصر من القاضي أبي الحسن الخلعي ، ومحمد بن عبد الله بن داود الفارسي وغيرهما .

                                                                                      وتفقه بالإمام أبي حامد الغزالي ، والفقيه أبي بكر الشاشي ، والعلامة [ ص: 199 ] الأديب أبي زكريا التبريزي ، وجماعة .

                                                                                      وذكر أبو القاسم بن عساكر أنه سمع بدمشق -أيضا- من أبي البركات ابن طاوس ، والشريف النسيب ، وأنه سمع منه عبد الرحمن بن صابر ، وأخوه ، وأحمد بن سلامة الأبار ، ورجع إلى الأندلس في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة .

                                                                                      قلت : رجع إلى الأندلس بعد أن دفن أباه في رحلته -أظن ببيت المقدس - وصنف ، وجمع ، وفي فنون العلم برع ، وكان فصيحا بليغا خطيبا .

                                                                                      صنف كتاب " عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي " وفسر القرآن المجيد ، فأتى بكل بديع ، وله كتاب " كوكب الحديث والمسلسلات " وكتاب " الأصناف " في الفقه ، وكتاب " أمهات المسائل " ، وكتاب " نزهة الناظر " وكتاب " ستر العورة " ، و " المحصول " في الأصول ، و " حسم الداء في الكلام على حديث السوداء " ، كتاب في الرسائل وغوامض النحويين ، وكتاب " ترتيب الرحلة للترغيب في الملة " و " الفقه الأصغر المعلب الأصغر " وأشياء سوى ذلك لم نشاهدها .

                                                                                      [ ص: 200 ] واشتهر اسمه وكان رئيسا محتشما ، وافر الأموال بحيث أنشأ على إشبيلية سورا من ماله .

                                                                                      حدث عنه : عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الحافظ ، وأحمد بن خلف الإشبيلي القاضي ، والحسن بن علي القرطبي ، وأبو بكر محمد بن عبد الله الفهري ، والحافظ أبو القاسم عبد الرحمن الخثعمي السهيلي ، ومحمد بن إبراهيم بن الفخار ، ومحمد بن يوسف بن سعادة ، وأبو عبد الله محمد بن علي الكتامي ، ومحمد بن جابر الثعلبي ، ونجبة بن يحيى الرعيني ، وعبد المنعم بن يحيى بن الخلوف الغرناطي ، وعلي بن أحمد بن لبال الشريشي ، وعدد كثير ، وتخرج به أئمة ، وآخر من حدث في الأندلس عنه بالإجازة في سنة ست عشرة وستمائة أبو الحسن علي بن أحمد الشقوري ، وأحمد بن عمر الخزرجي التاجر ، أدخل الأندلس إسنادا عاليا ، وعلما جما .

                                                                                      وكان ثاقب الذهن ، عذب المنطق ، كريم الشمائل ، كامل السؤدد ، ولي قضاء إشبيلية ، فحمدت سياسته ، وكان ذا شدة وسطوة ، فعزل ، وأقبل على نشر العلم وتدوينه .

                                                                                      [ ص: 201 ] وصفه ابن بشكوال بأكثر من هذا ، وقال أخبرني أنه ارتحل إلى المشرق في سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، وسمعت منه بقرطبة وبإشبيلية كثيرا .

                                                                                      وقال غيره : كان أبوه رئيسا وزيرا عالما أديبا شاعرا ماهرا ، اتفق موته بمصر في أول سنة ثلاث وتسعين فرجع ابنه إلى الأندلس .

                                                                                      قال أبو بكر محمد بن طرخان : قال لي أبو محمد بن العربي : صحبت ابن حزم سبعة أعوام ، وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب " الفصل " وقرأنا من كتاب " الإيصال " له أربع مجلدات ولم يفتني شيء من تواليفه سوى هذا .

                                                                                      كان القاضي أبو بكر ممن يقال : إنه بلغ رتبة الاجتهاد .

                                                                                      قال ابن النجار : حدث ببغداد بيسير ، وصنف في الحديث والفقه والأصول علوم القرآن والأدب والنحو والتواريخ ، واتسع حاله ، وكثر إفضاله ، ومدحته الشعراء ، وعلى بلده سور أنشأه من ماله .

                                                                                      وقد ذكره الأديب أبو يحيى اليسع بن حزم ، فبالغ في تقريظه ، وقال : ولي القضاء فمحن ، وجرى في أعراض الإمارة فلحن وأصبح تتحرك بآثاره الألسنة ، ويأتي بما أجراه عليه القدر النوم والسنة ، وما أراد إلا خيرا ، نصب السلطان عليه شباكه ، وسكن الإدبار حراكه ، فأبداه للناس صورة [ ص: 202 ] تذم ، وسورة تتلى لكونه تعلق بأذيال الملك ، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السلاطين وحزبهم ; بل داهن ، ثم انتقل إلى قرطبة معظما مكرما حتى حول إلى العدوة ، فقضى نحبه .

                                                                                      قرأت بخط ابن مسدي في " معجمه " ، أخبرنا أحمد بن محمد بن مفرج النباتي سمعت ابن الجد الحافظ وغيره يقولون : حضر فقهاء إشبيلية : أبو بكر بن المرجى وفلان وفلان ، وحضر معهم ابن العربي ، فتذاكروا حديث المغفر ، فقال ابن المرجى : لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري . فقال ابن العربي : قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك فقالوا : أفدنا هذا . فوعدهم ، ولم يخرج لهم شيئا ، وفي ذلك يقول خلف بن خير الأديب :

                                                                                      يا أهل حمص ومن بها أوصيكم بالبر والتقوى وصية مشفق     فخذوا عن العربي أسمار الدجى
                                                                                      وخذوا الرواية عن إمام متق     إن الفتى حلو الكلام مهذب
                                                                                      إن لم يجد خبرا صحيحا يخلق

                                                                                      قلت : هذه حكاية ساذجة لا تدل على تعمد ، ولعل القاضي -رحمه الله- وهم ، وسرى ذهنه إلى حديث آخر ، والشاعر يخلق الإفك ، ولم أنقم على القاضي -رحمه الله- إلا إقذاعه في ذم ابن حزم واستجهاله له ، وابن حزم أوسع [ ص: 203 ] دائرة من أبي بكر في العلوم ، وأحفظ بكثير ، وقد أصاب في أشياء وأجاد ، وزلق في مضايق كغيره من الأئمة ، والإنصاف عزيز .

                                                                                      قال أبو القاسم بن بشكوال توفي ابن العربي بفاس في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وفيها ورخه الحافظ أبو الحسن بن المفضل وابن خلكان .

                                                                                      وفيها توفي المسند الكبير أبو الدر ياقوت الرومي السفار صاحب ابن هزارمرد ، والمعمر أبو تمام أحمد بن محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي السفار صاحب ابن المسلمة بنيسابور ، والفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي الذي يروي الخطب والحافظ أبو علي الحسن بن مسعود ابن الوزير الدمشقي كهلا بمرو ، وقاضي القضاة أبو القاسم علي بن نور الهدى الحسين بن محمد الزينبي والمعمر أبو غالب محمد بن علي ابن الداية ومسند دمشق أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان ، ومفيد بغداد أبو بكر المبارك بن كامل الظفري [ ص: 204 ] الخفاف والشهيد شيخ المالكية أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي بدمشق .

                                                                                      قتل بأيدي الفرنج -رحمه الله .

                                                                                      أخبرنا محمد بن جابر القيسي المقرئ ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد القاضي بتونس ، أخبرنا أبو الربيع بن سالم الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن جيش الحافظ ، حدثنا القاضي أبو بكر بن العربي ، حدثنا طراد الزينبي ، حدثنا هلال بن محمد ، حدثنا الحسين بن عياش ، حدثنا أبو الأشعث ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا شعبة ، حدثنا جبلة بن سحيم ، عن ابن عمر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : من جر ثوبا من ثيابه من مخيلة فإن الله لا ينظر إليه .

                                                                                      وأخبرناه عاليا بدرجتين إسماعيل بن عبد الرحمن ، أخبرنا أبو محمد بن قدامة ، أخبرتنا شهدة وطائفة قالوا : أخبرنا طراد النقيب . . فذكره .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية