قصيدة في مدح النبي.. ملاحظات واستدراكات

20-1-2009 | إسلام ويب

السؤال:
ما حكم هذه الأبيات:
وإن ذكروا نجي الطور فاذكر نجي العرش مفتقراً لتغنى.. فإن الله كلم ذاك وحياً وكلم ذا مشافهةً وأدنى
ولو قابلت لفظة لن تراني لِما كذب الفؤاد فهمت معنى.. فموسى خرّ مغشياً عليه وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً
وان يك خاطب الأموات عيسى فإن الجذع حنّ له وأنّى.. وسلمت الجماد عليه نطقاً فأنّى يستوي الفتيان أنّى
وان يك درع داود لبوساً تقيه من اتّقاء البأس حصناً.. فدرع محمد القرآن لمّا تلا والله يعصمك اطمأنّ.
وإن وصفوا سليماناً بملك فذا كره الكنوز وقد عُرضن.. وبطحا مكةٍ ذهباً أباها يبيت الملك واللذات تفنى
وأهلك قومه في الأرض نوحُ بدعوة لا تذر أحد فأفنى.. ودعوة أحمد ربِّ اهد قومي فهم لا يعلمون كما علمنا.
وكلُّ المرسلين يقول نفسي وأحمد أمتي إنساً وجناً.. وكلُّ الأنبياء بذور هديٍ وأنت الشمس أكملهم وأدنى
للعلم هذا نشيد للمنشد عماد رامي..

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا خلاف بين العلماء في أن الأنبياء درجات وأن بعضهم أفضل من بعض؛ لقول الله تعالى: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا {الإسراء: 55}.

 وقوله: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ { البقرة: 253}.

 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا سيد الناس يوم القيامة. متفق عليه.

ومع ذلك فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن المفاضلة بينهم، حيث قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: لا تخيروا بين الأنبياء، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تفضلوا بين أنبياء الله.

وقد ذكر أهل العلم في توجيه هذا النهي أقوالا، منها أنه إنما نهى عن الخوض في ذلك لئلا يؤدي إلى أن يذكر بعضهم بما لا ينبغي، ويقل احترامه عند المماراة.

وقال ابن عطية وابن تيمية: إنما نهي عن تعيين المفضول، بخلاف ما لو فضل من غير تعيين.

وقال شارح الطحاوية: المنهي عنه التفضيل إذا كان على وجه العصبية والفخر والحمية وهوى النفس، أو على وجه الانتقاص للمفضول.

والأبيات المذكورة في السؤال فيها شيء من هذه الأمور التي ينهى من أجلها عن المفاضلة بين الأنبياء. ويكفي المسلم أن يذكر فضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء مطلقا، دون أن يعقد مقارنة بينهم صلى الله عليهم جميعا وسلم.

مع ما في الأبيات من مجانبة للصواب في بعض معانيها.

ومن ذلك قوله: فإن الله كلم ذاك وحياً     وكلم ذا مشافهةً وأدنى, فإن تكليم الله عز وجل لموسى لم يكن وحياً، وإنما كان مشافهة، كما نص عليه القرآن مؤكَّدا بالمفعول المطلق في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا {النساء:164}، وقال سبحانه: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ {الأعراف:143}.

ولذلك يضرب أكثر المفسرين المثال بموسى عليه السلام لتكليم الله لبشر من وراء حجاب، المذكور في قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ {الشورى:51}.

 ومعناه أنه كلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه، ومن هؤلاء الطبري وابن كثير وابن الجوزي وأبو حيان والشوكاني والسعدي..

ومن ذلك أيضا قوله:

 ولو قابلت لفظة لن تراني    * لِما كذب الفؤاد فهمت معنى ..

 فموسى خرّ مغشياً عليه    * وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً.

 فإن مبنى هذا الكلام على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه في رحلة المعراج، وفي هذا نزاع مشهور بين أهل العلم ابتداءً في ما هو المرئي، أهو الله تعالى أم جبريل عليه السلام، ثم هل رأى ما رآه بفؤاده أم بعينه. فقد روى مسلم عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.

وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 26506. بيان أن الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نورا وهو الحجاب. كما روى مسلم في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قد سألته - أي عن رؤيته لربه - فقال: رأيت نورا. 

 وفي مسلم أيضا من حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال: نور أنى أراه. أي كيف أراه.

حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. رواه مسلم. وسبق إيراد الحديث بطوله في الفتوى رقم: 2426

ومن ذلك قوله:

وإن يك درع داود لبوساً    * تقيه من اتّقاء البأس حصناً .

 فدرع محمد القرآن لمّا    * تلا والله يعصمك اطمأنّا .

فإنه يعني بذلك قوله تعال: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ {المائدة: 67}، وهذا لا يمنع النبي من لبس الدروع أخذا بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، وقد ثبت بالفعل أنه صلى الله عليه وسلم لبس الدرع يوم بدر عند البخاري، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين، في حديث عند أبي داود، وفي حديث آخر عند الترمذي وعند ابن ماجه في حديث ثالث.

ثم إن صنعة الدروع منقبة لنبي الله داود عليه السلام، حيث نسب الله تعليمه إياها لنفسه، وحثَّ على شكره على ذلك، فقال تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {سبأ:11،10}

 قال السعدي: لما ذكر ما امتن به عليه وعلى آله، أمره بشكره، وأن يعملوا صالحا.

وقال عز وجل: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ {الأنبياء/80}

 قال ابن كثير: فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ نعم الله عليكم، لما ألهم به عبده داود، فعلمه ذلك من أجلكم.

ومن ذلك قوله: وأهلك قومه في الأرض نوحُ    * بدعوة لا تذر أحدا فأفنى. فإن هذه الدعوة في محلها، فينبغي أن تذكر في مناقب وفضائل نبي الله نوح عليه السلام ، فإنه ما دعا عليهم انتقاما لنفسه، وإنما غيرة على الدين وحفظا لأهله، وقد ذكر عليه السلام علة هذه الدعوة فقال بعدها: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا {نوح: 27}.

وظاهر القرآن أنه لم يدع هذه الدعوة إلا بعد أن أوحى الله إليه أن قومه لن يؤمن منهم أحد حتى ولا من ذريتهم، حتى إن الله تعالى نهاه عن مراجعته في إهلاك قومه.

قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ {هود:37،36}

 قال ابن الجوزي: قال المفسرون: لما أوحي إِليه هذا استجاز الدعاء عليهم فقال: لا تذرْ على الأرض من الكافرين دياراً.

 وعلى هذا نص جماعة من المفسرين، وقال ابن الجوزي : قوله تعالى: ولا تخاطبني في الذين ظلموا فيه قولان : أحدهما: لا تسألني الصفح عنهم. والثاني: لا تخاطبني في إِمهالهم.

 وقال السعدي: وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أي: لا تراجعني في إهلاكهم، { إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } أي: قد حق عليهم القول، ونفذ فيهم القدر.

والله أعلم.

www.islamweb.net