الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      السفاح

                                                                                      الخليفة أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن حبر الأمة ، عبد الله بن عباس ، بن عبد المطلب ، بن هاشم بن عبد مناف ، القرشي ، الهاشمي ، العباسي . أول الخلفاء من بني العباس .

                                                                                      كان شابا ، مليحا ، مهيبا ، أبيض ، طويلا ، وقورا .

                                                                                      هرب السفاح وأهله من جيش مروان الحمار ، وأتوا الكوفة ، لما استفحل لهم الأمر بخراسان ، ثم بويع في ثالث ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة . ثم جهز عمه عبد الله بن علي في جيش ، فالتقى هو ومروان الحمار على كشاف فكانت وقعة عظيمة ، ثم تفلل جمع مروان ، وانطوت سعادته . ولكن لم تطل أيام السفاح ، ومات في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وعاش ثمانيا وعشرين سنة في قول .

                                                                                      [ ص: 78 ] وقال الهيثم بن عدي وابن الكلبي : عاش ثلاثا وثلاثين سنة ، وقام بعده المنصور أخوه .

                                                                                      وقيل : بل مولده سنة خمس ومائة وقيل : خرج آل العباس هاربين إلى الكوفة ، فنزلوا على أبي سلمة الخلال ، فآواهم في سرب في داره . وكان أبو مسلم قد استولى على خراسان ، وعين لهم يوما يخرجون فيه ، فخرجوا في جمع كثيف من الخيالة ، والحمارة والرجالة ، فنزل الخلال إلى السرداب ، وصاح يا عبد الله ، مد يدك ، فتبارى إليه الأخوان . فقال : أيكما الذي معه العلامة ؟ .

                                                                                      قال المنصور : فعلمت أني أخرت ، لأني لم يكن معي علامة ، فتلا أخي العلامة وهي : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة الآية فبايعه أبو سلمة ، وخرجوا جميعا إلى جامع الكوفة ، فبويع ، وخطب الناس وهو يقول : فأملى الله لبني أمية حينا فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ، ورد علينا حقنا ، فأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير . . وكان موعوكا ، فجلس على المنبر ، فنهض عمه داود من بين يديه ، فقال : إنا -والله- ما خرجنا لنحفر نهرا ، ولا لنبني قصرا ، ولا لنكثر مالا ، وإنما خرجنا أنفة من ابتزازهم حقنا ، ولقد كانت أموركم تتصل بنا ، لكم ذمة الله ، وذمة رسوله ، وذمة العباس ، أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونسير فيكم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج عنا ، حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم .

                                                                                      فقام السيد الحميري وقال قصيدة . ثم نزل السفاح ودخل القصر ، وأجلس أخاه يأخذ بيعة العامة .

                                                                                      ومن كلامه : من شدد نفر ، ومن لان تألف ، ويقال : له هذان البيتان : [ ص: 79 ]

                                                                                      يا آل مروان إن الله مهلككم ومبدل أمنكم خوفا وتشريدا     لا عمر الله من أنسالكم أحدا
                                                                                      وبثكم في بلاد الله تبديدا



                                                                                      ثم تحول إلى الأنبار ، وبها توفي .

                                                                                      وكان إذا علم بين اثنين تعاديا لم يقبل شهادة ذا على ذا ، ويقول : العداوة تزيل العدالة .

                                                                                      ثم إن أبا مسلم جهز من قتل أبا سلمة الخلال الوزير بعد العتمة غيلة ، بعد أن قام من السمر عند السفاح ، فقالت العامة : قتلته الخوارج ، فقال سليمان بن مهاجر البجلي :

                                                                                      إن المساءة قد تسر وربما     كان السرور بما كرهت جديرا
                                                                                      إن الوزير وزير آل محمد     أودى فمن يشناك كان وزيرا



                                                                                      وقيل : بعد البيعة بأربعة أشهر .

                                                                                      وقيل : وجه عبد الله بن علي عم السفاح مشيخة شاميين إلى السفاح ليعجبه منهم ، فحلفوا له : إنهم ما علموا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرابة يرثونه سوى بني أمية ، حتى وليتم .

                                                                                      وعن السفاح قال : إذا عظمت القدرة ، قلت الشهوة . قل تبرع إلا ومعه حق مضاع ، الصبر حسن إلا على ما أوتغ الدين وأوهن السلطان .

                                                                                      قال الصولي : أحضر السفاح جوهرا من جوهر بني أمية ، فقسمه بينه وبين عبد الله بن حسن بن حسن ، وكان يضرب بجود السفاح المثل ، وكان إذا تعادى اثنان من خاصته ، لم يسمع من أحدهما في الآخر ، ويقول : الضغائن تولد العداوة .

                                                                                      [ ص: 80 ] وكان يحضر الغناء من وراء ستارة ، كما كان يفعل أزدشير ، ويجزل العطاء .

                                                                                      ولما جيء برأس مروان الحمار ، سجد لله وقال : أخذنا بثأر الحسين وآله ، وقتلنا مائتين من بني أمية بهم .

                                                                                      وقيل : إن السفاح أعطى عبد الله بن حسن بن حسن ألفي ألف درهم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية