جواب شبهة حول إيمان من ترك الأعمال

7-11-2007 | إسلام ويب

السؤال:
رقـم الفتوى : 17836 عنوان الفتوى : جنس العمل شرط في صحة الإيمان تاريخ الفتوى : 06 ربيع الثاني 1423 / 17-06-2002 السؤال بالله عليكم اين الحقيقة
هل العمل في الإيمان شرط كمال أم شرط صحة مع الدليل وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان كما هو معروف عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل، قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل اللسان.
وقول القلب هو: الاعتقاد والتصديق، وعمله هو: الإخلاص والحب والخوف والرجاء وسائر أعمال القلوب التي هي واجبة باتفاق أئمة الدين.
وقول اللسان هو: النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما، وعمل الجوارح ما لا يؤدى إلا بها، وهي تابعة لأعمال القلوب ولازمة لها.
فالقلب إذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، وعدم الأعمال الظاهرة دليل على انتفاء الأعمال الباطنة، يقول الله تعالى:لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]. وقال تعالى:وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:81]. فالباطن والظاهر كما هو واضح في الآيات متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، إذا تقرر ذلك فالذي يعد شرطا في صحة الإيمان هو جنس العمل، فترك جنس العمل مخرج من الملة، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
قوله تعالى:وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول. انظر الفتاوى 7/142.
ويقول في موضع آخر: من الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج لله بيته، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح.
ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار كقوله تعالى:يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ*خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم،42-43]. مجموع الفتاوى 7/611.
أما العمل الذي هو شرط في كمال الإيمان فهو آحاده وأفراده، فمن ترك واجباً من الواجبات الشرعية أو ارتكب معصية، نقص إيمانه لكن لا يزول بالكلية. والأدلة على ذلك كثيرة، منها قول الله تعالى:وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9]. فسماهم مؤمنين رغم اقتتالهم وهو من الكبائر، فالإيمان عند أهل السنة شعب متفاوته -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- وكل شعبة تسمى إيماناً، وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة شهادة التوحيد، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك أماطة الأذى عن الطريق.
وهنا الفتوى الكلام العكس الفتوى رقمرقـم الفتوى : 100368
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المفرط في الأعمال هو التارك لها، لأن معنى المفرط في لغة العرب هو من يقصر في الأمر ويضيعه حتى يفوت وقته؛ كذا في الصحاح ولسان العرب، وهو بهذا يساوي تارك الأعمال، وقد سبق أن ذكرنا خطورة فعله في الفتوى المذكورة، وأنه لا يقر على ذلك، بل يؤمر بالإتيان بالأعمال، ويجبره السلطان عليها، ولكنا لا نرى أنه يكفر ما دام مقرا بشهادة التوحيد غير منكر للشرائع، بل هو ناقص الإيمان غير منفية بالكلية؛ لأن انتفاء الشعب لا ينفي الأصل، إلا أنه اختلف في تارك الصلاة، وقد ذهب الجمهور لعدم كفره. وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها:68656، 11344، 12284، 12517.
أيهما اصدق وقد سمعت بعض العلماء يقول انتفاء الظاهر دليل على انتفاء الباطن وان جنس العمل شرط صحة أما أفراد العمل كمال في الإيمان أي أنه لا يكفر بترك احاد أو أفراد العمل وهذا ما اسئل عنه العمل كله أو بمعنى اصح جنس العمل ولقد احترت لما وجدت هاتين الإجابتين متناقضين فأين الحقيقة

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فان العبد مكلف بالمعرفة والإقرار، والانقياد، والتزام طاعة الله ودينه ظاهراً وباطناً والقيام بجميع الواجبات والبعد عن جميع المحرمات ولا يجوز له التقصير في ذلك، وليس للأمة أن تقر أحدا منها على التقصير في الأعمال والتفريط فيها بل إن عليهم نصحه وأمره ونهيه حتى يستقيم على الطاعة.

ولكنه لو أقر بلسانه واعتقد الإيمان بقلبه ولم يعلم منه الإتيان بما يناقض التوحيد لا يكفر بترك الأعمال للأدلة الدالة على عدم خلوده في النار ففي حديث الصحيحين: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير. رواه البخاري

وقد ثبت في صحيح البخاري أن المؤمنين الذين اجتازوا الصراط يقفون يجادلون في إخوانهم الذين دخلوا النار فيقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون ويعملون معنا فيقول لهم: أخرجوا من عرفتم، فيخرجون خلقاً كثيراً، منهم من قد أخذته النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد مما أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط...

وقد أخرج البخاري ومسلم في حديث الشفاعة لمن دخل النار أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في آخر مرحلة من مراحل الشفاعة: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول الله: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.

 وإليك نص الحديث المذكور كما في صحيح البخاري عن معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون اشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيأتونني فأقول أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجداً، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يُسمع لك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل. فلما خرجنا من عند أنس قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة فحدثناه بما حدثنا أنس بن مالك فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا فقلنا له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة فقال: هيه فحدثناه بالحديث فانتهى إلى هذا الموضع فقال: هيه فقلنا لم يزد لنا على هذا فقال: لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا، قلنا: يا أبا سعيد فحدثنا فضحك وقال: خلق الإنسان عجولاً، ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم حدثني كما حدثكم به، وقال: ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطى واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.

و لقوله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. رواه البخاري ومسلم.

و لقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة" رواه مسلم.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه مسلم

ويدل لهذا أيضا إجماع الصحابة على عدم كفر من ترك غير الصلاة من الأعمال فقد قال التابعي عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة. رواه الترمذي بإسناد صحيح.

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يكفر تارك الصلاة بل هو فاسق مرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر، وقد استدلوا على عدم كفره بأدلة أتى على معظمها الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني ثم قال رحمه الله تعالى:

ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام.

وراجع فتح الباري لابن حجر وشرح النووي لمسلم.

والله أعلم.

 

www.islamweb.net