الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 449 ] أبو قتادة الأنصاري السلمي ( ع )

                                                                                      فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شهد أحدا ، والحديبية ، وله عدة أحاديث . اسمه الحارث بن ربعي ، على الصحيح ، وقيل : اسمه : النعمان ، وقيل : عمرو .

                                                                                      حدث عنه أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن يسار ، وعلي بن رباح ، وعبد الله بن رباح الأنصاري . وعبد الله بن معبد الزماني ، وعمرو بن سليم الزرقي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، ومعبد بن كعب بن مالك ، وابنه عبد الله بن أبي قتادة ، ومولاه نافع ; وآخرون .

                                                                                      روى إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : خير فرساننا أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع .

                                                                                      الواقدي : حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أمه ، عن أبيه ، [ ص: 450 ] قال : قال أبو قتادة : إني لأغسل رأسي ، قد غسلت أحد شقيه ، إذ سمعت فرسي جروة تصهل ، وتبحث بحافرها . فقلت : هذه حرب قد حضرت .

                                                                                      فقمت ، ولم أغسل شق رأسي الآخر ، فركبت ، وعلي بردة ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصيح : الفزع الفزع .

                                                                                      قال : فأدرك المقداد ، فسايرته ساعة ، ثم تقدمه فرسي ، وكان أجود من فرسه . وأخبرني المقداد بقتل مسعدة محرزا - يعني : ابن نضلة - فقلت للمقداد : إما أن أموت ، أو أقتل قاتل محرز .

                                                                                      فضرب فرسه ، فلحقه أبو قتادة ، فوقف له مسعدة ، فنزل أبو قتادة فقتله ، وجنب فرسه معه .

                                                                                      قال : فلما مر الناس ، تلاحقوا ، ونظروا إلى بردي ، فعرفوها ، وقالوا : أبو قتادة قتل! فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : لا ، ولكنه قتيل أبي قتادة عليه برده ، فخلوا بينه وبين سلبه وفرسه .

                                                                                      قال : فلما أدركني ، قال : اللهم بارك له في شعره وبشره ، أفلح وجهك ! قتلت مسعدة ؟ قلت : نعم . قال : فما هذا الذي بوجهك ؟ .

                                                                                      قلت : سهم رميت به ; قال : فادن مني . فبصق عليه ، فما ضرب علي قط ولا قاح .

                                                                                      فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة ; وكأنه ابن خمس عشرة سنة .

                                                                                      قال : وأعطاني فرس مسعدة وسلاحه
                                                                                      . [ ص: 451 ]

                                                                                      مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عام حنين ، فلما التقينا ، رأيت رجلا قد علا المسلمين ، فاستدرت له من ورائه ، فضربته بالسيف على حبل عاتقه ، ضربة قطعت منها الدرع ، فأقبل علي ، وضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أرسلني ، ومات . إلى أن قال : فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلا له بينة ، فله سلبه . فقمت ، فقلت : من يشهد لي ؟ وقصصت عليه ، فقال رجل : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي . فأرضه منه . فقال أبو بكر : لا ها الله ، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه! فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : صدق فأعطانيه ، فبعت الدرع ، وابتعت به مخرفا في بني سلمة ; فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام .

                                                                                      قال ابن سعد : كانت سرية أبي قتادة إلى حضرة ، وهي بنجد ، سنة ثمان ، وكان في خمسة عشر رجلا ، فغنموا مائتي بعير وألفي شاة ، وسبوا سبيا . ثم سرية أبي قتادة إلى بطن إضم بعد شهر .

                                                                                      الدراوردي ، عن أسيد بن أبي أسيد ، عن أبيه : قلت لأبي قتادة : مالك لا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما يحدث عنه الناس ؟ فقال : سمعت رسول [ ص: 452 ] الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : من كذب علي فليشهد لجنبه مضجعا من النار . وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك ، ويمسح الأرض بيده .

                                                                                      سمعه قتيبة منه .

                                                                                      شعبة ، عن أبي مسلمة عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : أخبرني من هو خير مني - أبو قتادة - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية .

                                                                                      ابن سعد : حدثنا أبو الوليد : حدثنا عكرمة بن عمار : حدثني عبد الله بن عبيد بن عمير : أن عمر بعث أبا قتادة ، فقتل ملك فارس بيده ، وعليه منطقة قيمتها خمسة عشر ألفا ، فنفلها إياه عمر .

                                                                                      قال خليفة : استعمل علي على مكة أبا قتادة الأنصاري ، ثم عزله بقثم بن العباس .

                                                                                      معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل : أن معاوية قدم المدينة ، فلقيه أبو قتادة ، فقال : تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار ، فما منعكم ؟ قالوا : لم يكن لنا دواب . قال : فأين النواضح ؟ . قال أبو [ ص: 453 ] قتادة : عقرناها في طلب أبيك يوم بدر ; إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لنا : إنكم ستلقون بعدي أثرة قال معاوية : فما أمركم ؟ قال : أمرنا أن نصبر .

                                                                                      قال : فاصبروا
                                                                                      .

                                                                                      وروي ، أن عليا كبر على أبي قتادة سبعا . فقال أبو بكر البيهقي : هذا غلط ; فإن أبا قتادة تأخر عن علي .

                                                                                      وقال الواقدي : لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلاف أنه توفي بالمدينة .

                                                                                      قال : وروى أهل الكوفة أنه توفي بها ، وأن عليا صلى عليه .

                                                                                      قال يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، والمدائني ، وسعيد بن عفير ، وابن بكير ، وشباب ، وابن نمير : مات أبو قتادة سنة أربع وخمسين .

                                                                                      معمر ، عن قتادة ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي قتادة ، قال : كنا مع [ ص: 454 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره ، إذ تأخر عن الراحلة ، فدعمته بيدي ، حتى استيقظ ، فقال : اللهم احفظ أبا قتادة كما حفظني منذ الليلة ، ما أرانا إلا قد شققنا عليك .

                                                                                      قال ابن سعد : أبو قتادة بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة .

                                                                                      قال : وقد اختلف علينا في اسمه : فقال ابن إسحاق : الحارث ; وقال ابن عمارة والواقدي : النعمان . وقيل : عمرو .

                                                                                      وله أولاد ، وهم : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وثابت ، وعبيد ، وأم البنين ، وأم أبان .

                                                                                      شهد أحدا والخندق .

                                                                                      أيوب ، عن محمد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى أبي قتادة ، فقيل : يترجل ; ثم أرسل إليه ، فقيل : يترجل ; ثم أرسل إليه ، فقيل : يترجل . فقال : احلقوا رأسه .

                                                                                      فجاء ، فقال : يا رسول الله ، دعني هذه المرة ، فوالله لأعتبنك فكان أول ما لقي قتل رأس المشركين مسعدة
                                                                                      [ ص: 455 ] معن القزاز : حدثنا محمد بن عمرو ، عن محمد بن سيرين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأى أبا قتادة يصلي ، ويتقي شعره ، فأراد أن يجزه ، فقال : يا رسول الله ، إن تركته ، لأرضينك . فتركه . فأغار مسعدة الفزاري على سرح أهل المدينة . فركب أبو قتادة فقتله ، وغشاه ببردته .

                                                                                      حماد بن سلمة : أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : من قتل كافرا فله سلبه . فقال أبو قتادة : يا رسول الله ، إني ضربت رجلا على حبل عاتقه وعليه درع له ، فأجهضت عنه . فقال رجل : أنا أخذتها ، فأرضه منها وأعطنيها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت ، فسكت . فقال عمر : لا يفيئها الله على أسد من أسده ، ويعطيكها . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال : صدق عمر .

                                                                                      وروى مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة : أن أبا قتادة قال : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- عام حنين . . . الحديث بنحو منه . وفيه : فقال أبو بكر : لا ها الله! إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله ، فيعطيك سلبه ، فأعطاني الدرع ، فبعته . قال : فابتعت به مخرفا ; فإنه لأول مال تأثلته .

                                                                                      الواقدي : حدثنا أسامة بن زيد الليثي ، عن الأعرج ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم حنين ، قتلت رجلا ، فجاء رجل ، [ ص: 456 ] فنزع عنه درعه ، فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقضى لي بها ، فبعتها بسبع أواقي من حاطب بن أبي بلتعة .

                                                                                      قال قتادة : كان أبو قتادة يلبس الخز .

                                                                                      قال الواقدي : لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل بلدنا اختلافا أن أبا قتادة توفي بالمدينة .

                                                                                      ابن نمير : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي ، قال : صلى علي على أبي قتادة ، فكبر عليه سبعا .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية