الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 569 ] ابن ماكولا

                                                                                      المولى ، الأمير الكبير ، الحافظ ، الناقد ، النسابة ، الحجة أبو نصر ، علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد ابن الأمير دلف ابن الأمير الجواد قائد الجيوش أبي دلف والقاسم بن عيسى العجلي الجرباذقاني ثم البغدادي ، صاحب كتاب " الإكمال في مشتبه النسبة " وغير ذلك ، وهو مصنف كتاب " مستمر الأوهام " . [ ص: 570 ] وعجل : هم بطن من بكر بن وائل ثم من ربيعة أخي مضر ابني نزار بن معد بن عدنان .

                                                                                      مولده في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة بقرية عكبرا . هكذا قال .

                                                                                      سمع بشرى بن مسيس الفاتني ، وعبيد الله بن عمر بن شاهين ، ومحمد بن محمد بن غيلان ، وأبا منصور محمد بن محمد السواق ، وأحمد بن محمد العتيقي ، وأبا بكر بن بشران ، والقاضي أبا الطيب الطبري ، وعبد الصمد بن محمد بن مكرم ، وطبقتهم ببغداد ، وأبا القاسم الحنائي ، وطبقته بدمشق ، وأحمد بن القاسم بن ميمون بن حمزة ، وعدة بمصر ، وسمع بخراسان وما وراء النهر والجبال والجزيرة والسواحل ، ولقي الحفاظ والأئمة .

                                                                                      حدث عنه : أبو بكر الخطيب شيخه ، والفقيه نصر المقدسي ، والحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ ، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق ، وشجاع بن فارس الذهلي ، وأبو عبد الله الحميدي ، ومحمد بن طرخان التركي ، وأبو علي محمد بن محمد بن المهدي ، وأبو القاسم بن السمرقندي ، وعلي بن أحمد بن بيان ، وعلي بن عبد السلام الكاتب ، وآخرون .

                                                                                      أخبرني أبو الحجاج يوسف بن زكي الحافظ ، أخبرنا محمد بن عبد الخالق الأموي ، أخبرنا علي بن المفضل ، أخبرنا أحمد بن محمد [ ص: 571 ] الأصبهاني ، وأخبرنا عبد الله بن أبي التائب ، أخبرنا محمد بن أبي بكر ، أنبأنا السلفي قال : أخبرنا أبو الغنائم النرسي ، أخبرنا أبو نصر علي بن هبة الله العجلي الحافظ ، حدثني أبو بكر أحمد بن مهدي ، حدثنا أبو حازم العبدوي ، حدثنا أبو عمرو بن مطر ، حدثنا إبراهيم بن يوسف الهسنجاني ، حدثنا أبو الفضل صاحب أحمد بن حنبل ، حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن أبي بكر بن حفص ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : كن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة .

                                                                                      أحمد بن مهدي هذا هو الخطيب ، أخبرنا به عبد الواسع الأبهري إجازة ، أخبرنا إبراهيم بن بركات ، أخبرنا أبو القاسم بن عساكر ، أخبرنا أبو القاسم النسيب ، أخبرنا الخطيب . فذكره ثم زاد في آخره : قال الهسنجاني : حدثناه عبيد الله بن معاذ . فذكره ، ثم قال الخطيب : رواه محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل ، عن إبراهيم الهسنجاني ، حدثنا الفضل بن زياد ، حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا زهير نحوه .

                                                                                      قلت : ففي رواية ابن ماكولا وقع خلل ، وهو قوله : أبو الفضل . وإنما هو الفضل ، وسقط عند يوسف الحافظ : حدثنا أحمد بن حنبل .

                                                                                      أنبأنا المؤمل بن محمد ، وأبو الغنائم القيسي ، قالا : أخبرنا زيد بن [ ص: 572 ] الحسن ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ ، قال : كتب إلي أحمد بن القاسم الحسيني من مصر ، وحدثني أبو نصر علي بن هبة الله ، عنه ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الأزهر السمناوي ، حدثنا أحمد - هو ابن عيسى الوشا - حدثنا موسى بن عيسى بالرملة - بغدادي سنة 250 - ، حدثنا يزيد ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن ، فيقول : من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والديه تحت التراب ؟ من أسكته فله الجنة .

                                                                                      قال الخطيب : هذا منكر ، رواته معروفون سوى موسى .

                                                                                      قلت : هو الذي افتراه .

                                                                                      أنبئت عن أبي محمد بن الأخضر وغيره ، عن ابن ناصر ، أن أبا نصر الأمير كتب إليه ، ( ح ) ، وأنبأنا أحمد بن سلامة ، عن الأرتاحي عن أبي الحسن بن الفراء ، عن ابن ماكولا قال : أخبرنا مظفر بن الحسن سبط ابن لال ، أخبرنا جدي أبو بكر أحمد بن علي ، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ ، أخبرنا محمد بن علي ابن الشاه ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم البغدادي بأنطاكية ، حدثنا [ ص: 573 ] محمد بن عبد الرحمن الحميري بمصر ، حدثنا خالد بن نجيح ، حدثنا سفيان الثوري ، عن ابن جريج ، عن فأفأة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تسبوا الأموات ، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا .

                                                                                      وقرأته بمصر على أبي المعالي أحمد بن إسحاق ، أخبرنا عبد السلام بن فتحة السرفولي ، حدثنا برقوه سنة ثماني عشرة وستمائة حضورا ، أخبرنا شهردار بن شيرويه الديلمي سنة 554 ، أخبرنا أحمد بن عمر البيع ، أخبرنا حميد بن مأمون ، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي في كتاب " الألقاب " له ، فذكره ثم قال : وفأفأة هو أبو معاوية الضرير . وقال ابن ماكولا : بل هو إسماعيل الكندي شيخ لبقية .

                                                                                      والحديث في " صحيح " البخاري حدثنا أدم ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، فهو يعلو لنا بدرجات ، فكأني لقيت فيه الشيرازي .

                                                                                      قال شيرويه الديلمي في كتاب " الطبقات " له : كان الأمير أبو نصر يعرف بالوزير سعد الملك ابن ماكولا ، قدم رسولا مرارا . سمعت منه ، وكان حافظا متقنا ، عني بهذا الشأن ، ولم يكن في زمانه بعد الخطيب [ ص: 574 ] أحد أفضل منه . حضر مجلسه الكبار من شيوخنا ، وسمعوا منه .

                                                                                      وقال أبو القاسم بن عساكر : وزر أبوه هبة الله لأمير المؤمنين القائم ، وولي عمه الحسين قضاء القضاة ببغداد . . . إلى أن قال : وولد في شعبان سنة إحدى وعشرين كذا هنا سنة إحدى .

                                                                                      قال الحميدي : ما راجعت الخطيب في شيء إلا وأحالني على الكتاب ، وقال : حتى أكشفه . وما راجعت ابن ماكولا في شيء إلا وأجابني حفظا كأنه يقرأ من كتاب .

                                                                                      قال أبو الحسن محمد بن مرزوق : لما بلغ الخطيب أن ابن ماكولا أخذ عليه في كتاب " المؤتنف " ، وأنه صنف في ذلك تصنيفا ، وحضر ابن ماكولا عنده ، وسأله الخطيب عن ذلك ، فأنكر ، ولم يقر به ، وأصر ، وقال : هذا لم يخطر ببالي . وقيل : إن التصنيف كان في كمه ، فلما ماتالخطيب أظهره . وهو الكتاب الملقب ب " مستمر الأوهام " .

                                                                                      قال محمد بن طاهر المقدسي : سمعت أبا إسحاق الحبال يمدح أبا نصر بن ماكولا ، ويثني عليه ، ويقول : دخل مصر في زي الكتبة ، فلم نرفع به رأسا ، فلما عرفناه كان من العلماء بهذا الشأن . [ ص: 575 ]

                                                                                      قال أبو سعد السمعاني : كان ابن ماكولا لبيبا ، عالما ، عارفا ، حافظا ، يرشح للحفظ حتى كان يقال له : الخطيب الثاني . وكان نحويا مجودا ، وشاعرا مبرزا ، جزل الشعر ، فصيح العبارة ، صحيح النقل ، ما كان في البغداديين في زمانه مثله ، طاف الدنيا ، وأقام ببغداد .

                                                                                      وقال ابن النجار : أحب العلم من الصبا ، وطلب الحديث ، وكان يحضر المشايخ إلى منزلهم ويسمع ، ورحل وبرع في الحديث ، وأتقن الأدب ، وله النظم والنثر والمصنفات . نفذه المقتدي بالله رسولا إلى سمرقند وبخارى لأخذ البيعة له على ملكها طمغان الخان .

                                                                                      قال هبة الله بن المبارك بن الدواتي : اجتمعت بالأمير ابن ماكولا ، فقال لي : خذ جزئين من الحديث ، فاجعل متون هذا لأسانيد هذا ، ومتون الثاني لأسانيد الأول ، حتى أردها إلى الحالة الأولى .

                                                                                      قال أبو طاهر السلفي : سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب ، فقال : جبل لا يسأل عن مثله ، ما رأينا مثله ، وما سألته عن شيء فأجاب في الحال ، إلا يرجع إلى كتابه .

                                                                                      قد مر أن الأمير كان يجيب في الحال ، وهذا يدل على قوة حفظه ، وأما الخطيب ففعله دال على ورعه وتثبته .

                                                                                      أخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا جعفر الهمداني ، أخبرنا أبو طاهر [ ص: 576 ] السلفي : سألت شجاعا الذهلي عن ابن ماكولا ، فقال : كان حافظا ، فهما ، ثقة ، صنف كتبا في علم الحديث .

                                                                                      قال المؤتمن الساجي الحافظ : لم يلزم ابن ماكولا طريق أهل العلم ، فلم ينتفع بنفسه .

                                                                                      قلت : يشير إلى أنه كان بهيئة الأمراء وبرفاهيتهم .

                                                                                      قال الحافظ ابن عساكر : سمعت إسماعيل بن السمرقندي يذكر أن ابن ماكولا كان له غلمان ترك أحداث ، فقتلوه بجرجان في سنة نيف وسبعين وأربعمائة .

                                                                                      وقال الحافظ ابن ناصر : قتل الحافظ ابن ماكولا ، وكان قد سافر نحو كرمان ومعه مماليكه الأتراك ، فقتلوه ، وأخذوا ماله ، في سنة خمس وسبعين وأربعمائة هكذا نقل ابن النجار هذا .

                                                                                      وقال الحافظ أبو سعد السمعاني : سمعت ابن ناصر يقول : قتل ابن ماكولا بالأهواز إما في سنة ست أو سنة سبع وثمانين وأربعمائة .

                                                                                      وقال السمعاني : خرج من بغداد إلى خوزستان ، وقتل هناك بعد الثمانين .

                                                                                      وقال أبو الفرج الحافظ في " المنتظم " : قتل سنة خمس [ ص: 577 ] وسبعين وقيل : سنة ست وثمانين .

                                                                                      وقال غيره : قتل في سنة تسع وسبعين وقيل سنة سبع وثمانين بخوزستان . حكى هذين القولين القاضي شمس الدين بن خلكان . قال : قتله غلمانه ، وأخذوا ماله ، وهربوا . رحمه الله .

                                                                                      ومن نظمه

                                                                                      قوض خيامك عن دار أهنت بها وجانب الذل إن الذل مجتنب     وارحل إذا كانت الأوطان مضيعة
                                                                                      فالمندل الرطب في أوطانه حطب



                                                                                      وله

                                                                                      ولما تواقفنا تباكت قلوبنا     فممسك دمع يوم ذاك كساكبه
                                                                                      [ ص: 578 ] فيا كبدي الحرى البسي ثوب حسرة     فراق الذي تهوينه قد كساك به


                                                                                      أخبرنا المؤمل بن محمد ، والمسلم بن علان كتابة قالا : أخبرنا زيد بن حسن ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ ، حدثني أبو نصر علي بن هبة الله ، حدثنا أبو إبراهيم أحمد بن القاسم العلوي ، حدثنا أبو الفتح إبراهيم بن علي ، حدثنا موسى بن نصر بن جرير ، أخبرنا إسحاق الحنظلي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا بكار بن عبد الله ، سمعت ابن أبي مليكة ، سمعت عائشة تقول : كانت عندي امرأة تسمعني ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي على تلك الحالة ، ثم دخل عمر ، ففرقت ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر : ما يضحكك يا رسول الله ! ؟ فحدثه ، فقال : والله لا أخرج حتى أسمع ما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فأسمعته .

                                                                                      قال الخطيب : أبو الفتح ساقط الرواية ، وأحسب موسى بن نصر اسما اختلقه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية