الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عروة ( ع )

                                                                                      ابن حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمته صفية ، الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ، الإمام ، عالم المدينة ، أبو عبد الله القرشي الأسدي ، المدني ، الفقيه ، أحد الفقهاء السبعة .

                                                                                      حدث عن أبيه بشيء يسير لصغره ، وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وعن خالته أم المؤمنين عائشة ، ولازمها وتفقه بها .

                                                                                      وعن سعيد بن زيد ، وعلي بن أبي طالب ، وسهل بن أبي حثمة ، وسفيان بن عبد الله الثقفي ، وجابر ، والحسن ، والحسين ، ومحمد بن مسلمة ، وأبي حميد ، وأبي [ ص: 422 ] هريرة وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وأبي أيوب الأنصاري ، والمغيرة بن شعبة ، وأسامة بن زيد ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، وابنه عبد الله بن عمرو ، وأم هانئ بنت أبي طالب ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وحكيم بن حزام ، وابن عمر ، وخلق سواهم .

                                                                                      وعنه بنوه : يحيى وعثمان وهشام ومحمد ، وسليمان بن يسار ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وابن شهاب ، وصفوان بن سليم ، وبكر بن سوادة ، ويزيد بن أبي حبيب ، وأبو الزناد ، ومحمد بن المنكدر ، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن ، وهو يتيم عروة ، وصالح بن كيسان ، وحفيده عمر بن عبد الله بن عروة ، وابن أخيه محمد بن جعفر بن الزبير ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال خليفة ولد عروة سنة ثلاث وعشرين . فهذا قول قوي ، وقيل : مولده بعد ذلك .

                                                                                      قال مصعب بن عبد الله : ولد لست سنين خلت من خلافة عثمان .

                                                                                      وقال مرة : ولد سنة تسع وعشرين .

                                                                                      ويشهد لهذا ما رواه هشام بن عروة عن أبيه قال : أذكر أن أبي الزبير كان ينقزني ويقول : مبارك من ولد الصديق أبيض من آل أبي عتيق ألذه كما ألذ ريقي قال الزبير بن بكار : حدثنا محمد بن الضحاك ، قال : قال عروة : وقفت وأنا غلام أنظر إلى الذين قد حصروا عثمان - رضي الله عنه - وقد مشى [ ص: 423 ] أحدهم على الخشبة ليدخل إلى عثمان ، فلقيه عليها أخي عبد الله بن الزبير ، فضربه ضربة طاح قتيلا على البلاط ، فقلت لصبيان معي : قتله أخي . فوثب علي الذين حصروا عثمان ، فكشفوني ، فوجدوني لم أنبت ، فخلوني . هذه حكاية منقطعة .

                                                                                      أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : رددت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن يوم الجمل ، استصغرنا .

                                                                                      قال يحيى بن معين : كان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة ، فكل هذا مطابق ; لأنه ولد في سنة ثلاث وعشرين .

                                                                                      وقال الزبير : حدثني علي بن صالح ، حدثني عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير ، عن هشام بن عروة عن أبيه ، أنه قدم البصرة على ابن عباس وهو عامل عليها ، فيقال أنشده :

                                                                                      أمت بأرحام إليك قريبة ولا قرب بالأرحام ما لم تقرب

                                                                                      فقال لعروة : من قال هذا ؟ قال : أبو أحمد بن جحش . قال ابن عباس : فهل تدري ما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : لا . قال : قال له : " صدقت " ثم قال لي : ما أقدمك البصرة ؟ قلت : اشتدت الحال ، وأبى عبد الله أن يقسم سبع حجج وتألى حتى يقضي دين الزبير ، قال : فأجازني وأعطاني ، ثم لحق عروة بمصر ، فأقام بها بعد . [ ص: 424 ]

                                                                                      ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : كنت أتعلق بشعر في ظهر أبي .

                                                                                      ويروى عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، قال : كنا في خلافة معاوية ، وإلى آخرها ، نجتمع في حلقة بالمسجد ، بالليل ، أنا ، ومصعب وعروة ابنا الزبير ، وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الملك بن مروان ، وعبد الرحمن بن المسور ، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وكنا نتفرق بالنهار ، فكنت أنا أجالس زيد بن ثابت وهو مترئس بالمدينة في القضاء ، والفتوى ، والقراءة ، والفرائض ، في عهد عمر ، وعثمان ، وعلي ، ثم كنت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن نجالس أبا هريرة ، وكان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة .

                                                                                      قال هشام ، عن أبيه : ما ماتت عائشة حتى تركتها قبل ذلك بثلاث سنين .

                                                                                      مبارك بن فضالة ، عن هشام . عن أبيه ، أنه كان يقول لنا ونحن شباب : ما لكم لا تعلمون ، إن تكونوا صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار قوم ، وما خير الشيخ أن يكون شيخا وهو جاهل . لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج وأنا أقول : لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته ، ولقد كان يبلغني عن الصحابي الحديث فآتيه ، فأجده قد قال ، فأجلس على بابه ، ثم أسأله عنه . [ ص: 425 ]

                                                                                      عثمان بن عبد الحميد اللاحقي : حدثنا أبي قال : قال عمر بن عبد العزيز : ما أجد أعلم من عروة بن الزبير ، وما أعلمه يعلم شيئا أجهله .

                                                                                      قال أبو الزناد : فقهاء المدينة أربعة : سعيد ، وعروة ، وقبيصة ، وعبد الملك بن مروان .

                                                                                      ابن المديني ، عن سفيان ، عن الزهري ، قال : رأيت عروة بحرا لا تكدره الدلاء .

                                                                                      يحيى بن أيوب ، عن هشام ، قال : والله ما تعلمنا جزءا من ألفي جزء أو ألف جزء من حديث أبي . الأصمعي ، عن مالك ، عن الزهري ، قال : سألت ابن صعير عن شيء من الفقه ، فقال : عليك بهذا ، وأشار إلى ابن المسيب ، فجالسته سبع سنين لا أرى أن عالما غيره ، ثم تحولت إلى عروة ، ففجرت به ثبج بحر .

                                                                                      ابن أبي الزناد : حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، قال : دخلت مع أبي المسجد ، فرأيت الناس قد اجتمعوا على رجل ، فقال أبي : انظر من هذا ; فنظرت فإذا هو عروة ، فأخبرته وتعجبت ، فقال : يا بني ، لا تعجب ; لقد رأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه .

                                                                                      ابن عيينة ، عن الزهري ، قال : كان عروة يتألف الناس على حديثه . [ ص: 426 ]

                                                                                      وقال ابن نمير ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : كان يقال : أزهد الناس في عالم أهله . معمر ، عن هشام ، عن أبيه ، أنه أحرق كتبا له فيها فقه ، ثم قال : لوددت لو أني كنت فديتها بأهلي ومالي .

                                                                                      ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : ما رأيت أحدا أروى للشعر من عروة . فقيل له : ما أرواك للشعر ! فقال : ما روايتي ما في رواية عائشة ، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا .

                                                                                      ضمرة ، عن ابن شوذب ، قال : كان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف نظرا ، ويقوم به الليل ، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ; وكان وقع فيها الآكلة فنشرت ، وكان إذا كان أيام الرطب يثلم حائطه ، ثم يأذن للناس فيه ، فيدخلون يأكلون ويحملون .

                                                                                      الزبير في " النسب " : حدثنا يحيى بن عبد الملك الهديري ، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله المخزومي ، عن أبيه ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : العلم لواحد من ثلاثة : لذي حسب يزينه به ، أو ذي دين يسوس به دينه ، أو مختبط سلطانا يتحفه بعلمه ، ولا أعلم أحدا أشرط لهذه الخلال من عروة ، وعمر بن عبد العزيز . [ ص: 427 ]

                                                                                      أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، قال : لما اتخذ عروة قصره بالعقيق قال له الناس : جفوت مسجد رسول الله ! قال : رأيت مساجدهم لاهية ، وأسواقهم لاغية ، والفاحشة في فجاجهم عالية ; فكان فيما هنالك - عما هم فيه - عافية .

                                                                                      مصعب الزبيري ، عن جده ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : بعث إلي معاوية مقدمه المدينة ، فكشفني وسألني ، واستنشدني ، ثم قال لي : أتروي قول جدتك صفية بنت عبد المطلب : خالجت آباد الدهور عليهم وأسماء لم تشعر بذلك أيم فلو كان زبر مشركا لعذرته ولكنه - قد يزعم الناس - مسلم

                                                                                      قلت : نعم ، وأروي قولها :

                                                                                      ألا أبلغ بني عمي رسولا     ففيم الكيد فينا والإمار
                                                                                      وسائل في جموع بني علي     إذا كثر التناشد والفخار
                                                                                      بأنا لا نقر الضيم فينا     ونحن لمن توسمنا نضار
                                                                                      متى نقرع بمروتكم نسؤكم     وتظعن من أماثلكم ديار
                                                                                      ويظعن أهل مكة وهي سكن     هم الأخيار إن ذكر الخيار
                                                                                      مجازيل العطاء إذا وهبنا     وأيسار إذا حب القتار
                                                                                      ونحن الغافرون إذا قدرنا     وفينا عند عدوتنا انتصار
                                                                                      وأنا والسوابح يوم جمع     بأيديها وقد سطع الغبار



                                                                                      قال : وإنما قالت ذلك في قتل أبي أزيهر - تعير به أبا سفيان بن حرب ، [ ص: 428 ] وكان صهره . قتله هشام بن الوليد وذكر القصة . فقال معاوية : حسبك يا ابن أخي ، هذه بتلك .

                                                                                      ولعروة في قصره بالعقيق : بنيناه فأحسنا بناه بحمد الله في خير العقيق تراهم ينظرون إليه شزرا يلوح لهم على وضح الطريق فساء الكاشحين وكان غيظا لأعدائى وسر به صديقي يراه كل مختلف وسار ومعتمد إلى البيت العتيق

                                                                                      وقيل : لما فرغ من بنائه وبئاره دعا جماعة ، فطعم الناس ، وجعلوا يبركون وينصرفون .

                                                                                      الزبير : حدثني محمد بن حسن ، عن محمد بن يعقوب بن عتبة ، عن عبد الله بن عكرمة ، عن عروة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يكون في آخر أمتي مسخ وخسف وقذف ، وذلك عند ظهور شيء من عمل قوم لوط " قال عروة : فبلغني أنه قد ظهر شيء منه ، فتنحيت عنها ، وخشيت أن يقع وأنا بها ، وبلغني أنه لا يصيب إلا أهل القصبة .

                                                                                      قال الزبير : وأخبرني إبراهيم بن حمزة مثله بمثل إسناده .

                                                                                      وبئر عروة مشهور بالعقيق ، طيب الماء ، وفيه يقول الشاعر :

                                                                                      لو يعلم الشيخ غدوي بالسحر قصدا     إلى البئر التي كان حفر
                                                                                      [ ص: 429 ] في فتية مثل الدنانير غرر     وقاهم الله النفاق والضجر
                                                                                      بين أبي بكر وزيد وعمر     ثم الحواري لهم جد أغر
                                                                                      قد شمخ المجد هناك وازمخر     فهم عليها بالعشي والبكر
                                                                                      يسقون من جاء ولا يؤذى بشر     لزاد في الشكر وإن كان شكر



                                                                                      قال الزبير : حدثنا عمي مصعب بن عبد الله ، قال : كان عبد الله بن الزبير قد باع ماله بالغابة الذي يعرف بالسقاية من معاوية بمائة ألف دينار ، ثم قسمها في بني أسد وتيم ، فاشتري مجاح لعروة من ذلك بألوف دنانير .

                                                                                      الزبير : حدثنا مصعب بن عثمان ، عن عامر بن صالح ، عن هشام بن عروة ، قال : قدم عروة على عبد الملك بن مروان ، فأجلسه معه على السرير ، فجاء قوم فوقعوا في عبد الله بن الزبير ، فخرج عروة وقال للآذن : إن عبد الله أخي ، فإذا أردتم أن تقعوا فيه فلا تأذنوا لي عليكم . فذكروا ذلك لعبد الملك ، فقال له عبد الملك : حدثوني بما قلت ، وإن أخاك لم نقتله لعداوة ; ولكنه طلب أمرا وطلبناه ، فقتلناه ، وإن أهل الشام من أخلاقهم أن لا يقتلوا رجلا إلا شتموه ، فإذا أذنا لأحد قبلك ، فقد جاء من يشتمه ، فانصرف . ثم إن عروة قدم على الوليد حين شئفت رجله فقيل : اقطعها ، قال : أكره أن أقطع مني طائفا ، فارتفعت إلى الركبة ، فقيل له : إنها إن وقعت في ركبتك قتلتك . فقطعها ، فلم يقبض وجهه . وقيل له قبل أن يقطعها : نسقيك دواء لا تجد لها ألما ؟ فقال : ما يسرني أن هذا الحائط وقاني أذاها .

                                                                                      معمر ، عن الزهري ، قال : وقعت الآكلة في رجل عروة ، فصعدت في [ ص: 430 ] ساقه ، فبعث إليه الوليد ، فحمل إليه ودعا الأطباء فقالوا : ليس له دواء إلا القطع . فقطعت فما تضور وجهه .

                                                                                      عمرو بن عبد الغفار ، حدثنا هشام ، أن أباه وقعت في رجله الآكلة ، فقيل : ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال : إن شئتم . فقالوا : نسقيك شرابا يزول فيه عقلك ؟ فقال : امض لشأنك ، ما كنت أظن أن خلقا يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف به . فوضع المنشار على ركبته اليسرى ، فما سمعنا له حسا ، فلما قطعها جعل يقول : لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن ابتليت لقد عافيت . وما ترك جزءه بالقرآن تلك الليلة .

                                                                                      يعقوب الدورقي حدثنا عامر بن صالح ، عن هشام بن عروة ، أن أباه خرج إلى الوليد بن عبد الملك ، حتى إذا كان بوادي القرى ، وجد في رجله شيئا ، فظهرت به قرحة ، ثم ترقى به الوجع . وقدم على الوليد وهو في محمل ، فقال : يا أبا عبد الله اقطعها ، قال : دونك . فدعا له الطبيب ، وقال : اشرب المرقد ، فلم يفعل ، فقطعها من نصف الساق ، فما زاد أن يقول : حس ، حس . فقال الوليد : ما رأيت شيخا قط أصبر من هذا .

                                                                                      وأصيب عروة بابنه محمد في ذلك السفر ، ركضته بغلة في إصطبل ، فلم يسمع منه في ذلك كلمة . فلما كان بوادي القرى قال : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا اللهم كان لي بنون سبعة ، فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة ، وكان لي أطراف [ ص: 431 ] أربعة ، فأخذت طرفا وأبقيت ثلاثة ; ولئن ابتليت لقد عافيت ، ولئن أخذت لقد أبقيت .

                                                                                      وعن عبد الله بن عروة ، قال : نظر أبي إلى رجله في الطست ، فقال : إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط ، وأنا أعلم .

                                                                                      حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، أن أباه كان يسرد الصوم ، وأنه قال : يا بني ، سلوني ; فلقد تركت حتى كدت أنسى ، وإني لأسأل عن الحديث ، فيفتح لي حديث يومين .

                                                                                      قال الزهري : كان عروة يتألف الناس على حديثه .

                                                                                      أبو أسامة ، عن هشام ، أن أباه مات وهو صائم ، وجعلوا يقولون له : أفطر . فلم يفطر .

                                                                                      سليمان بن معبد : حدثنا الأصمعي ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : اجتمع في الحجر مصعب ، وعبد الله ، وعروة بنو الزبير ، وابن عمر ، فقالوا : تمنوا ، فقال عبد الله : أما أنا ، فأتمنى الخلافة . وقال عروة : أتمنى أن يؤخذ عني العلم . وقال مصعب : أما أنا ، فأتمنى إمرة العراق ، والجمع بين عائشة بنت طلحة ، وسكينة بنت الحسين . وأما ابن عمر فقال : أتمنى المغفرة . فنالوا ما تمنوا ، ولعل ابن عمر قد غفر له . [ ص: 432 ]

                                                                                      معمر ، عن الزهري ، قال : كنت آتي عروة ، فأجلس ببابه مليا ، ولو شئت أن أدخل دخلت ، فأرجع وما أدخل إعظاما له .

                                                                                      وعن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : خطبت إلى ابن عمر بنته سودة ونحن في الطواف ، فلم يجبني بشيء ، فلما دخلت المدينة بعده ، مضيت إليه ، فقال : أكنت ذكرت سودة ؟ قلت : نعم . قال : إنك ذكرتها ونحن في الطواف يتخايل الله بين أعيننا ، أفلك فيها حاجة ؟ قلت : أحرص ما كنت . قال : يا غلام ، ادع عبد الله بن عبد الله ، ونافعا مولى عبد الله . قال : قلت له : وبعض آل الزبير ؟ قال : لا . قلت : فمولى خبيب ؟ قال : ذاك أبعد . ثم قال لهما : هذا عروة بن أبي عبد الله ، وقد علمتما حاله ، وقد خطب إلي سودة ، وقد زوجته إياها بما جعل الله للمسلمات على المسلمين من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وعلى أن يستحلها بما يستحل به مثلها ، أقبلت يا عروة ؟ قلت : نعم قال : بارك الله لك .

                                                                                      قال هشام بن عروة : أقام ابن الزبير بمكة تسع سنين وعروة معه .

                                                                                      وقال ابن عيينة : لما قتل ابن الزبير خرج عروة إلى المدينة بالأموال ، فاستودعها وسار إلى عبد الملك ، فقدم عليه قبل البريد بالخبر ، فلما انتهى إلى الباب قال للبواب : قل لأمير المؤمنين : أبو عبد الله بالباب . فقال : من أبو عبد الله ؟ قال : قل له كذا . فدخل فقال : ها هنا رجل عليه أثر السفر . قال : كيت وكيت ، فقال : ذاك عروة فائذن له . فلما رآه زال له عن موضعه ، وجعل يسأله : كيف أبو بكر ؟ - يعني عبد الله بن الزبير - فقال : قتل رحمه الله . فنزل عبد الملك عن السرير ، فسجد . فكتب إليه الحجاج : إن عروة قد خرج [ ص: 433 ] والأموال عنده . قال : فقال له عبد الملك في ذلك . فقال : ما تدعون الرجل حتى يأخذ سيفه فيموت كريما ! فلما رأى ذلك ، كتب إلى الحجاج : أن أعرض عن ذلك .

                                                                                      قال ابن خلكان : هو الذي حفر بئر عروة بالمدينة ، وما بالمدينة أعذب من مائها .

                                                                                      جرير ، عن هشام بن عروة ، قال : ما سمعت أحدا من أهل الأهواء يذكر أبي بسوء .

                                                                                      قال أحمد بن عبد الله العجلي : عروة بن الزبير تابعي ثقة ، رجل صالح ، لم يدخل في شيء من الفتن .

                                                                                      وقال ابن خراش : ثقة .

                                                                                      قال معاوية بن إسحاق ، عن عروة ، قال : ما بر والده من شد الطرف إليه .

                                                                                      عامر بن صالح ، عن هشام بن عروة ، قال : سقط أخي محمد - وأمه بنت الحكم بن أبي العاص - من أعلى سطح في إصطبل الوليد ، فضربته الدواب بقوائمها فقتلته فأتى عروة رجل يعزيه ، فقال : إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها . قال : بل أعزيك بمحمد ابنك . قال : وما له ؟ فأخبره ، فقال : اللهم أخذت عضوا وتركت أعضاء ، وأخذت ابنا وتركت أبناء . فلما [ ص: 434 ] قدم المدينة أتاه ابن المنكدر ، فقال : كيف كنت ؟ قال : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : حدثني غير واحد أن عيسى بن طلحة جاء إلى عروة حين قدم ، فقال عروة لبعض بنيه : اكشف لعمك رجلي ، ففعل فقال عيسى : إنا والله - يا أبا عبد الله - ما أعددناك للصراع ، ولا للسباق ، ولقد أبقى الله منك لنا ما كنا نحتاج إليه ، رأيك وعلمك . فقال : ما عزاني أحد مثلك .

                                                                                      قال ابن خلكان كان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة ، فقال : والله ما بك حاجة إلى المشي ، ولا أرب في السعي ، وقد تقدمك عضو من أعضائك ، وابن من أبنائك إلى الجنة ، والكل تبع للبعض إن شاء الله . وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء ، من علمك ورأيك ، والله ولي ثوابك والضمين بحسابك .

                                                                                      قال الزبير : توفي عروة وهو ابن سبع وستين سنة .

                                                                                      وقال ابن المديني ، وأبو نعيم ، وشباب : مات عروة سنة ثلاث وتسعين .

                                                                                      وقال الهيثم ، والواقدي ، وأبو عبيد ، ويحيى بن معين ، والفلاس : سنة أربع وتسعين .

                                                                                      وقال يحيى بن بكير : سنة خمس وقيل غير ذلك ، ويقال : سنة إحدى ومائة ، وليس هذا بشيء .

                                                                                      ذكر شيخنا أبو الحجاج في " تهذيبه " : من شيوخ عروة : أمه أسماء ، [ ص: 435 ] وخالته ، وأسماء بنت عميس ، وأم حبيبة ، وأم سلمة ، وأم هانئ ، وأم شريك فاطمة بنت قيس ، وضباعة بنت الزبير ، وبسرة بنت صفوان ، وزينب بنت أبي سلمة ، وعمرة الأنصارية .

                                                                                      ومن الرواة عنه : بكر بن سوادة ، وتميم بن سلمة ، وجعفر الصادق ، وجعفر بن مصعب ، وحبيب بن أبي ثابت ، وحبيب مولى عروة ، وخالد بن أبي عمران قاضي إفريقية ، وداود بن مدرك ، والزبرقان بن عمرو بن أمية ، وزميل مولى عروة ، وسعد بن إبراهيم ، وسعيد بن خالد الأموي ، وسليمان بن عبد الله بن عويمر ، وسليمان بن يسار ، وشيبة الخضري ، وصالح بن حسان ، وصالح بن كيسان ، وصفوان بن سليم ، وعاصم بن عمر ، وعبد الله بن إنسان الطائفي ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وأبو الزناد ، وعبد الله الماجشون ، وابن أبي مليكة ، وابنه عبد الله بن عروة ، وعبد الله بن نيار ، وعبد الله البهي ، وعبد الرحمن بن حميد الزهري ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وابنه عثمان ، وعثمان بن الوليد ، وعراك بن مالك ، وعطاء بن أبي رباح ، وعلي بن جدعان ، وحفيده عمر بن عبد الله ، وعمر بن عبد العزيز ، وعمرو بن دينار ، وعمران بن أبي أنس ، ومجاهد بن وردان ، ومحمد بن إبراهيم التيمي ، وابن أخيه محمد بن جعفر بن الزبير ، وأبو الأسود يتيم عروة ، وابنه محمد بن عروة ، والزهري ، وابن المنكدر ، ومخلد بن خفاف ، ومسافع بن شيبة ، ومسلم بن قرط ، ومعاوية بن إسحاق ، ومنذر بن المغيرة ، وموسى بن عقبة ، وهشام ابنه ، وهلال الوزان ، والوليد بن أبي الوليد ، ووهب بن كيسان ، ويحيى بن أبي كثير - وقيل لم يسمع منه - ويزيد بن رومان ، ويزيد بن خصيفة ، ويزيد بن عبد الله بن قسيط ، ويزيد بن أبي يزيد ، وأبو بردة بن أبي موسى ، [ ص: 436 ] وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وهما من أقرانه ، وأبو بكر بن حفص الزهري . وقد روى رفيقه أبو سلمة أيضا عن عمر بن عبد العزيز ، عن عروة .

                                                                                      قال ابن سعد كان عروة ثقة ، ثبتا ، مأمونا ، كثير الحديث فقيها ، عالما .

                                                                                      وقال أحمد العجلي : مدني ثقة ، رجل صالح ، لم يدخل في شيء من الفتن .

                                                                                      وروى يوسف بن الماجشون ، عن ابن شهاب ، قال : كان إذا حدثني عروة ، ثم حدثتني عمرة ، صدق عندي حديث عمرة حديث عروة ، فلما تبحرتهما إذا عروة بحر لا ينزف

                                                                                      الأصمعي : عن ابن أبي الزناد ، قال : قال عروة : كنا نقول : لا نتخذ كتابا مع كتاب الله ، فمحوت كتبي ، فوالله لوددت أن كتبي عندي ، إن كتاب الله قد استمرت مريرته .

                                                                                      علي بن المبارك الهنائي ، عن هشام بن عروة ، أن أباه كان يصوم الدهر إلا يوم الفطر ويوم النحر ، ومات وهو صائم .

                                                                                      وقال هشام : قال أبي : رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزا طويلا . [ ص: 437 ]

                                                                                      وقال : ما حدثت أحدا بشيء من العلم قط لا يبلغه عقله إلا كان ضلالة عليه .

                                                                                      قال غير واحد : ولد عروة في آخر خلافة عمر وكان أصغر من أخيه عبد الله بعشرين سنة ، وقيل غير ذلك .

                                                                                      يعقوب الفسوي عن عيسى بن هلال ، عن شريح بن يزيد ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، عن عروة ، قال : كنت غلاما ، لي ذؤابتان ، فقمت أركع ركعتين بعد العصر ، فبصر بي عمر ومعه الدرة ، فلما رأيته فررت منه ، فلحقني ، فأخذ بذؤابتي ، قال : فنهاني . قلت : لا أعود .

                                                                                      الأشبه أن هذا جرى لأخيه عبد الله ، أو جرى له مع عثمان .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية